مع الدكتور أحمد المعصراوي
حوار مع شيخ عموم المقارئ المصرية
الدكتور أحمد المعصراوي
رسم المصحف توقيف من عند الله لا يجوز تغييره
النبي رغم أميته كان يرشد كتبة الوحي إلى طريقة كتابة القرآن
للرسم العثماني إعجاز لم تعرف أسراره حتى الآن
د. نعيم محمد عبد الغني
إعجاز القرآن في رسمه وقراءاته كان محور اهتمام البشرية منذ أن استقبلت القرآن الكريم، فآمن به من أسره سحر بيانه، واعترف له أعداء الإسلام في القديم والحديث بأن له حلاوة، وأن عليه طلاوة وأن أعلاه لمثمر، وأسفله لمغدق، وأنه يعلو ولا يعلى عليه.
والقضايا المتعلقة بالقراءات القرآنية والرسم العثماني كثيرة، تناولها العلماء والباحثون، وحتى المستشرقون الذين نقبوا فيها؛ بغية استخراج شبه للنيل من القرآن وأهله، وتلك المحاور ناقشنا فيها شيخ عموم المقارئ المصرية الدكتور أحمد المعصراوي ورئيس لجنة تصحيح المصحف بالأزهر الشريف الذي يعد فارسا في ميدان القراءات لا يشق له غبار، بالإضافة لعمله كأستاذ لعلوم الحديث بجامعة الأزهر؛ مما يجعلنا نقف أمام عالم من طراز العلماء الموسوعيين؛ لنسأله عن هذه القضايا أثناء زيارته الدوحة في مارس 2008 حيث كان ساعتها يراجع مصحف قطر مراجعة أولى برفقة لجنة تحكيم عالية المستوى منها الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف نائب رئيس لجنة تصحيح المصحف والشيخين حسن عراقي وسيد عبد المجيد كوكيلين للجنة، وعضوية المشايخ علي شرف وسلامة جمعة وحسن المعصراوي، وكان لنا هذا الحوار مع الدكتور أحمد المعصراوي الذي ادخرناه لهذه المناسبة
· ينادي بعض الناس منذ فترة تزيد على خمسين عاما بكتابة القرآن بالرسم الإملائي فما رأيكم؟
الرسم العثماني رسم توقيفي من عند الله تعالى، ولذلك فلا تجوز كتابة القرآن بغيره كالرسم الإملائي؛ فالنبي –صلى الله عليه وسلم- رغم أميته التي قال عنها الله تعالى: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك) كان ينظر في ما كتبه الصحابة عنه من قرآن وقد وصل عددهم إلى 43 كاتبا، وكان يرشدهم لطريقة كتابة الحروف ثم كان ينظر في الرقاع بعد كتابتها ويقر نزولها، وهذا من إعجاز القرآن، ودلالة على توقيفية الرسم العثماني
· ما دام رسم المصحف توقيفياً فلماذا نسب إلى سيدنا عثمان ولم ينسب للنبي –صلى الله عليه وسلم- مثلا أو إلى أحد من الصحابه كأبي بكر وعمر كأن نقول الرسم النبوي أو البكري أو العمري ...إلخ؟
سؤال ممتاز، والإجابة عليه تتمثل في أن سيدنا عثمان لما جمع الناس على مصحف واحد، نسب الرسم إليه في هذه الحالة، كما اجتمعت الأمة من قبل على القراء أصحاب القراءات كنافع والكسائي وابن كثير وغيرهما؛ فلإجماع الأمة على هؤلاء نسبت القراءة إليهم كما نسب الرسم العثماني إلى سيدنا عثمان، وهذا لا يعني أبدا أن سيدنا عثمان جاء بهذا الرسم من عند نفسه.
· يزعم بعض المستشرقين وعلى رأسهم جولدتسيهر أن الرسم العثماني هو السبب في اختلاف القراءات فما تعليقكم على هذا الكلام؟
هذا كلام غير صحيح بالمرة فالرسم العثماني لكل القراءات القرآنية واحد لا يختلف، والرسم العثماني يعد شرطا من شروط الحكم على القراءة الصحيحة وإذا فقد شرطاً من شروط القراءة تكون القراءة شاذة، وجمع القرآن وكتابته اعتمد على المسطور في العُسب والرقاع الذي كتب على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- بالإضافة للمحفوظ في صدور الصحابة، فكان زيد بن ثابت لا يثبت إلا إذا شهد على الآية صحابيان من حفظهما. وما حدث من اختلاف القراءة تبعا للرسم لم يكن ناتجا عن الرسم العثماني الذي هو توقيف من الله، فقواعده معروفة، وتتمثل في الزيادة والحذف والإبدال...إلخ هذه القواعد، وإنما نتج عن عوامل أخرى كنقط المصحف، مثل قوله تعالى: فثبتوا وتبينوا في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)؛ حيث إنها لم تكن منقوطة ونطقت موافقة لشروط القراءة الصحيحة؛ إذ لم يتعرض الرسم العثماني لطريقة كتابتها ومن ثم فهي غير متعارضة معه، ولم تكن مخالفة لوجه من وجوه العربية بالإضافة لاتصال سندها عن النبي –صلى الله عليه وسلم-
· حاول الزركشي في كتاب البرهان في علوم القرآن أن يتلمس بلاغة الرسم العثماني واقتفى أثره عدد من الباحثين منهم الدكتور عبد العظيم المطعني في مجلة منبر الإسلام في 13 حلقة متوالية عام 2001، 2002، فما رأيكم في هذه المحاولات؟
يعني هذه كلها اجتهادات لا تقف على أساس علمي رصين، وهي دراسات تذوقية، فللرسم العثماني إعجاز لم تعرف أسراره حتى الآن.
· جمعتم بين دراسة علوم القراءات وعلوم الحديث، فما أثر ذلك في نتاجكم العلمي؟.
أثر ذلك تجلى في تأليفي في المجالين فألفت فقه محمد بن الحسن الشيباني ومنحة الفتاح في أحاديث النكاح ، صحيح المنقول في الحديث الموضوع، نكاح المتعة بين التحليل والتحريم، أحكام النذور من سنة الرسول، أحكام الهبة والهدية، دراسات في علوم الحديث، الشفاعة في ضوء الكتاب والسنة ، الدرر في مصطلح أهل الحديث والأثر، البدور الزاهرة في القراءات العشر للنشار تحقيق، شرح التيسير تحقيق. وهناك كتاب لي جمع بين التخصصين اسمه القراءات في كتب السنة وبعض هذه المؤلفات ستطبعه وزارة الأوقاف القطرية وكثير منها مطبوع في مصر في دار السلام للنشر والتوزيع.
· القرآن الكريم له قراءات مختلفة، وفي كل قراءة روايات متعددة، ولكل روية طرقها، والأوجه التي تقرأ بها، فهل لنا أن نعرف نبذة عن ذلك؟
القرآن الكريم نزل من عند رب العالمين في اللوح المحفوظ إلى أمين الوحي جبريل الذي أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وكان النبي يقرئ صحابته، وأخذ عن هؤلاء الصاحبة جيل من التابعين، اشتهر منهم عدد أجمعت عليهم الأمة؛ لإتقانهم وضبطهم، فقرأ كل واحد منهم بقراءة تحركت في أطر ثلاث، هي: أن توافق الرسم العثماني وأن توافق اللغة العربية ولو بوجه في نحوها وصرفها ولهجاتها، وأن يتصل سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء القراء عاصم بن أبي النجود الذي أخذ القراءة عن سيدنا علي بن أبي طالب ونافع وابن كثير والكسائي وأبي عمرو...إلخ القراء العشرة الذين أجمعت عليهم الأمة، وهؤلاء القراء أخذ عنهم رواة اشتهروا بالضبط والإتقان فعاصم أخذ عنه حفص وشعبة، وقال العلماء بأن حفص بالإتقان كان مفضلا عن شعبة، ونافع أخذ عنه ورش وقالون، وفي كل رواية طرق، فلورش مثلا طريقان هما: الأصبهاني والأزرق ولحفص طريقان هما عمرو بن الصباح وأبي عبيدة بن الصباح، وهناك الأوجه المختلفة كقصر المنفصل وتوسط المنفصل ...إلخ
· كيف يمكن تعلم هذه القراءات؟ وهل من السهولة إتقانها؟
تعلم القراءات يحتاج إلى رغبة قوية، وعزيمة شديدة، وتعلمها يتم أولا بحفظ القرآن كاملا برواية حفص مثلا وإتقان الحفظ والتجويد ثم بعد ذلك تحفظ متون الشاطبية والدرة والطيبة وبها شرح للقراءات العشر، وكل ذلك عن طريق التلقي طبعا على شيخ متقن ويقوم الطالب بقراءة كل رواية على حدة من الفاتحة إلى سورة الناس، وهناك من يقوم بقراءة الآية الواحدة بالروايات والطرق والأوجه المختلفة في مرة واحدة، وهناك من يجمع بين الاثنين فيختم القرآن رواية رواية ثم يجمع القراءات كلها في ختمة واحدة، وواضح من الكلام أن الموضوع ليس سهلا؛ فالسهل أن تحفظ متون القراءات كالشاطبية والطيبة والدرة ولكن إتقان كل رواية على حدة صعب جدا والقلة القليلة هي التي تتقن القرآن برواياته العشرين وقراءاته العشر والأوجه المختلفة.
· نسمع من يقول بأن هناك قراءات متواترة وقراءات شاذة فما معنى هذه المصطلحات؟
للقراءة شروط ثلاثة هي: أن يتصل سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخذ القراءة من أمين الوحي جبريل عن اللوح المحفوظ بطريق التواتر أي ينقل جمع كبير عن جمع كبير إلى أن يصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يستحيل أن يتواطأ أحدهم على الكذب لاختلاف الزمان والمكان، وأن توافق العربية ولو بوجه، وأن توافق الرسم العثماني.
ومخالفة شرط من هذه الشروط يعني أن القراءة شاذة، وليس المقصود بالشذوذ الخطأ وإنما المقصود به الخروج عن الشروط السابقة، وبعضهم كابن الجزري عرف القراءة الشاذة بأنها ما صح اتصال السند فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووافقت قواعد العربية ولو بوجه ولكنها خالفت رسم المصحف، ومن أشهرها مثلا قراءة الحسن البصري، وهي أنواع لعل أبرزها: القراءة التفسيرية كقراءة حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى صلاة العصر. ولا تجوز الصلاة بالقراءة الشاذة وهذه قضية كبيرة وتفصيلاتها كثيرة
· هل يجوز الجمع بين القراءات في الصلاة؟
لا يجوز الجمع بين القراءات في الصلاة، بل على المصلي إماماً كان أو مأموما أن يلتزم بطريقة واحدة في القراءة من حيث الوجه والطريق والرواية والقراءة كما تبين في توضيح هذه المصطلحات.
· رغم أستاذيتكم في علم الحديث التي نتجت عنها هذه المؤلفات إلا أنكم أشهر في علوم القراءات ما السبب في ذلك؟
السبب في ذلك أن في علماء القراءات ندرة شديدة، وعلماء الحديث كثيرون، وقد أقبلت على تعلم القراءات حبا في هذا العلم وما زلت أراجع القرآن برواياته، وأراجع متون القراءات.
· كم تستغرق المراجعة من وقت الدكتور المعصراوي؟
أختم القرآن كل عشرة أيام تقريبا، كل ختمة برواية مختلفة، وأراجع المتون.
· هل لكم وقت معين في المراجعة؟
ليس لي وقت معين بل أقرأ في كل وقت في الطريق وفي كل فرصة ولكن غالبا بعد الفجر يكون الوقت المناسب للمراجعة.
>>>>>>>
يستفاد منها
صدرت الموافقة من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بإذن الطباعة بتاريخ 3 مارس 2008، وتمت مراجعة المصحف الشريف بالدوحة لأول مرة بمعرفة فضيلة الشيخ المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية واللجنة الخاصة بذلك المتكونة من الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف عبد الله كنائب لرئيس اللجنة، والشيخ حسن عبد النبي عبد الجواد عراقي والشيخ سيد علي عبد المجيد عبد السميع كوكيلين، والشيوخ سلامة كامل جمعة قناوي وعلي سيد علي شرف، وحسن عيسى المعصراوي كأعضاء، وتمت هذه المراجعة بكل دقة مع مراعاة ما استحسنته اللجنة من إضافة بعض الوقوف تيسيرا على القراء عامة والحفاظ خاصة، علما بأن ما أضافته اللجنة من هذه الوقوف لم يكن بدعا من اللجنة، بل كان مرجعها وسندها في ذلك ما ذكره أهل الخبرة وخاصة كتاب "المكتفي" لأبي عمرو الداني و"منار الهدي" للأشموني، و"المقصد" لزكرياء الأنصاري
>>>
حصلت على المراجعة من اللجنة المختصة بالأزهر الشريف في الـ10 يناير 2009، وفي 10 فبراير تم الحصول على إذن التداول ليخرج المصحف في أبهى صورة تجمع بين جمالية الفن ودقة الضبط وبدأت عملية الطباعة