"الموقد" يحاور الكاتبة والباحثة المثيرة للجدل د. ميرا جميل
"الموقد" يحاور الكاتبة والباحثة المثيرة للجدل
د. ميرا جميل
حاورها: سيمون عيلوطي
*الثقافة الفلسطينية داخل الخط الأخضر غير قادرة على العودة إلى مكانتها الريادية في الثقافة العربية عامة، وفي الداخل إشكاليات كبيرة "وهيصة "أدبية غير مفهومة!!* يجب نسف كل المعوقات الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية لفتح الطريق أمام التطور الجديد الأرقى والأجمل والأكثر إنسانية * لم ألمس نشوء جيل جديد قادر على حمل الشعلة التي تركها محمود درويش * دماغنا يعيش تحت تأثير الغرائز والمعجزات .. عكس الفكر الغربي الذي تأسس على المنطق القائل أن " لا شيء يأتي من لا شيء " * الإبداع مستحيل بلا تجربة حياتية وممارسة فكرية شاملة في قضايا المجتمع والناس *
لماذا هذا الاهتمام غير العادي بشخصيتها وكتابتها ؟
ميرا جميل فجرت العديد من القضايا المسكوت عنها في السياسة والأدب والدين على حد سواء، حتى أن إحدى الصحف نشرت افتتاحية وبقلم رئيس تحريرها تناقش فيها بعض طروحات هذه الكاتبة "المشاغبة" وقد اتصل بي بعض الكتاب والمهتمين يستفسرون عن هوية ميرا جميل ، وانتشرت تأويلات مختلفة تقول إنه اسم غير حقيقي لكاتب قد يكون من الكتاب المحليين .
معرفتي بميرا جميل جاءت عن طريق المواد التي ترسلها إلى الموقد كما ترسلها إلى عشرات المواقع .. وقد نشرتُ بعض مقالاتها وامتنعتُ عن نشر البعض الآخر حتى لا يتهم الموقع بالتماثل الكلي مع مواقفها ، رغم قناعتنا بحرية الرأي . ولكن مساحة حرية الرأي في مجتمنعنا أضحت مشكلة صعبة .
ميرا كتبت في مواضيع مختلفة مثيرة . ويبدو أن لها اطلاع واسع على ثقافتنا المحلية، وخاصة ما يدور في الغرف المغلقة، وهو أمر أثار اهتمامي، كما أثار اهتمام نفر من القراء والمثقفين لما تطرحه مقالاتها من مواقف حادة وجريئة ليس لثقافتنا عهدًا بها . الأمر الذي حفزني أن أتوجه إليها ، عبر بريدها الألكتروني بعدد من الأسئلة ، لعلني أنجح بكشف شخصيتها بشكل أفضل للقراء المهتمين بالشخص ، وقد كنت مضطرا لتوجيه المزيد من الأسئلة بعد تلقي أجوبتها الأولى ، ولكن الملاحظ أن ميرا جميل، تصر على أنها ميرا جميل، وليست أي شخص آخر، وترفض كشف المزيد من شخصيتها، بل وتعتبر ذلك مسخرة وتؤكد أن الشخص بقلمه وليس باسمه وصورته .. وأعترف منذ البداية أنني توجهت إليها بأسئلتي ، لكي أكشف أكثر عن عالمها وهمومها ومواقفها، ولكنني بعد أن أنهيت هذه المقابلة تفاجأت أنها فجرت لدي المزيد من الأسئلة التي أرجو أن تتوفر لي الظروف يوما للعودة إليها بحوار جديد .
سؤال- ميرا جميل: أنت كاتبة مثيرة للجدل، عميقة جدا، ومستعدة لنقاش جميع المواضيع دون أن تضعي طابو على القضايا الفكرية والثقافية وكل ما يشغل الواقع العربي من مواضيع..
هل ميرا جميل اسم حقيقي ؟
ما هو عملها ؟.. ومن أين لها كل هذا الاهتمام والمعرفة بما يجري على ساحتنا الأدبية ؟
ميرا – وصل لعلمي أن البعض يبحث عمن تكون ، أو يكون .. ميرا جميل .. واتهم أدباء ذكرت أسماؤهم في مقالاتي بأنهم ميرا.. ولكنه موضوع شخصي ليس للصحافة .
ما يدور من مطاردة مخابراتية من بعض المثقفين حول من أكون، هي حالة مضحكة وهزلية وملائمة للمستوى الثقافي المتدني والمأزوم للثقافة العربية داخل فلسطين 48 .
أولا أعتذر من الذين اتهموا زورا بأنهم ميرا وعددهم حتى اليوم خمسة أدباء .. وثانيا شكرا لموقع "الموقد الثقافي" الذي يتيح لي هذه الفرصة للمصارحة ..
لنفرض أني لست ميرا ؟.. هل يتغير مضمون ما أطرحه ؟ هذا هو السؤال الأهم والجوهري. لا تبحثوا عن إنسان متخف في ميرا ، لن تجدوا إلا ميرا جميل ، جليلية تشبعت من هواء الجليل وصلب عودها بحب ترابه . وما زال سحر بلادها منغرسا عميقا في وجدانها .. وكما قال الشاعر المبدع سالم جبران ، في أجمل قصيدة حب فلسطينية للوطن : " كما تحب الأم / طفلها المشوه / أحبها / حبيبتي بلادي" . وآمل أن لا يتهم جبران أيضا بأنه ميرا جميل !!
ميرا هو أسمي ، جميل هو أسم أبي ، أسم عائلتي ليس واردا ولا أريد أن أسبب إزعاجا لأهلي بسبب بعض مقالاتي عن الدين والإعجاز العلمي في القرآن ، وأسم عائلة زوجي اليوناني لا ضرورة لها .. لا أريد أن يطاردوني حتى بيتي ..
الأدب شدني منذ بداية وعيي ... وما زلت قارئة جيدة للأدب .. وهو ما قادني للتعرف على زوجي اليوناني –عربي اللسان والثقافة . درست الأدب العربي والشرق الأوسط في جامعة حيفا .. ثم تحولت للعلوم الاجتماعية .. لا أعمل في المجال، ولكني على اطلاع لا بأس به على واقع المجتمعات العربية، بفضل أستاذي الدكتور حليم بركات الذي كان محاضرا في جامعة جورج تاون، والذي ترك أثره العميق في تفكيري، عمق رؤيته بكتابه الشمولي الضخم والرائع " المجتمع العربي في القرن العشرين ".
علم الاجتماع وسع مداركي الثقافية والفكرية، وأعطاني مقاييس معرفية لفهم حركة الحياة والثقافة والمجتمع والبشر
لم أكن في يوم ما بعيدة عن مجريات الثقافة الفلسطينية في فلسطين 48 .. أعرف الأسماء وأتابع إنتاجها ..
يؤسفني أن أقول إني لم ألمس نشوء جيل جديد قادر على حمل الشعلة التي تركها محمود درويش ورفاقه... ولا أجد أن الثقافة الفلسطينية في الداخل قادرة على العودة إلى مكانتها الريادية في الثقافة العربية عامة . وفي الداخل إشكاليات كبيرة " وهيصة" أدبية غير مفهومة !!
سؤال - تقولين أنك تعرفين الأسماء وتتابعين إنتاجها وخلافات الأدباء المضحكة المبكية، سؤالي هو - هل لك أن تقيمي ابداعهم ؟
ميرا – لا أريد الدخول بإعطاء علامات .. ليست هذه وظيفتي . ولست ناقدة أدبية لأعطي تقييما موضوعيا ، إنما أتحدث عن رؤية ثقافية عامة .
سؤال – نعم : ولكنك وجهت نقدا حادا للنقد المحلي ... وذكرت أسماء؟
ميرا – انتقدت تيار الصياغات الخلو من النقد، النقد التهريجي المدمر للأدب... والمليئ بالثرثرة الضارة، لي مع بعضهم حساب من نوع آخر.. ليس عداء ، انما حسابا ثقافيا لتهاونهم مع ظواهر الهبوط الإبداعي وفوضى النشر .. وقد أعود للموضوع فيما بعد .
سؤال - هل موقفك متأثر من موقف طرحه أديبان محليان وربما أكثر حول نفس الموضوع ؟
ميرا- لا علاقة بأحد إطلاقا ، أعتقد أن رأيي تشكل منذ نهاية التسعينات ، اليوم أجد تماثلا مع بعض الطروحات وهي لم تؤثر على مواقفي لأني وصلتها بشكل شخصي .. التماثل لا يعني التأثر . والتأثر ليس عارا بنفس الوقت .. واتفاق رأيي مع رأي آخرين هو أمر مطمأن لي على الأقل ، بأني على صواب .
التأثر لا يقلل من استقلالية رأيي وقدرتي على المساهمة وتطوير النظرة الثقافية. الثقافة تشكل مجمل رؤى الكون والحياة ودور الإنسان ومعارفه ومفاهيمه وعقائده . انتبهوا لما يقوله المفكر الكبير محمود أمين العالم : " إن لكل إنسان ثقافته التي تتمثل في رؤيته للعالم ، وسلوكه العملي والاجتماعي والوجداني ... وان هدف التثقيف قد يكون نقدا ونقيضا وتغييرا للبنية الثقافية المسيطرة ، من أجل إرساء بنية ثقافية أخرى جديدة مختلفة، وان الثقافة تشمل كل المضامين الفكرية والوجدانية والتذوقية في مختلف مجالات السلوك السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وهي بهذا المعنى جزء من البنية الأيديولوجية الاجتماعية العامة التي هي أكثر شمولا وتجريدا.
من هنا رؤيتي أن كل المعوقات الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية يجب نسفها لفتح الطريق أمام التطور الجديد الأرقى والأجمل والأكثر إنسانية .
ومن هنا انتقادي للحفاظ على الجيف الميتة من تنظيمات وأفكار، والتصرف كالغانيات في الثقافة والنقد ..
سؤال – تبدين في بعض كتاباتك كأنك لا تميزين بين الدين كمادة دينية وبين الأصولية ؟ هل يختلط الأمر عليك في هذا الموضوع ؟
ميرا – الصحابي أبو حيان التوحيدي كان يقظا منذ مطلع الإسلام للتحولات السلبية،وقد قال بوضوح : "الشريعة دُنّست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، وذلك لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية".
المجتمع العربي يعيش بحنين إلى الماضي دون أن يستوعب كيف كان ذلك الماضي .. وهل هو مستعد للعودة 17 قرنا إلى الوراء مع كل ما يترتب على ذلك ؟
إن عبادة الماضي صارت دينا جديدا ألحق بنا. وبدل أن نستعمل العقل لاكتشاف قوانين الطبيعة، وتطوير التكنولوجيات والصناعة والزراعة والمرافق الحياتية والتأمينات الاجتماعية والصحية والقضاء على الأمية والتعليم والرفاه الاجتماعي، يغرق عقلنا بأوهام الإعجاز العلمي الذي لن يفيدنا ببناء مستقبلنا بل يزيدنا غرقا بالماضي والانغلاق العقلي عن الحاضر.. وعن مسيرة العلوم الإنسانية .
يقول المفكر التونسي الكبير العفيف الأخضر : "ثقافتنا ثقافة نص ديني يفترض التسليم بالمعجزة بما هي إلغاء لقوانين العقل وقوانين الطبيعة. ومنذ القرن 12م لم تعد غير معقولة وحسب بل سادها العداء المناض للعقل " . هذا هو باختصار ملخَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّص نقاشي لهذا الموضوع.
سؤال - نعود إلى الأدب والكتابة .. أين كنت كل هذه المدة ، ولماذا لم تحملي القلم وتنشري إلا في الفترة الأخيرة ؟
ميرا- كنت أما وربة بيت بوظيفة كاملة ، وما زلت ، ولكن وقتي أكثر فراغا ... وما زلت قارئة وباحثة نهمة ومتابعة لكل الأحداث السياسية والثقافية والفكرية والدينية والفلسفية في مجتمعي العربي ، وخاصة داخل حدود ال 48. أعمل مراسلة جزئية لبعض وسائل الإعلام اليونانية والقبرصية حول قضايا العالم العربي والشرق الأوسط .. وكنت دائما متحمسة للكتابة بلغتي الأم .. ولكنني مترددة وخائفة من المواجهة ومن الفشل .. وما أثرته من اهتمام أبسطني ولكنه أثار مخاوفي في نفس الوقت ، هل أنا قادرة على المواصلة بنفس المستوى ؟
سؤال – مقلاتك تثير الكثير من علامات الاستفهام ، طبعا وغضب البعض .. وتضع الكثير من علامات الاستفهام حول شخصيتك . هل لك عداوة شخصية مع الذين تنتقدينهم ؟
ميرا – إطلاقا .. مثلا الدكتور بطرس دلة معلم رائع كما أعرف .. وأحترم تاريخه التعليمي ، ولكنه أدخل نفسه في مجال يفتقد فيه لكل الأدوات والقدرة على فهم حقيقة الإبداع ، ومركباته . لذلك كتاباته بلا معنى ، ولا أقول ذلك تهجما ، بل إقرارا بواقع أكون بلا ضمير إذا قلت غيره . ويؤلمني أن من يعتبرون أنفسهم نقادا ومبدعين يصمتون أمام الألعاب النقدية للدكتور بطرس دلة. من جهة أخرى أقدر اهتمامه بالأدب وحرصه على متابعة الإنتاج .. ولكن بين النقد ، وبين المتابعة مساحة هائلة جدا تحتاج إلى أكثر من الرغبة الذاتية والحب الذي لا يعرف حدودا للمبدعين .
لست معادية أيضا لمحمد علي طه الذي يسمي نفسه رئيسا لإتحاد كتاب لا وجود له .. أعرفه معرفة جيدة من صحيفة الإتحاد بعد أن أنضم للحزب الشيوعي في إسرائيل . . ومن مؤتمر الشباب الذي عقد في كوبا ، التقينا مرات كثيرة في المؤتمر ، وفي احد اللقاءات شارك كما أذكر الكاتب اللبناني الكبير الياس خوري ، ولكني أرفض التمسك بجيفة ميتة ( اتحاد كتاب ) والادعاء الفارغ برئاسة اتحاد كتاب وهمي ضرره على ثقافة الداخل كبيرة ومؤذية ..
سؤال – ما هو موقفك من بعض الكتاب الذين يخلطون ما بين السياسة والأدب لتحقيق مكاسب شخصية ، ورأيك في هذه الظاهرة ؟
ميرا – هناك فهم خاطئ للسياسة .. يقود إلى موقف سلبي من السياسة ، التهمة أوجهها للسياسيين وليس للسياسة. السياسة فن وعلم وتجربة وتطوير للقدرات والمعارف . الادعاء أني أديب ولا تهمني السياسة تعني أني لا شيء .. واني مجرد ثرثار بلا معرفة ولا خبرة حياتية . الإبداع مستحيل بلا تجربة حياتية وممارسة فكرية شاملة في قضايا المجتمع والناس .. وقراءة الأدب لوحده لا تصنع مبدعا كبيرا . الأديب الحقيقي هو إنسان موسوعي في قراءاته وتجاربه ومارساته ..
حقا انأ لست مبدعة، ولم أفكر بعد بكتابة نص أدبي .. ربما اجرب قريبا .. ولكني قارئة مواظبة وعلى اطلاع على كل ما يشغل عالمنا من فكر وتطورات .. ولي اهتماماتي الكبيرة بما يجري داخل مناطق ال 48 خاصة، وبالمجتمعات العربية عامة ..
سؤال – بماذا ميرا مشغولة الآن ؟
ميرا – لا شيء خاص يشغلني .. أقرأ كتابا رائعا لمعروف الرصافي عن الشخصية المحمدية . حصلت عليه من عراقي لاجئ التقيته في قبرص، مقابل حاسوبي المتنقل ، زوجي يعتقد أني خرجت خاسرة ، ولكن عندما يقرا هذا الكتاب النادر سيقتنع أني الرابحة في الصفقة ... على كل كان حاسوبا من الجيل القديم وحان الوقت لشيء أكثر تطورا .. ووصلتني عدة أعمال جديدة لأدباء عرب ، ويشغلني منذ فترة الفيلسوف كارل بوبر ببحثه العظيم عن "المجتمع المفتوح وأعدائه " وجدت ترجمة ممتازة بالعبرية . للأسف لم أجد نسخة عربية مترجمة ويبدو ان الاصطلاحات الفلسفية تشكل عائقا للترجمة عربية ....
سؤال- بودك أن تضيفي شيًا ؟.
ميرا – أرجو أن يقوم حقا اتحاد للكتاب والصحفيين .. أن ينتخب مؤسساته وأن ينشط ثقافيا .. وأن لا يبقى مغلقا على اسم رئيسه ، كلقب يسبقه اسمه !!
وبالطبع آمل أن تتغير حال الثقافة في فلسطين 48 إلى الأفضل .. وهذا يقتضي جهودا من نقاد جادين ... ومن مختلف الهيئات العربية في الداخل . والأمنية الكبرى أن ينجز شعبي الفلسطيني حلمه الوطني بدحر الاحتلال الصهيوني وبناء دولته المستقلة ...