لقاء للدكتور عثمان قدري مكانسي
في قناة بغداد الفضائية آب 2009
برنامج (بين السطور)
تأملات تربوية في سور من القران الكريم
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
المقدم : تحية طيبة لكم مشاهدينا الكرام واهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة في
برنامج بين السطور نناقش اهل الثقافة والفكر نطلع على مكونات مؤلفاتهم نسلط الضوء
على ما بين كتبهم وبين سطورهم انحاورهم ولنقدم لكم انتم ايضا مشاهدينا الكرام
الجديد والمفيد عبر المكتبة الاسلامية كتابنا في هذه الحلقة تأملات تربوية في سور
من القران الكريم للاستاذ الدكتور عثمان قدري مكانسي والدكتور عثمان من مواليد حلب
سنة سبعين واربعئمة وتسعة مئة والف له اجازة في اللغة العربية من جامعة حلب وله
ماجستير في اللغة العربية من جامعة البنجاب وكذلك دكتوراه في اللغة العربية من معهد
الاستشراق في باكو أذربيجان .
له مؤلفات عديدة مشاهدينا الكرام في الشعر ديوان نبضات قلب وكذلك ديوان
وميض قلب وديوان دفقه قلب وله ايضا مؤلفات في القصة : مدفع الافطار وقصص رواها
النبي (صلى الله عليه وسلم ) وقصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم وفي رياض المصطفى
(صلى الله علية وسلم ) كما أن له أيضاً كتباً -مشاهدينا الكرام - في التربية ،
منها :
1- التربية النبوية 2- ومن أساليب التربية في القران الكريم 3- وصور من
تاذي النبي في القران الكريم 4- وتاملات في سور من القران . وها هي المجموعة التي
سنناقشها في الحلقة من برنامج بين السطور وينشر ايضا في العديد من المواقع مثل موقع
رابطة أدباء الشام وموقع صيد الفوائد . وله الكثير من المقالات في مواقع عديدة
أمثال المختار الاسلامي ورابطة ادباء الشام والمركز الاعلامي للإخوان المسلمين
السوريين واخبار الشرق ،ومركز الدراسات العربية والشرقية وجريدتي العروبة والزيتونة
ونال جائزة جمعية المعلمين في الامارات سنة 1995 عن كتابه التربية النبوية .
فرحبوا مشاهدينا الكرام بالاستاذ الدكتور عثمان مكانسي ... حياك ضيفا في
برنامج بين السطور ...
دكتور ؛ (تاملات تربوية في سور من القران الكريم )استقصيت في هذا الكتاب
مجموعة من السور بلغت 14 سورة ، سلطت فيها الضوء على جوانب تربوية ..... في البداية
نحب ان نسال عن احتواء الجوانب التربوية للسور المكية .
الدكتور عثمان قدري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله لله رب العالمين
وأفضل الصلاة وأتم التسليم على حبيبنا محمد اللهم صلي على سيدنا محمد.. يا اخي
الكريم كان نبينا (صلى الله عليه وسلم ) حينما بعث في المكة يربي الناس لم يكن
هناك دولة وانما كان هناك مجموعات تزاد واحداً اثر واحد يربيهم النبي (صلى الله
عليه وسلم )على الدين الجديد يربيهم كيف يكونون مسلمين يعلمهم كيف يكونون مؤمنين ،
فكان التركيز على التربية والتركيز على الإيمان والتركيز على الإحسان ، وعلى هذا
نجد السور المكية إنما كانت محتشدة بالسور التربوية والمعاني التربوية فاذا ما
انتقل النبي ( صلى الله علية وسلم ) الى المدينة المنورة كان هناك دولة وكان هناك
مجتمع اسلامي لابد لهذا وهذا من تربوية ، ثم من تشريع وكان هناك توازن ، وكان
هناك تشريع اكثر ليواكب هذه الدولة الاسلامية الناشئة وبهذا لا غروأننا نجد المرحلة
المكية مليئة بالسور التربوية والأساليب التربوية .
المقدم: دكتور انت استقصيت في هذا الكتاب الذي أسميته تأملات تربوية عرضت
فيه كثيراً من السور ابتداء من سورة هود ، يوسف ، مريم ، طه ،القصص ،الحجر وغيرها
من السور سناتي اليها في درج الحديث عن هذه الجوانب التربوية . ولْنبدأ من طوفان
نوح وما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة هود ، فقد ذكرت في هذا الكتاب أن الانبياء
كلهم رحماء بأقوامهم ، فاين هذه الرحمة من سيدنا نوح (عليه السلام ) عندما دعا على
قومة ؟ وأين نجد هذا الملمح التربوي الذي أشرت اليه في كتابك .
الدكتور عثمان قدري: لعلك سيدي قصدت أن سيدنا نوحا علية السلام قال "
ربّ لا تذر على الارض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم
يضلوا عبادك ولا يجدوا الا فاجرا كفارا " هذا ما قاله سيدنا نوح علية السلام
حينما شعر انهم كانوا معاندين وهذا ما يقوله أي انسان عندما ينزعج ، فيدعو لكننا
نستشف رحمة الانيباء باقوامهم ان لم يكن بالجمل الصريحة فإننا نلمحها في قول الله
سبحانه وتعالى لنوح " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم
مغرقون " والله عز وجل ما ذكر هذه الآية الا لانه سبحانه وتعالى - وهو يعلم
الغيب - يعلم أن نوحا في اللحظة الاخيرة قد يتشفع فيهم حين يراهم يغرقون في الأمواج
المتلاطمة واذا اراد الله عز وجل امرا فلا بد أن يكون . قال "
ولا تخاطبني في الذين ظلموا " بماذا يخاطبه سيقول
يا ربي هؤلاء قومي الذي عشت فيهم هؤلاء الذين دعَوتهم ، فكانوا معاندين وكانوا
كفارا ، إنهم قومي يارب فيا ربي أرجو ان تمدد لهم في الأجل لعلهم يرعوون هبهم فترة
من الزمن وهكذا الانبياء وعلى رأسهم سيدنا نبينا عليه الصلاة والسلام ، ولو نظرنا
في سيرته المطهرة صلى الله عليه وسلم وجدنا الكثير من الرحمة فهو نبي الرحمة ولسوف
آتيك بمثال في غزوته صلى الله عليه وسلم وهو يريد ان يفتح الطائف (بلاد ثقيف ) ولم
يستطع في بداية الامر أن يفتحها بل جاءه أهلها بعد عشرة اشهر مؤمنين مسلمين حاربوه
ولم يؤمنوا . قال له اصحابه يا رسول الله ادعُ عليهم ، قال : لقد بعثت داعيا ، ولم
ابعث لعاناً ، وهكذا كان أخوه سيدنا نوح (عليه السلام ) كان رحيما بقومه بل إنه
بقي فيهم تسع مئة وخمسين عاما وهذا الزمن الذي قضاه بينهم طويل ، كفروا به وآذوه
، ولم يدعُ عليهم ، وهذا من أعظم الدلائل على رحمته بهم ،صلى الله عليه وسلم
المقدم : هو انت ايضا استدعيت نماذج من خطابه ربما بعد ان اسنفذ كل الطرق
حين دعاهم ليلا ونهارا ولم يزد هم دعاؤه لهم الا فرارا
الدكتور عثمان قدري: " وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في اذانهم
" هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لقى منهم الأمرّين ، ولكنّ ما قاله دليلُ
رحمة الانبياء بأقوامهم .
المقدم : تريد أن تقول : إن الدعاء بالخير للناس ورجاء الرحمة لهم أسلوب
تربوي
الأستاذ الدكتور عثمان قدري مكانسي : لا شك في ذلك ، لا شك في ذلك وأنا في
كتاب " من أساليب التربية في القران الكريم " استنبطت من القران تسعين أسلوبا
تربويا ولكن بعد ذلك حاولت ان أقرّب القريب فصار في الكتاب سبعون اسلوبا .
المقدم : هل الاهتمام بالتربية اختصاصك الدرسي ؟
الدكتور عثمان قدري مكانسي : الحقيقة انني مختص بالأدب وأحب اللغة العربية
كثيرا واهتمامي بها شديد إلا انني اتجهت الى دراستي التربوية لأنني تربوي وظللت
مدرسا أكثر من ثلاثين سنة .
المقدم : طيب دكتور، من خلال استدعاء النصوص التي ظهرت من خلال تأملات
تربوية في صور من القران الكريم يستوقفنا ايضا شيء في سورة يوسف (عليه السلام ) هذا
الشيء يتعلق بما جرى بين سيدنا يوسف وإخوته من جهة وبينما جرى من سيدنا يعقوب
وأبنائه الباقين واخذ الحظوة ربما يوسف الاخ الثاني بنيامين اريد ان اسال عن معاملة
الاخوان على قدر المساواة التي اشرت اليها في كتابك كيف نجد الملمح التربوي من هذا
المنطلق
الدكتور عثمان قدري: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحقيقة أن أحد الآباء سئل :
أيّ أبنائك أحب إليك ؟ قال : الصغير حتى يكبر ، والبعيد حتى يعود ، والمريض حتى
يشفى . فهو يحبهم جميعا وقلبه معلق بهم ، ولا شك انه اظهر حبه ليوسف واخيه بنيامين
أكثر مما أظهره من حبه للآخرين ، وربما زاد هذا الامر فما كان منهم إلا أن أرادوا
أن يزعجوه ، أو ياخذوا حقهم ، فسلكوا طريقا غير صالح ، وحينما يرى الإخوة ان اباهم
يحبهم جميعا على قدر المساواة فانهم يحب بعضهم بعضاً ويتآلفون أكثر ، أما حين
يجدون أباهم يفضل أخاً عليهم لسبب ما فقد يأكلهم الحسد ،وتراهم يحاولون ان يستعيدوا
ما فقدوه بكل السبل ، وحينما يفكر الكبار بأن يقتلوه او يبيعوه فما هذا الا تأكيد
على احتدام الامر في نفوسهم ، فهم يريدون ان ينتقموا باي طريقة كانت ، بكل تأكيد لا
ينبغي لنا ان نتحدث بمقام النبوة لكنني استشف ان هؤلاء لم يفعلوا ما فعلوه ، ولم
يفكروا بما فكروا فيه إلا لأنهم وجدوا من أبيهم اهتماما اكثر بغيرهم ، وبدأ الحسد
وبدأت البغضاء ، وعلى هذا - يا أخي الكريم يفضل دائما أن يعدل الإنسان من أبنائه .
والنعمان ابن بشير رضي الله عنهما يذكر أن أباه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم
بطلب من أمه التي قالت له أريد ان تعطي ابني هذا جارية واشهد على ذلك رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم . فماذا قال له المربي العظيم صلى الله عليه وسلم ؟ أكـُلّ ولدك
نحلته مثل هذا ؟ قال لا قال انا لا اشهد على ظلم . انا لا اشهد على زور . وعلمه ان
يعطي جميع أبنائه على قدم المساواة . فاذا كان هناك عدل بين الأبناء كانت هناك أسرة
متحابة
المقدم : لكن هناك بعض الاحيان قد تكون ثمة فروق فردية بين هؤلاء الأبناء
تجعل الأب ينظر لهذا الابن نظرة ربما تختلف عن الثاني .
الدكتور عثمان قدري: هذا لا اشك فيه ، غير أنه لا ينبغي أن يشعر أحدهم
بالغبن فيقول انا مظلوم ويحاول ان يؤذي الآخرين الذين يعتبرهم قد اخذوا نصيبه ،
وكأنني مقتنع ان يعقوب عليه السلام مع جليل فضله كان منحازا بقلبه إلى يوسف ،واعطاه
الكثيرمن الحب والاهتمام فأثار إخوته وكان ما كان .
المقدم : دكتور ايضا ، دعنا نذهب إلى موضوع آخر ذكرته في كتابك متعلق
بسيدنا زكريا عليه السلام وذكرت قصته في سورة مريم كما نعرف ، فذكرت ملامح تربوية
وتأملات تربوية يمكن ان يستفيد منها الإنسان في واقعنا العملي من هذه القصة التي
وردت في القران الكريم ، فأين الأساليب التربوية التي تناولتَها في قصة سيدنا زكريا
عليه السلام ؟
الدكتور عثمان قدري: جزاك الله خيرا ؛ إن في قصة سيدنا زكريا ملامح تربوية
مثيرة جدا ، منها أنه نادى ربه نداء خفيا . احد الصحابة يقول للنبي صلى الله عليه
وسلم يارسول الله ؛ أربك بعيد فنناديه ، ام قريب فنناجيه ؟ فأجابه : انه قريب ،
وقرأ قوله تعالى " واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب
دعوة الداعي اذا دعان " فهنا نجد سيدنا زكريا عليه السلام ينادي ربه نداء
الأدب ، إن القرآن يعلمنا أن الذين نادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الجدار
أكثرهم لا يعقلون . فكيف الحديث مع الله سبحانه وتعالى جل جلاله ؟ إن سيدنا زكريا
لمّا رجا ان يكون له ولد ماذا قال ؟ ذكر كلمة ربي ست مرات فـ "
قال ربّ إني وهن العظم مني ، واشتعل الرأس شيباً ولم اكن
بدعائك ربّ شقيا .. " وهكذا ذكر كلمة ربي كثيرا ، وهذا نوع من التذلل
والتحبب الى الله سبحانه وتعالى . إن الانسان إذا أراد أن يتقرب إلى إنسان وأن يطلب
منه شيئا تحبب اليه . فلما عرض حاله ولم يطلب شيئاً في البداية انما عرض حالته
يريد ان يستجدي الإشفاق والعطف عليه ، والله عز وجل عالم بحاله ، أقول إنك تطلب من
مثيلك بعد أن تُبدي ضعفك وقلة حيلتك فماذا قال زكريا لله الكريم سبحانه؟ "
قال ربي اني وهن العظم مني " فبين حقيقة ولم يكذب
فيها ، صدق حين ذكر أن الكثير من عظمه وهن وضعف ، لكنْ فيه بقية لم تضعف . وكان
صادقا كذلك حين أعلن أن كل رأسه قد شاب " واشتعل الراس
شيبا " إن كل رأس الإنسان يصبح ثغاماً أبيض حين يتجاوز السبعين على الأغلب
ومنهم سيدنا زكريا ، ثم تدلل قائلاً " ولم اكن دعائك
ربّ شقيا " وتذلل العبد لربه قمة العبودية ..
ولم يطلب النبي زكريا أمورا عادية كأن يقول : أريد ربي ان ترزقني بناء أو
سيارة لا لا لم يطلب هذا وانما طلب امرا فيه فائدة المسلمين . فماذا قال "
واني خفت الموالي من ورائي " فهو داعية يهمه أمر
الدعوة ويريد ان يكون هناك من يحملها من بعده ، وعلى الرغم أنه بلغ من العمر
العتيّ وامراته اصبحت عاقرا فلم ييئس من رحمة الله وفضله ، فقال "
فهب لي من لدنك وليا " .. لم يقل : هب لي من لدنك
ولدا فالولد قد يكون عاقا وقد يكون صالحا ، فطلب الوليَ المناصر والمؤيِّد فالولي
حصرا هو الانسان الصالح .. إن زكريا عليه السلام عرف كيف يدعو، وعرف ماذا يطلب "
يرثني " بكل شيئ " ويرث
من آل يعقوب " الدعوة ، فلم يقل : " ويرث آل يعقوب " فالرجل لا يرث من
قريبه البعيد كل شيء ، إنه يرث كل شيء من أبيه وولده ، يرثه في كل شيء ويرث من آل
يعقوب العلم والادب والاخلاق والدعوة ثم بعد ذلك طلب الى الله عز وجل ان يكون ابنه
" رضيا " لم يقل راضيا ولم يقل مرضيا ، فلم يأتِ
باسم الفاعل ولم ياتِ باسم المفعول وانما جاء بكلمة " رضيا " التي تجمع بين هذا
وذاك .
هنا نجد ان الله سبحانه وتعالى الجواب سريعاً ومباشراً ، فلم يقل : قلنا
يا زكريا انا نبشرك .. إنما جاء النداء سريعا مع البشرى بالغلام "
يا زكريا انا نبشرك بغلام " وسماه الله تعالى يحيى
، وأنْعِم به من اسم " بغلام اسمه يحيى لن نجعل له من
قبل سميا "
إنّ الانسان مهما سما وعلا فانه يبقى انساناً ، وانظر معي ما قاله سيدنا
زكريا ابتداءً ، قال ابتداء اشتعل شيب راسي وكانت زوجتي
عاقرا ، فقدّم عذره على عذر امرأته ، ولما بُشّر بيحيى تعجب وقدّم عذر
امرأته على عذره قائلاً " أنّى يكون لي غلام وكانت امرأتي
عاقراً وقد بلغتُ من الكبر عتياً ؟ " ولعله
ظنّ أن عليه أن يتزوج امرأة صغيرة تنجب له طفلاً ، فزوجته اجتمع فيها خصلتان
تجعلانها لا تنجب : عاقر وعجوز ، فنبهه الله تعالى أنه قادر على كل شيء وعلى
الإنسان المسلم وغير المسلم أن يعلم أن من خلقك من نطفة قادر على أن يفعل ما يريد "
قال ربك هو عليّ هيّن ـ وقد خلقتك من قبل ولم تكُ شيئا .
" إن الله عز وجل يفعل ما يشاء
هذه بعض الملامح التربوية الرائعة ، وقصة سيدنا زكريا رائعة ماتعة
... بقي شيء أريد ان اقوله : إن العامل قد يأخذ إجازة يرتاح فيها من وعثاء
العمل لكن الداعية لا يعرف الراحة في إجازته ، بل إن العمل بالدعوة ديدنه وزكريا
عليه السلام حين لم يستطع أن يتكلم حين حملت زوجته – وهذا إيذان بحملها – "
قال ربّ اجعل لي آية ، قال آيتك ألاّ تكلم الناس ثلاث
ليالٍ سويّا " لم يسترح بل ظل يدعو بالإشارة "
فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أنْ سبحوا بكرة وعشياً " هو ما يزال
في عمل ، وفِعله هذا لا يكون إلا من الانسان الذي سكن الايمان قلبه .
المقدم : وهذا ما جرى لسيدنا زكريا كان قمة الادب وقمة المناجاة مع الله
سبحانه وتعالى باسلوب قرآني فريد عبّر عنه الله سبحانه وتعالى – ...دكتور هناك
أمور كثيرة تتعلق بسيدنا موسى عليه السلام هناك أمور تتعلق بسيدنا داود وسليمان
أشرت اليها في كتاب تأملات تربوية في سور من القران الكريم سنأتي اليها إن شاء الله
، لكن اسمح لنا بفاصل مشاهدين الكرام ثم نواصل ابقوا معنا .
من جديد أهلا بكم مشاهدينا الكرام لنناقش في هذه الحلقة من برنامج (بين
السطور) كتاب تأملات تربوية في سور من القران الكريم للأستاذ الدكتور عثمان مكانسي.
– دكتور قبل الفاصل قلنا سنتطرق إلى أمور ذكرتها في كتاب تأملات تربوية ، من هذه
الأمور التي أشرت اليها والتي ركزت عليها في الكتاب حوارٌ جرى بين موسى وفرعون ،
وكما نعلم فإن هذه الحوارات التي جرت في سور كثيرة وفيها تفصيلات كثيرة لكن لماذا
استهدفتَ سورة الشعراء في هذا الحوار وما جرى بين سيدنا موسى (عليه السلام ) وبين
فرعون
الدكتور عثمان قدري : بسم الله الرحمن الرحيم ، قلت ك إن الحوار أسلوب
تربوي رائع وتناولتُه في مواقف عدة في القرآن الكريم ، لكنني هنا رايته رائعا جدا
وكل القران رائع طبعا ، اخي الكريم إذا أردت أن ترسل إنسانا فلا بد من أن تختاره
ولابد من تحديد الهدف ولابد من تحديد المرسل اليه لذلك قال الله تعالى فأتيا فرعون
الحديث لموسى وهارون (عليهما السلام ) حدد الرسولان وهم اثنان ، وقال : ائتيا فرعون
، فالمرسل اليه فرعون ، فقولا إنا رسول رب العالمين ، فالذي ارسلنا رب العالمين ،
ما الأهداف ؟ إنها : أن ارسل معنا بني اسرائيل .
وبدأ الحوارَ الظالمُ المستبد ، يريد أن يتصيد ، يريد أن يكون عاليا دائما
، فماذا قال ؟ " ألم نربـّك فيك وليدا ولبثت فينا من
عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلْتَ وأنت من الكافرين " ؟فاجأه فرعون بطلقات
كثيرة ،فالاولى أننا نعرفك فمن أين جئت بهذه الرسالة ؟ نحن الذين ربيناك هذه واحدة
، ونعرف أخلاقك نعرف من أنت لأنك عشت معنا سنين طويلة ، ثم قابلت العملَ الحسَنَ
والتربية بان قتلتَ واحداً منا . والفرق بين فـَعلتَك بفتح الفاء وفِعلتك بكسر
الفاء كبير فالأولى تدل على الفِعلة المعروفة – قتل القبطي – والثانية مصدر للفعل
قتل ، وفتح الفاء " فـَعلتك " أشد وقعا وإيلاما لقتلت ففرعون يصفه بالقاتل الذي عمل
فعلاً شنيعا وفرذ هارباً ، ومن يفعل جرماً كهذا لا يستحق أن يكون نبياً ويدّعي صفات
لا ينبغي أن تكون له !
ثم قال : وانت كافر تريد الان أن تكون رسولا لإله لانعرفه ؟! أنا الإله هو
الإله ! وهاجمه هجوما عنيفاً . " ألمْ نربّك فينا وليداً
ولبثت فينا من عمُرك سنين ، وفعَلتَ فَعلتك التي فعلْتَ وأنت من الكافرين !"
فماذا كان جواب سيدنا موسى ؟ " قال فعلتها اذاً
وانا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين
" إن الاعتراف بالخطأ فضيلة وفي سورة القصص" قال ربي إني
ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم " إلا أنه ردّ التهمة
بذكاء نبوي رائع فقال : لم أكن كافرا إنما كنت ضالا والفرق كبير بين الضال
والكافر، فالضال هو الذي يبحث عن الحقيقة والنبي عليه الصلاة والسلام كان ضالا
ووجدك ضالا فهدى فهو يبحث عن الحقيقة إلى أن هداه الله إليها ودلّه عليها ، كما
هدى الله عز وجل الأنبياء جميعا وفي مقدمتهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. وانا
من الضالين ففررت منكم لما خفتكم ، ولمَ خاف ؟ لان فرعون كان ظالما ، يقتل دون
تبيّن للحقيقة . " فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين
" وما يوهب الحكم – النبوّة والحكمة - الا حينما يكون الانسان مؤهلا ويملا قلبه
الايمان . ثم ثنى عليه قائلاً " وتلك نعمة تمنّها عليّ
أنْ عبّدْتَ بني اسرائيل ؟!" إنني قتلت واحداً خطأ أما أنت فاستعبدْتَ بني
اسرائيل جميعا ، وقتلتَ عشرات الآلاف منهم ! أفَكلّ الذي فعلتَه أنت يا فرعون من
الظلم يُنسى وأنا الذي قتلت هذا الفتى دون قصد أُعاقب ؟! هذا يذكرني بقول الشاعر
قتل أمرئٍ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
هذا ما يفعله المجرمون في بلادنا من الشرق الى الغرب هذه الأيام ... إن
موسى عليه السلام رد عليه فافحمه ، ورأيناه يعرف من أين يؤكل الكتف .
ويريد فرعون أن يهزأ بموسى وربّ موسى ، وهذا دأب الفارغين المتسلطين ،
فيسأل :" وما رب العالمين" فاستفهم بما – وهي
لغير العاقل – ولم يقل : من رب العالمين ، وتناسى موسى الأمر ، فهولا يريد أن يفتح
أبواباً من اللجاج لا حاجة لفتحها، بل يريد أن يصل إلى هدفه ، فقال مجيباً : "
رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين "
فاذا كان الله عز وجل رب السموات والأرض وما بينهما لم يبقَ شيء لفرعون ، وعلى هذا
فموسى أفحم فرعون وعرّاه ، فجعله عبدا حينما قال إن الله هو رب السموات والأرض وما
بينهما ، ثم قال ان كنتم موقنين وهو يريد من الناس ان تفكر بعقلها ، وان تتحدث
بقلبها ، فلو كانوا موقنين لعرفوا أن الله هو الله . وهنا نرى فرعون يستنجد بعبيده!
وإله يطلب النجدة من عباده ليس إلهاً . فالتفت إلى ملئه يقول لهم ألا تستمعون ،
هذه القضية قضيتُكم ، فأجيبوه . يريد أن يستثير هذه الغوغاء حوله ليكونوا معه في
صف واحد ضد موسى لا يريد ان يكونوا متفرجين ، فالضعيف دائما يريد أن يكون الآخرون
معه ، أما القوي الحجة فانه يقف صامدا ولو كان الجميع أمامه وضده ، فسيدنا موسى عرف
ذلك من موقفهم ومن استعانة فرعون بهم فأردف : " قال ربكم
ورب أبائكم الأولين " فالله تعالى ليس ربكم فقط ، إنه عز وجل رب الآباء
جميعا ...
لم يبقَ لفرعون شيء يقوله هنا ، فبدأ يسخر من موسى ، ويتهمه بالجنون – دأب
كل مفلس خانه الفهم وسقط في مضمار الحوار " قال ان
رسولكم الذي أرسل اليكم لمجنون " وفرعون بدّعي أن موسى يريد أن يزلّ الناس
عن عبادة فرعون – الإله الحقّ!! وأن فرعون يعرف أساليب موسى في إضلال الناس
فلينتبهوا !! انا اعرفه انا الله او انا الرب هو يريد ان يغير دينكم لذا فانه
رسولكم الذي أرسل إليكم !
لم يرد موسى عليه مباشرة ، اتجه إلى الملأ يخاطبهم كما فعل فرعون حين
خاطبهم ، ولو قال له – مباشرة - بل انت مجنون لانتهى القاء فوراً كما يخطط فرعون
أن ينتهي ، لقد رد له الصاع صاعين بطريقة أخرى ، فماذا قال ؟ "
قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون
" ولم يق : إن كنتم تدرون أو ان كنتم تعلمون فأعطى المعنى نفسه فقال : إن كنتم
تعقلون. ولا يقابل الجنون إلا العقلانية ، فقال ان كنتم تعقلون ، فاعقلوا واعلموا
أن فرعون ليس إلها .
المقدم : دكتور ، عفوا، انّ من طبيعة موسى (عليه السلام ) أنه كان ربما
حادّاً في التعامل مع فرعون فاتعجب أنه لم يرد عليه في حين انه في بعض المواقف قال
: " إني لأظنك يا فرعون مثبورا " عندما قال له
مسحور، فلماذا؟.
الدكتور عثمان قدري: هي مواقف يا سيدي و ليست موقفاً واحداً بين فرعون
وموسى (عليه السلام ) وهارون (عليه السلام ) وما قال اني لأظنك يا فرعون مثبورا إلا
حينما غسل يده منه ، فهنا حتى اللحظة الأخيرة كان يدعو بالعقل لانه يريد من الناس
أن يؤمنوا قلبا وعقلا .
لم يستعمل موسى عليه السلام المعجزتين اللتين جاء بهما دليلاً على نبوّته
إلا حين رأى من فرعون وملئه جحوداً وإنكاراً ، ولم تتحرك القلوب ولم تتفكر العقول ،
إنه كان يريد أن يؤمنوا قلوباً وعقولاً ، لا تعجباً لمعجزة أو خوفاً منها ، ولما
هدد فرعون موسى بالسجن إن دعا إلى معتقده الجديد وسار على هديه اضطر موسى أن يخرج
الآيتين اللتين تسلّح بهما ، لقد قال فرعون بعنجهية : "
لئن اتخذتَ إلها غيري لأجعلنك من المسجونين " ولم يقل سأسجنك . إنه يسجن
الكثير من الناس دون أن يأبه لحقوقهم الآدمية أو يكترث لها ، لقد علم موسى رأى
موسى (عليه السلام) أن الناقش والحوار لم يصلا الى نتيجة ، فلا بدّ من آية مبينة ،
إنني أريد أن أقول : ما ينبغي للداعية إذا كان معه حجة قوية غير عقلية أومنطقية أن
يظهرها فورا ، بل فليدعها للأخير ، ربما لا يحتاج إليها ، فـ "
قال أولو جئتك بشيء مبين "
هنا توقف فرعون كابحاً شططه وكبرياءه ، " قال
فأتِ به إن كنت من الصادقين " حتى هذه اللحظة يكذبه صراحة ، وهذا أسلوب
المتكبر المتعجرف . " فالقى موسى عصاه فاذا هي ثعبان
مبين ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين "
إن المنطق يقول : بعد ذاك النقاش الحر العقلاني ان يكون إيمان وبعد هذه
الحجة المبهرة أن يكون إيمان لكن المتجبر المتكبر لا يلقي سلاحه فورا ، فالكفر
معشعش في قلبه ، إن فرعون بعد أرأى المعجزتين الباهرتين وصم موسى عليه السلام
بالسحر ،" إنه لساحرعليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ،
فماذا تأمرون " وانظر معي إلى الإله " الديموقراطي " الذي يستشير جماعته
ويقول ماذا تأمرون ، ربٌّ يستعين بمخلوقاته ليس إلهاً ...
و تبدأ القصة الأخرى ويبدأ الحوار الآخر فأنظر يا اخي الكريم هذا الحوار
الذي اخترته لك لترى أن موسى عليه الصلاة والسلام في هذه الآيات كان يجيب إجابات
تدل عن ذكاء لا نقول عبقرية ،فالعباقرة غير الأنبياء ، إن الأنبياء لا يتكلمون ألا
كلام الله وبعلم الله سبحانه وتعالى لأنهم لا ينطقون عن الهوى ز
المقدم : طيب دكتور بعد كل هذا الحوار الذي جرى بين سيدنا موسى عليه السلام
وبين فرعون و ما كانت النتائج ؟ تجد أن خطاب سيدنا موسى قمة في الادب وكان في قمة
العقلانية وأتى بالحجة تلو الحجج لكن الإنسان كما ذكرت قفل عقله ولا يستطيع أن يدرك
ما يريد منه القائل ... فإذا انتقلنا – دكتور- من خلال كتابك وانتقالك من سورة
لأخرى لهذه التأملات التربوية التي أشرت اليها في كتابك أيضاً استوقفتنا قصة تتعلق
بنبيين من أنبياء الله عز وجل هما داوود وسليمان عليهما السلام وطلب أن يجعل أحدهما
خليفة أن تكون له تلك المكانة عند الله سبحان وتعالى خلبفة في الارض وبعد ذلك
استجاب الله سبحانه وتعالى أين نجد الملمح التربوي الذي أشرت اليه في كتابك في هذه
القصة
الدكتور عثمان قدري : هي ملامح وليس ملمحا واحدا تبدأ بان داوود عليه
السلام كان يتعبد وحوله الجند لا يدخلون أو لا يسمحون بان يدخل أحد عليه
المقدم: سيدنا سليمان؟
الدكتور عثمان قدري : سيدنا داوود عليه السلام تسألني عن سيدنا داوود
المقدم : اذا بدأنا بداوود او سليمان ما في مشكلة
الدكتور عثمان قدري : سيدنا داوود عليه السلام كان يتعبد فدخل عليه أناس "
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب " ، ليس
الداخل واحداً واحدا والخصم اسم جنس والدليل على ذلك قوله " تسوروا " المحراب
فجاءوا مجموعة بأمر من الله يختبرونه لانه خليفة في الارض فلا بد أن يحكم بالعدل ن
فأمروه أن يحكم به ولا يشطط وقالوا اهدنا الى سواء الصراط ، فطالبوه أن يستمع
اليهم وان يحكم بالعدل وان لا يميل يميناً أو شمالاً .. من الذي كان يتكلم هذا
الكلام لم يكونا اثنين فقط ، وكانوا مجموعة جاءت جاهة ، وتصور أن هناك جاهة خمسة
ستة ، رئيس القوم يتكلم فلما انتهى جاء الأول يتكلم ويشتكي أخاه فله تسع وتسعون
نعجة ولي نعجة واحدة فقط وطمع بالواحدة يضمها إلى قطيعه وشدد عليّ في الطلب .. قبل
قليل قيل له اعدل ، ولا تشطط ، وادرس الأمر دراسة جيدة ، فنسي تلك الوصايا ، وحكم
قائلاً : " قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه "
والمعروف لدى القضاة أنه إن جاءك رجل فقئت عينه فلا تحكم له إلا بعد أن ترى الخصم
وتسمع له ، فلربما فُقئت عيناه . فأن كثير من الخلطاء ليظلم بعضهم بعضاً .
لم يستفد داوود من النصيحة ، فحكم فزل في حكمه ، وخرج الجميع سريعاً كما
دخلوا سريعاً فعرف أنهم ملائكة جاءوا يختبرونه ، فخر ساجداً يسأل الله تعالى العفو
والمغفرة ، إن على القاضي او الحاكم ان يكون عادلا ، أذكر ان أحد التابعين اختصم
إليه اثنان أحدهما صاحب له أو قريب ، فتمنى ان يكون الحق لقريبه أو صاحبه ، وحكم
بالحق دون أن يميل إلى صاحبه فكان الحق للآخر ، إلا أن القاضي كان يشعر أن ميله هذا
كان خطأ جسيماً .
المقدم :طيب دكتور بالانتقال الى السور التي ذكرتها في الكتاب ضمن تأملات
تربوية هناك سؤال فعلا استوقفني أثناء قراءتي لهذا الكتاب يتعلق بقضية علاقة بين
التصوير والتربية
الدكتور عثمان قدري : التصوير الفني هو جزء من البلاغة وكلما كانت الصورة
جلية واضحة وصل من تكلمه إلى الفكرة ببساطة وسهولة . إنك في التصوير تعرض الموضوع
بالصورة والصوت والحركة . ولتوضيح أثر الصورة في التربية تعالَ معي سيدي الكريم
إلى وصف المنافقين في سورة البقرة : " مثلهم كمثل الذي
استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركم في ظلمات لا يبصرون "
ذلك أن المنافقين امنوا ،فوصلوا إلى مستوى مضيء من الإيمان ولكنه سرعان ما ذهب
وهنا يمثل هذه الومضة الإيمانية بضوء تلاشى فأعقب ظلاماً شديداً ، وانظر إلى سورة
أخرى في وصف المنافقين " كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق فتكاتف على الإنسان
امور ثلاث أتعبته ، يومض البرق فلا يرى لأن الإنسان يغمض عينيه في البريق الشديد
الضوء الذي يكاد يعميه ، فإذا ما ذهب البرق اشتد الظلام فالانسان ان كان يرى في
الظلام قليلا ما عاد يرى مطلقا لأن الشبكة تكبر وتصغر و وقد يصاب بالعمى فهذا
المنافق في هذه الحال التي يعيش فيها من نفاق وكذب وافئتات على الله سبحانه وتعالى
مثله في ذبذباته بين الإيمان والكفر قبل أن يستقر على الكفر كهذه الصورة التي ترسم
البرق والظلام والرعد ، فيعيش حياة ظلم وفساد مخيفين
المقدم : وهذه التصويرات القرآنية في الجوانب التربية لها وقع اكثر من جانب
تربوية ربما يكون مجرد لتشبيه صورة معينة تكون اقرب الى ذهن القراء ولهذا يستخدمها
القرآن
الدكتور عثمان قدري : ونحن نعيشها ، نعيش البرق والرعد ونعرفه فعندما يصور
القرآن حالة المنافق بصورة قريبة إلينا نعرفها ، ولعلنا عايشناها كثيراً ، عرفنا
نفسية المنافق وفهمناها واضحة .
المقدم : دكتور بالانتقال الى سورة اخرى من سور القران الكريم التي أشرت
اليها بكتاب " تأملات تربوية في سور من القران الكريم" وهي سورة النور ما كنت أظن
في يوم من الأيام أن أقرأ في كتاب من الكتب أن الاثارة تعتبر أسلوباً تربوياً من
الأساليب التي استخدمها القران الكريم وجاءت آيات في سورة النور تدل على هذا الشيء
وأنت ذكرت هذا في كتابك
الدكتور عثمان قدري : نعم يا سيدي نعم هناك آيات كثيرة منها مثلا
" لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء
فأولئك عند الله هم الكاذبون " فحينا قال الله فأولئك عند الله هم الكاذبون
قلت : لا أحب أن أكون كاذباً فهذه الجملة أثارت فيّ حباً للصدق ، واخترت الصدق
لنفسي " ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا
سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله ان كنتم مؤمنين " ان كنتم
مؤمنين !! ينبغي عليكم ان لا تعودوا لمثله .. يا رب نحن مؤمنون ، ولن نعود لمثله
هذا الذي أحببت أن أوصله للقارئ ، إنه فنّ الإثارة " ألا
تحبون أن يغفر الله لكم " بلى يارب نحب أن تغفر لنا
المقدم : يعني التساؤلات كثيرة ، وللسامع أن يجد إجابة مقنعة .
الدكتور عثمان قدري : لا بد إن لم يجد الإجابة في الآية أن يجد الإجابة في
نفسه لان الانسان المؤمن دائما حريص على إرضاء الله سبحانه ألا ترانا حين نقرأ قوله
تعالى " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات
للطيبين والطيبون للطيبات " قلت في نفسك يا ربّ إني أرجو أن لا أكون من
الخبيثين ، وأود من كل قلبي أن أكون من الطيبين . إن للإثارة دورَها في التربية فهي
تجعلك ترفض السيء وتبحث عن الصواب ، إنها نوع من التحديس ، أو من التهييج كما يقول
القرطبي رحمه الله
المقدم : طيب دكتور ايضا في كتابك وانت تتجول بين سور القران الكريم
استوقفتك في الكتاب سورة الفرقان ليس معظم سورة الفرقان وانما استوقفك الجزء الاخير
من سورة الفرقان الذي يذكر الله سبحانه وتعالى فيه صفات عباد الرحمان الملامح
التربوية نريد ان نتمثل هذه الصفات التي ذكرتها في الكتاب والتي علقت عليها يعني
هنالك من يقول ان الانسان المسلم يقوم بالعبادة و" خلـَص" ويروح يجلس في بيته فهذه
الصفات كيف يمكن ان ننزلها على ارض الواقع ان تكون قرانا يشمي على الارض .
الدكتور عثمان قدري : حقيقة في هذا الزمن الكئيب يرضى الانسان بالقليل ،
الا يقول الشاعر :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فانك انت الطاعم
الكاسي
يعني لو سألتني الآن أو سألت أي إنسان : كيف انت ؟ قال : الحمد لله ويقبل
يده ويضعها على راسه ويقول بخير أعمل واصرف على نفسي ، ولا أحتاج أحداً سوى الله
تعالى ، وعندي أولادي ن وبيتنا ملك ولا أريد أكثر من هذا ... ونسي دور المسلم دور
المسلم ان يكون انسانا يدعو الى الله عز وجل يظهر الصورة الايجابية المشرقة للانسان
المسلم ، فيساعد إخوانه ، ويساعد الناس ، ويقدم المعونة ، ويكون له اثر كبير في هذا
المجتمع ... هكذا ينبغي ان يكون الانسان المسلم .. فأين نحن من هؤلاء يا أخي الفاضل
؟ّ!
المقدم : وجمالية النسبة كما اشرت في كتابك جمالية النسبة الى الله سبحانه
وتعالى عباد الرحمان نأتي الى صفاتهم ناخذ صفة صفة
الدكتور عثمان قدري : لنتذكر أن كلمتي الرحمن والرحيم جذرهما واحد ، إلا
أن من جمال اللغة العربية – لغة القرآن – أن كلاً منهما تعطي معنى آخر ، فالرحمن
تعطي معاني القوة والجبروت والعظمة والجلال واليمنة والسيطرة .. وكلمة الرحيم تعطي
معاني اللطف والحنان والرحمة واللين والغفران ... وعلى هذا لم يقل وعباد الرحيم ،
إنما قال عباد الرحمن . وكأن الرحمن تساوي كلمة الله في معناها الكبير .؟
المقدم : دكتور سوف ناخذ صفتين بسبب ضيق الوقت
الدكتور عثمان قدري : صفتين نمسك الاولى مثلا "
وعباد الرحمان الذين يمشون على الارض هوناً " فليس المقصود بالهون التهاون
والتماوت فالمسلم عزيز الجانب ، كما أنه ليس من الأدب أن يشمخ المسلم فيمشي
باستعلاء يضرب الأرض بقدميه ، وما أجمل قول المعري يخاطب المسلم الواعي العاقل :
خفف الوطأ ، ما أظنّ أديم الـ أرض إلا من هذه الأجساد
وقبيح بنا وإن قدُم العهد هـوانُ الآبـاء والأجـداد
سر إن اسطعت في الهواء رويداً لا اختيالاً على رفات العباد
أول صفة لعباد الرحمن أنهم لطيفون يمشون دون تكبر، هَونا على الارض ، وقد
يقول أحدهم : وهل يمشي الإنسان على غير الأرض فأقول : أرى ذكر كلمة الأرض يوحي
باننا منها خلقنا وإليها نعود ومنها نبعث . فهي أمنا الكبيرة التي ينبغي أن لا
نتكبر على ظهرها .
والصفة الثانية أن الجاهلين حين يُخطئون بحقهم يصفحون عنهم ويحسنون صحبتهم
، فإن قيل إن بدء الحديث من الداعية ، فنحن الدعاة نبدأ دعوة الناس ومنهم الجاهلون
، فلماذا ذكر القرآن أن الجاهلين هم الذين يخاطبون الداعية المسلم – ابتداء-
ويغلظون له القول ؟ أقول : إن للجاهل بداوة أحيانا قبل ان تدعوه ، فيسمعك قارص
الكلام ويسب ويشتم فاذا بدا منه ذلك فاصمت إلى أن ينتهي ، فإنك إن نزلت إلى
مستواه كنت مثله ، ولم تستطع بعد ذلك أن ترقى إلى أن تكون داعية يسمع لك .
المقدم : دكتور ، إننا مضطرون لإنهاء هذه الحلقة بسبب انتهاء الوقت لكن
هناك تأملات كثيرة اشرت اليها في كتابك ضمن 14 سورة التي تعرفت اليها كنا نتمنى ان
نتكلم عن التصوير المخيف وكنا نتمنى ايضا ان نتكلم عن التكرار ... إنه كتاب ممتع
ومفيد استمتعت خلال هذه الفترة وانا اقرا هذا الكتاب .... الدكتور عثمان مكانسي
شكرا جزيلا لك على هذه المشاركة
الدكتور عثمان قدري : شكر الله لكم وأحسن اليكم وبارك الله فيكم .