هند القطاوي
لوحاتها تعكس"صراخ صمتها"
هند القطاوي بريشتها الفنية
تُحيّ الفدائيين وتنشرُ قضية "فلسطين"
هنادي نصر الله
في لوحةٍ من أبرز لوحاتها الفنية،رسمت وردةً مغروسةً في الأرض،مذبوحةً من النصف...علقتْ عليها"هذا ما فعلته بيّ الغربة"
وفي أسفل اللوحة وقعّتْ توقيعها المشهور"صراخ الصمت"!!
تأملتُ لوحتها،وسرحتُ في توقيعها وسألتًُ نفسي"تُرى ما الذي يُجبر هذه الشابة التي تعيشُ أجمل لحظات شبابها اليانع على أن تُلقبّ نفسها بهذا اللقب القاسي؟!!.
وبعد نقاشٍ دار بيني وبينها،تيقنتُ أن فتاة لها قصة وحكاية وطموح وأيضًا جروح قررتُ أن أسوقها لكم من خلال هذا الحوار مع الرسامة الموهوبة"هند محمود القطاوي".
حاورتها /هنادي نصرالله:ـ
ـ بدايةً..هند عرفيّنا عن نفسكِ أكثر؟
أختكم في الله"هند محمود القطاوي"أبلغ من العمر24عامًا،خريجة قسم التحاليل الطبية من الجامعة الإسلامية بغزة،شاءت ليّ الأقدار أن أعيش سنوات طفولتي في دولة الإمارات العربية المتحدة،هوايتي التأمل في مخلوقات الله والجلوس على شاطئ البحر،أما موهبتي فهي الرسم.
ـ متى بدأت رحلتكِ مع الرسم؟وكيف توطدت علاقتكِ بريشتكِ الفنية؟
منذ صغري وأنا أعشق الرسم،وأتابع برامج الفن عبر شاشات التلفزة وكنتُ دائمًا أجلس مع نفسي وأسألها"لماذا لا يُوجد شيء عندكِ يُميزكِ عن الآخرين؟!كانت تساؤلاتي هذه بداية لموهبة الرسم التي اكتشفتها فعليًُا عندما كنتُ في الصف الثاني الإعدادي،حيث بدأت أرسم كل ما تقع عليه عيني وفي عام 1999رسمتُ أول لوحة فنية من وحي إبداعي وخيالي وكانت عن القدس والقضية،فقد رسمتُ"أحد الفدائيين الفلسطينين وهو ملثم"ويحمل على ظهره بندقيته الثائرة،وأمامه درج شاهق الإرتفاع فوقه القدس الشريف،ولم أجد أفضل من بيت الشعر الذي يقول"لو أبعدوني ألف ميل وشيعوني كالقتيل؛فهامتي لن تنحني ودمع عيني لن يسيل"! لأعلقّ على لوحتي هذه .
ـ ولكن..هند ماذا يعني لكِ الرسم؟!ولماذا لم تلتحقِ بكلية الفنون الجميلة بدلاً من التحاليل الطبيّة؟!
بالنسبة للشق الأول من السؤال ..كوني فتاة عشتُ تسعة عشر عامًا في الغربة يعني لي الكثير،إنه حبي الأكيد لبلدي الغالية بل هو الأكسجين الذي أستنشقه؛لأتواصل مع مجتمعي وأتفاعل مع قضيتي،وهو أيضًا صديقي الذي يُفرغ عني شحنات الألم والغربة التي تخالطني صباح مساء.
أما بالنسبة للشق الآخر من سؤالك"لماذا لم أتخصص في مجال الفن والرسم،أود أن أُخبركِ أن دراستي للتحاليل الطبية أعطتني دافعًا كبيرًا؛لأواصل رحلتي مع الرسم،تخصصي في مجال التحاليل لم يُعق إبداعي ورسمي،فأنا أرسم في أي وقتٍ أريد ودائمًا أحمل حقيبتي الفنية وعندما أشعرُ بأيِ فكرةٍ أرسمها فورًا ومشاعري ثائرة،فشعوري بالشيء هو سر نجاحي والتجربة الشعورية لا بد من وجودها لدى الرسامة كي تصل فكرتها للجمهور،أما أن تبردّ مشاعرها،فإن فكرتها حتما ستصل إلى المعنيين والمهتمين فاترة وربما ميتة!.
ـ "هند"أنت عشتِ في الغربة ولكِ عدة رسومات تتحدث عن الغربة وقسوتها حدثينا عن هذا الجانب؟
الغربة مرة ولكن الأبشع أن يرتبط هذا المفهوم لدى الفلسطينية أينما ذهبت وحلتّ حتى وإن عادت إلى بلدها؛لتدرسّ فيه تتنهد"هند"وبعد استراحة صمت قالت بأسى"عندما تركتُ أهلي في الإمارات وجئتُ إلى غزة وجدتُ الجميع ينظر لي نظرة غير عادية وكانوا دائمًا يقولون"هذه فتاة مغتربة"؛فبكيتُ من أعماق قلبي ورسمتُ وردةً مغروسةً في الأرض ومذبوحةً من النصف وكتبتُ عليها"هذا ما فعلته بيّ الغربة" وقتها سألتُ نفسي"لماذا يكافأني أهل بلدي بمعاملتهم القاسية وحكمهم الخاطئ؟ لقد كنتُ في الإمارات مغتربة وفي بلدي أيضًأ مغتربة،! أتمنى أن يتلاشى هذا الحكم الخاطئ من حياة الفلسطينين الذين عانوا من ويلات الغربة .
ـ واضح من حديثكِ حبك لبلدك فماذا تعني لكِ"فلسطين"؟وهل لديها مكانة في رسوماتك؟
بعد تنهيدة طويلة تجيب"هند" فلسطين بالنسبة لي الجرح الأعمق؛فلأجلها تركتُ دراستي في جامعة عجمان وقدمتُ إليها لأدرس فيها وأترجم حبي لها على أرض الواقع وليس فقط من خلال رسوماتي،صحيح أنني عشتُ طفولتي في الخارج ولكن لا أذكر يومًا غابت فيه فلسطين عن بالي ووجداني كنتُ أعرف أن فلسطين هي الدار والثوار واللاجئين والأسرى والأسيرات والمغتربين،دائمًا كنتُ أتابع نشرات الأخبار وأتفاعل معها فلا تمر ذكرى مجزرة أو ذكرى استشهاد شهيد إلا وأرسم لوحة فنية وأوزعها على الطلبة والأساتذة والمدرسين،ففي مرة من المرات كانت ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي في خليل الرحمن،وكنتُ وقتها في"جامعة عجمان"فرسمتُ عنها بإحساسي وعندما ذهبتُ إلى رئيس جامعتنا وقلتُ له سأوزعها على الطلبة قال لي"على مسئوليتكِ فوافقتُ رغم الحزن الذي غمرني لأن قضية فلسطين قضية الجميع وليس قضية المغتربين فقط فهي قضية كل مسلم وعربي على وجه الكرة الأرضية.
ولكن رغم الصعوبات التي كانت تواجهني في الخارج؛فإنني واصلت دربي في مساندة القضية الفلسطينية وأطفالها الذين يعيشون طفولةً مسلوبة وبائسة ولكنها في غاية البطولة والشجاعة كما أحاول من خلال رسوماتي أن أبحث عن الإنسان المقتول في قلب الإنسان؛فالعلاقات الإنسانية مهمة جدًا الصداقة الإخلاص الإحسان كلها مفاهيم إيجابية يجب أن نعززها،ودائمًا أرسمها وأدافع عنها بقوة.
ـ رائع حديثك يا"هند"ولكن ماذا عن مشاركتكِ الفنية هل شاركتِ في معارض إبداعية أم لا؟!
نعم لقد شاركتُ في معرضين فنيين بينما كنتُ في الإمارات وقد أثنى على رسوماتي الجمهور والمختصون الذين أعجبتهم رسوماتي ووصفوها بالمؤثرة،كما شاركت في غزة بمعرضين آخرين نظمهُما"مركز نسج الإبداع"التابع لمجلس طالبات الجامعة الإسلامية وقد احتلتْ رسوماتي المركز الأول بشهادة الجميع من بينهم الدكتور"جميل الطهراوي"الذي لا يعرفني شكلاً إلا من خلال لقبي"صراخ الصمت".
ـ قلتِ لقبكِ هو "صراخ الصمت"لماذا؟
"صراخ الصمت"له معاني كبيرة كما أنه يحمل نصائح وهي آلا نحكم على كل إنسان يُدمن على الصمت بأنه مبسوط وجامد ولايُبالي بالآخرين،بل ربما يكون على العكس تمامًا صامت في ظاهره وهو في باطنه يغلي وصرخ من شدة الألم وهذا هو حالي وحال لوحاتي الصامتة ولكن إذا ما تأملتها ستجدها تصرخ من شدة الألم والإحساس.
ـ كرسامة موهوبة هل هناك مواقف معينة أثرتْ في نفسكِ وما هي؟!
منذ صغري وأنا معجبة بشيخ المجاهدين الإمام أحمد ياسين وعندما قدمتُ إلى غزة كانت صديقاتي في الإمارات يقلنّ "هند"ستذهب لترى الشيخ أحمد ياسين والفدائيين،لا لكي تدرس في غزة وهذا ما قاله أيضًا رئيس جامعة عجمان لوالديّ عندما جئتُ لأسحب أوراقي من الجامعة،فالشيخ أحمد ياسين كان بالنسبة لي الطاقة التي أستمد منها نشاطي وحيويتي ولهذا كان يوم استشهاده يوم غضب كبير وشديد بالنسبة لي،وهنا لا أُخفي عليكِ أنني ارتديتُ النقاب يوم استشهاد الشيخ أحمد ياسين وقررتُ أن ألتزم به لآخر يوم في عمري؛فاستشهاده كان أيضًا هداية بالنسبة لي.
ـ أخيرًا ماهي أمنياتك؟
أن أساعد المحتاجين وأخفف عن المكروبين وأن أبقى عاشقة لفلسطين لاسيما وأنني أستعد لمغادرتها الآن كي ألتحق بأهلي في الإمارات أسأل الله عزوجل أن يُمكنني لأكون سفيرة بلدي في الإمارات وأن أدافع عن قضيتي الحبيبة وأن يرزقني الله الشهادة والجنة إنه نعم المولى ونعم المجيب.