في حوار مع الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني
لا زلت أشتغل على بحث قديم أطفأ هذه السنة شمعته العاشرة موضوعه
"لغة الجسد العاشق لدى المرأة"
محمد سعيد الريحاني |
أجرى الحوار: موسى حوامدة |
موسى حوامدة: ماذا تقرأ حالياً؟
محمد سعيد الريحاني: أعيد قراءة رواية "الأشياء تسقط متناثرة" للكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي.
موسى حوامدة: كتاب ندمت على شرائه أو قراءته .
محمد سعيد الريحاني: الكتب كنوز التفكير والوجدان والخيال وللآلئ تنير الفكر والبصر وصحبة تؤنس العزل وأثاثا يزين رفوف المكتبات المنزلية ولم يحدث لي في يوم من الايام أن أرغمت على شراء كتاب أو قراءته دون الشعور بالرغبة في رفقته والشوق للإبحار بين سطوره. قد أندم على فقد كتاب ولكنني لا أندم على اقتنائه أو قراءته.
موسى حوامدة: هل وجدت شيئا يروق لك في السينما أو المسرح؟ أم شاهدت شيئا لم يعجبك؟
محمد سعيد الريحاني: لدي احترام كبير لكليهما، المسرح والسينما. فقد عشت طفولتي الأولى في بداية السبعينيات في حي شعبي يجاور سينما "المنصور" بمدينة مسقط رأسي حيث كانت أسر الحي بكاملها تواظب على ارتياد قاعة العرض مباشرة بعد وجبة العشاء فتعج القاعة بالتحايا بين النساء والاطفال والرجال من أهل الحي. وأذكر ان الأفلام كانت في الغالب إما أفلام رعاة البقر الأمريكية أو أفلام رومانية تاريخية أو أفلام كلاسيكية هندية.
وبعد انتقالنا إلى بيتنا الجديد ب"الحي المدرسي"، صرت أقرب إلى "المرينة" فضاء التمثيليات المسرحية الشعبية التي كانت تؤدى في الهواء الطلق تحت اسم "الحلقة". عشقي ل"الحلقة" لم يطمس حبي الدائم ل"السينما" التي من خلالها تعرفت على ثقافات العالم وغناها، وعن طريقها تمكنت من اللغة الاجنبية الأولى، وبفضلها فتحت عيني على قيم جديدة لم أتربّ عليها في أسرتي.
لكن الشيء الذي لا يروق لي في خضم هذا الحب الكبير لهذين الفنين النبيلين هو تهاوي قاعات المسارح ودور السينما بأعداد كبيرة سنويا تحت معاول الهدم بهدف تحويلها إلى بقع أرضية صالحة للتجزئة والبناء والتعمير. فمن أصل ثلاثمائة قاعة سينما ومسرح تركها "الاستعمار" الفرنسي والإسباني قبل رحيله عن البلاد، لم يبق منها غير مائة وخمسين قاعة في عهد مغرب "الاستقلال"!
موسى حوامدة: ما الذي يشد انتباهّك في المحطات الفضائية؟
محمد سعيد الريحاني: ما يشد انتباهي في المحطات الفضائية العربية هو الإقصاء شبه المطلق للثقافة وللبرامج الثقافية التي بالكاد يسمح لها بالمرور على الساعة "الحادية عشر ليلا" في "جلّ" الفضائيات العربية وهو توقيت غريب يحظى ب"الإجماع" لدى إدارات المحطات الفضائية العربية ولا يحظى بالنقاش لدى النخب العربية!
موسى حوامدة: ماذا تكتب هذه الأيام؟
محمد سعيد الريحاني: أشتغل على واجهتين. فعلى الواجهة الأولى، أعيد قراءة نصوص المجموعة القصصية "وراء كل عظيم أقزام" التي ستصدر السنة القادمة . أما على الواجهة الثانية، فلا زلت أشتغل على بحث قديم أطفأ هذه السنة شمعته العاشرة موضوعه "لغة الجسد العاشق لدى المرأة".
موسى حوامدة: ما الذي أثار استفزازك مؤخراً؟
محمد سعيد الريحاني: أن أعاقب على إصدار كتابي " تاريخ التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب" بعيدا عن عيون المهتمين بالشأن الثقافي وفي مأمن من رقابة الجمعيات الحقوقية. أن اعاقب على صدور الكتاب "في مهنتي" من خلال "عرقلة حقوقي المهنية وحرماني من ترقيتي الإدارية". وقد كان لي قبل خمسة أيام جلسة حوار موسعة بناء على طلب من نائب وزير التعليم المغربي على الإقليم الذي أشتغل فيه بحضور ومشاركة رؤساء الأقسام والمكاتب بالنيابة المذكورة لكنها "فشلت" وسأنشر في الأيام القليلة القادمة على المنابر الصحفية الورقية والإلكترونية "التسجيل المفصل والكامل" لوقائع هذه الجلسة...
موسى حوامدة: حالة ثقافية لم ترق لك.
محمد سعيد الريحاني: هي هذه الحمى التي تعم العالم العربي والتي تسرع الخطى في كل اتجاه لصناعة مثقفين وهْميين بهدف رفع أبواق مسموعة لصوتها المبحوح وتأمين نوافذ على ما يجري في المجال الثقافي وتأمين التحكم في موازين القوى الثقافية...
موسى حوامدة: حالة أو موقف أعجبك.
محمد سعيد الريحاني: سنونو وحيد استقر به التيه خارج غرفة نومي على أحد أنابيب سخانة الحمام، نلتقي يوميا قبل كل غروب كجارين قديمين. في البداية، كان ينفر ويهرب مني ولكن مع توالي الأيام، ألفَ عُشْرتي وبدأ يتقبل اقترابي منه رغم طبيعته "البرية" التي لا تقبل الترويض.
موسى حوامدة: ما هو آخر نشاط إبداعي حضرته؟
محمد سعيد الريحاني: ندوة حول الترجمة نظمت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بجامعة محمد بن عبد الله بمدينة فاس المغربية. وقد كان موضوع مداخلتي "دور الترجمة في الإقلاع الحضاري والتقريب بين الشعوب ودعم حوار الثقافات وتعايشها".
موسى حوامدة: ما هي انشغالاتك الاجتماعية؟
محمد سعيد الريحاني: لدي لائحة ضيقة من المعارف والأصدقاء لكن اللقاء بهم أو استضافتهم تبقى دائما متعة ننتظرها جميعا بفارغ الصبر.
موسى حوامدة: فرصة ثمينة ضاعت منك.
محمد سعيد الريحاني: ربما كانت فرصة الهجرة مع كوكبة من رفاقي أيام الجامعة بعد مقاطعتنا للامتحانات ثلاث مرات خلال سنة واحدة سنة 1989. فكل الرفاق الذين هاجروا تلك السنة لم يعودوا إلى المغرب أبدا وبعضهم جاء بعد عشرين عاما فقط ليحيي صلة الرحم مع آبائه وإخوته.
موسى حوامدة: ما الذي يشغل بالك مستقبلاً؟
محمد سعيد الريحاني: بدأت الكتابة عام 1991 وراكمت النصوص تلو النصوص و الأعمال تلو الأعمال ولكنني لم أنشر كتابي الأول إلا سنة 2001. فمن خلال ما تجمع لي من أعمال على مدى عشر سنوات (1991-2001)، قمت بنقد ذاتي لتجربتي الصامتة كما بقراءة نقدية لأعمالي تبين لي من خلالها أن مجال إبداعي ينحصر في ثلاث مجالات: مجال "الحرية" ومجال "الحلم" ومجال "الحب". وعليه، فمنذ قراري دخول عالم النشر الورقي دخلت بأعمالي التي تنضوي "جميعها" تحت تيمة "الحرية" وقد كان من بين الكتب الصادرة في هذه المرحلة كتاب "تاريخ التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب" الصادر صيف 2009 مع كل العداوات الشخصية والأذى المؤسسي والحيف الإداري الذي لحق بي بعد صدوره!
أما مرحلة ما بعد مجموعة السنة القادمة "وراء كل عظيم أقزام"، فستكون مرحلة "الحلم" ومرحلة "الحب" وربما ستكون روايتي "قيس وجولييت" فاتحة المرحلة.
موسى حوامدة: هل لديك انشغالات وجودية؟
محمد سعيد الريحاني: منذ بلغت سن السادسة عشر وأنا أواظب على حصص يومية للتأمل، للتامل في كل شيء: في الكون، في الحياة، في الذات، في النظام الاجتماعي... ولأن العملية أعطت أكلها فقد واظبت عليها إلى يومنا هذا.
موسى حوامدة: ما الذي ينقص الثقافة العربية؟
محمد سعيد الريحاني: ما ينقص الثقافة العربية هي أن تكون "ثقافة" أولا، وأن تكون "عربية" ثانيا، وألا تكتفي بالاستيراد وتلويك المنتجات المستوردة. إن الثقافة العربية مدعوة بجدية للإنصات للذات ولأنين الأصوات الثلاثة الدفينة: صوت "الحرية" وصوت "الحلم" وصوت "الحب" وهي الأصوات التي تكاد لا تسمع على مستوى الأدب السردي العربي إلا في "أدب المرأة" و"أدب السجن"...
موسى حوامدة: ما الذي ينقص بلدك على الصعيد الثقافي؟
محمد سعيد الريحاني: ما ينقص بلدي هو ثقافة الاعتراف المتبادل بالعطاء والاستحقاق فالثقافة السائدة في المغرب وربما أيضا في غيره من البلدان المغاربية والعربية هي ثقافة "الانفتاح على الأجنبي" و"ثقافة تهميش المثقف المحلي": فالدولة لا تدعم الكاتب المحلي إلا من البوابات المعروفة، والناقد لا يقرأ للكاتب المحلي إلا من باب القبلية والحزبية والزمالة وصداقات الطفولة أو الكهولة، ومبيعات الكاتب المحلي لا تقاس بمبيعات الكاتب الأجنبي على نفس رفوف المكتبات الوطنية... ما ينقص بلدي ثقافيا هو تفعيل القيم الثقافية الحقيقية المعطلة ليقف "كل لاعب" (سواء كان وزيرا أو كاتبا أو ناقدا أو قارئا أو موزعا أو ناشرا) في موقعه على الملعب لتنفيد خطة تتجاوز طموحاته الصغيرة الموغلة في الصغر...
موسى حوامدة: هل أنت راض عما حققته حتى اليوم وهل تسعى لمنصب معين؟
محمد سعيد الريحاني: أنا راض تمام الرضى عن المنجز القليل الذي حققته ومؤمن كل الإيمان بما فعلته وما زلت أقوم به رغم حشود الضّباع التي رُصدتْ لي في كل مكان، بين أفراد العائلة والجيران والأصدقاء والزملاء لإذايتي أو لثنيي عن المضي في طريقي، وهي ضبَاعٌ تقصّدت، من حيث المبدإ، إيقافي أو قتلي ولكنها أدّتْ لي خدمة لم يسْدهَا لي إنسان أو جماعة أو مؤسسة في حياتي: قوّتْ إرادتي وصنعت لي مَسَاري و"انتحرتْ"...
أما المنصب فهو ليس فقط "غائب عن فكري وبرامجي" بل "يستحيل التفكير فيه"، في حالتي، مع الاحتفاظ بالطريقة "المتوحشة" التي أعيش بها والشكل "غير المهادن" الذي أفكر به...
********
محمد سعيد الريحاني، باحث وقاص ومترجم مغربي من مواليد 23 ديسمبر 1968، عضو اتحاد كتاب المغرب. صدر له: "الاسم المغربي وإرادة التفرد"، دراسة سيميائية للإسم الفردي (2001) ، "في انتظار الصباح" ، مجموعة قصصية (2003)، "موسم الهجرة إلى أي مكان "، مجموعة قصصية (2006)، "الحاءات الثلاث "، أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة (صادرة في ثلاثة أجزاء على ثلاث سنوات 2006- 2007- 2008)، "تاريخ التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب " (2009)، "موت المؤلف"، مجموعة قصصية (2010).
أشرف على ترجمة النصوص القصصية الثمانية المكونة للقسم المغربي في أنطولوجيا "صوت الاجيال: مختارات من القصة الإفريقية المعاصرة" التي أعدتها جامعة أوليف هارفيه بولاية تشيكاغو الأمريكية ونشرتها دار "البحر الأحمر" في ترنتن بولاية نيو جيرزي الأمريكية.
أشرف على ترجمة خمسين (50) قاصة وقاصا مغربيا إلى اللغة الإنجليزية ضمن أنطولوجيا "الحاءات الثلاث: مختارات من القصة المغربية الجديدة" وهو مشروع ثلاثي الأجزاء صادر في نسخته الورقية العربية على ثلاث سنوات: "أنطولوجيا الحلم المغربي" سنة 2006، "أنطولوجيا الحب" سنة 2007، و"أنطولوجيا الحرية" سنة 2008 تقصد منذ بداياته، تحقيق ثلاث غايات أولها التعريف بالقصة القصيرة المغربية عالميا؛ وثانيها التعبئة بين أوساط المبدعات والمبدعين المغاربة لجعل المغرب يحتل مكانته الأدبية كعاصمة للقصة القصيرة في المغرب العربي إلى جانب الجزائر عاصمة الرواية وتونس عاصمة الشعر؛ وثالثها التأسيس ل"المدرسة الحائية"، "مدرسة" قادمة للقصة القصيرة الغدوية عبر هدم آخر قلاع العتمة في الإبداع المغربي (الحلم والحب والحرية) واعتماد هده "الحاءات الثلاث" مادة للحكي الغدوي التي بدونها لا يكون الإبداع إبداعا.