أول امرأةٍ تعمل في مجال الإخراج

أول امرأةٍ تعمل في مجال الإخراج

التلفزيوني بفضائية الأقصى

يقين حصارمة  هُجرت من عكا واعتقلت من رام الله وأُبعدتْ إلى غزة

هنادي نصر الله

[email protected]

"رام الله" يا تلك المدينة التي نشأت بين أحضانها هل سأعود إليكِ... بعد رحلةالإعتقال ومن بعده حكم  الإبعاد القسري الذي أتجرع مرارته  الآن في غزة هاشم الصمود؟! !أخواتي السجينات تعجز الكلمات عن وصف شعوري تجاهكن أكتفي بالقول"منا ألف سلام" أبي أمي إخواني وأخواتي ...تحديدًا حبيبتي"دانيا"أحنُّ لرؤايكم وتقبيل جباهكم...يا من زرعتم في قلبي أجمل المشاعر الجياشة لا أُخفي عليكم مدى لهفتي لرؤيتكم لاسيما وأنني أنتظر مولودي الأول....تصوريني يا أماه  سأصبح أمًا بعد شهر....!!

تتوقف يقين سامر حصارمة  عن مناجاة أهلها ،مطلقةً العنان لدموعها كي تنزل شلال؛علها تطفئ شيئًا من لهيب حرقتها وأناتها لأهلها وأحبابها في مدينة رام الله بالضفة الغربية التي تتعرض في هذه الأيام لأشنع هجمةٍ من قبل الإحتلال وأعوانه....

"يقين سامر حصارمة"استطاعت بحلاوة روحها وطيب أخلاقها وحسن تربيتها ورجاحة عقلها أن تضرب أروع مثال للمرأة الفلسطينية المكافحة..تعرضت للإعتقال والإبعاد ومع هذا تخرجت من جامعة بير زيت حاصلةً على المرتبة الأولى في تخصص الإذاعة والتلفزيون؛لتصبح بعد ذلك أول امرأة فلسطينية تعمل في حقل الإخراج التلفزيوني من خلال قناة الأقصى الفضائية؛ متحديةً بذلك كل العراقيل والصعوبات ...

دعونا نستمع إلى المخرجة التلفزيونية المتألقة "يقين سامر حمارصة"من خلال هذا الحوار:ـ

غزةـ هنادي نصرالله

بدايةً أخت يقين هل لكِ أن تطلعي القراء الكرام على بطاقتكِ الشخصية؟!

بدايةً أهلاً وسهلاً بكم...أختكم في الله يقين سامر حمارصة من مواليد الإمارات عام 1985م بعد ثماني سنوات من عمري عدت إلى أرض الوطن تحديدًا إلى"مدينة البيرة" بحمد الله تعالى تربيت في أسرة ملتزمة تقدر العلم وأهله،أنهيت مرحلة الثانوية العامة في عام 2002م وبعدها التحقت في جامعة بيرزيت تخصص إذاعة وتلفزيون .

تعرضت للإعتقال على يد قوات الإحتلال الصهيوني في 28ـ 3ـ 2004م بتهمة الإنتماء للكتلة الإسلامية وتم الإفراج عني في 9ـ 9ـ 2004م حيث عدت لإكمال دراستي وتمكنت بفضل الله ومنته من الحفاظ على معدلي العلمي وتفوقي من خلال حصولي على  درجة الإمتياز أي الأولى على دفعتي...وقبل أن أنهي التعريف بنفسي اسمحي لي أن أخبركِ أنني عكاوية الأصل حيث تعود أصولي إلى مدينة عكا المحتلة عام 1948م...

"يقين"حتى تتضح الصورة أكثر للقارئ الكريم كيف تم إبعادكِ إلى غزة؟ ولماذا؟

عندما خرجتُ من السجن وانتهيتُ من دراستي الجامعية قررتُ التوجه إلى قطاع غزة؛للإلتحاق بخطيبي الذي تحملّ فترة اعتقالي وأصرّ على إكمال الدربِ معي حتى لو انتظرني العمر كله،وهنا أوجه له كل التحية والتقدير لأنه لم ينظر لي نظرة دونية كوني أسيرة بل ساعدني ووقف بجانبي حتى تم الإعلان عن إشهار رغبته في الزواج مني في محكمة عوفر الصهيونية بتاريخ 30ـ 6ـ 2004م،ولكن كتب الكتاب الفعلي كان بتاريخ 30ـ 6ـ 2005م..

إذن كما قلتُ لكِ توجهتُ أنا وعائلتي في الضفة الغربية بطلب تصاريح زيارة لمدينة غزة،لأتمكن من تنظيم حفل زفافي برفقة عائلتي التي كانت تنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر،,لكن تصاريح العائلة بأسرها رُفضتْ،,مع هذا لم نيأس حيث رفعنا شكوى لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية التي نظرت في قضيتي فسمحتْ لي ولأشقائي الثلاثة الصغار بالذهاب إلى غزة ولكن بشروط وهي" أن أتعهد بالحفاظ على أمن وسلامة مواطني الكيان المسخ،مع العلم أن زيارتي لغزة تعني عدم ذهابي لرام الله لمدة عامين وفي المقابل عدم ذهاب أهلي لغزة؛والتهمة التي لفقها الصهاينة ضد عائلتي هي أنها تقدم دعمًا لوجستيًا لحركة حماس!! بينما تم اعتقالي بتهمة انتمائي للكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت..

"يقين"أفهم من حديثكِ أن قرار إبعادكِ فقط لمدة عامين ومن ثم ستزورين أهلكِ في رام الله وهم سيزورك؟! أليس كذلك..؟!

العلم عند الله،فالعدو لا يؤخذ منه كلام ومبعدو كنيسة المهد خير دليل على ذلك لهم أعوام في غزة ولم يعودوا حتى الآن رغم انتهاء مدة إبعادهم وترحيلهم!.

ولكن بحمد الله تمت مراسيم زواجكِ في غزة رغم غياب أهلك،وحضور أشقائك الصغار الثلاثة؟

بحمد الله تم زواجي رغم المرارة التي اجتاحت قلبي،وهنا أود أخباركِ أنني ثاني يوم بعد زواجي توجهتُ برفقة أشقائي الثلاثة إلى حاجز إيرز؛ليعود أشقائي من حيثُ أتوا فالصهاينة سمحوا لهم بحضور حفل زفافي على أن يعودوا في اليوم الثاني إلى رام الله،وما أصعبها من لحظة عندما لوحّ لي أخي "محمد"وكان وقتها يبلغ من العمر سبعة أعوام وخاطبني من خلف الأسلاك الشائكة بأعلى صوته وهو يحبس دمعةً في عينيه "يقين باللهِ عليكِ يا أختي لا تحزني ... ما تبكي ربنا راح يجمعنا...راح تفرج يا حبيبتي ...يلا سلام..."!

هنا تبكي "يقين"وقد استذكرت هذه اللحظة القاسية لتتابع بعدها"كم أشتاق لإخواني وكم أتذكرهم لاسيما يوم الجمعة حيث كنتُ أجهزهم للصلاة كما كنتُ أعتني بملابسهم خلال العام الدراسي بحكم أني شقيقتهم الكبيرة،تصمت ثم تقول"لعله خير".

هناك سؤال يلحُ علي هل أنتِ نادمة لترككِ أهلكِ وإبعادكِ عنهم وزواجكِ من غزاوي"أي من غزة؟!

قطعًا لا...لا أحد يندم على خطة حق وخير ولكن الأسى باقي مادامت المأساة باقية،عمرو الأسى ما بينتسى"وعمومًا الحمد لله على كل حال،أتواصل مع أهلي على الجوال وأحدثهم عبر الإنترنت،ودائمًا أتذكر أمي التي كانت تقول لي أيام اعتقالي"لا تنظري إلى الأسلاك الشائكة المحيطة في سجنك،بل انظري إلى النور الذي يتسلل من بينها،وكانت تقول لي أيضًا وما زالت تقول"أحيلي هذه المحنة إلى منحة ربانية"...

تصمت فجأة ثم تقول"حرمتُ من أهلي وعوضني الله بزوج صالح وبار ينتمي لعائلة كريمة وعريقة وأصيلة،عوضتني عن مأساتي كثيرًا،ربما كنتُ أعشق غزة وأُعجبُ ببحرها وموجها وشواطئها فأكرمني الله بالزواج فيها....

تصمت مرةً أخرى لتقول"سيجتُ بقصتي وطني الغالي من شماله إلى جنوبه فأنا من عكا ونشأتُ في رام الله وتزوجتُ في غزة ولا أعرف المجهول"!.

"يقين"اسمحي لي الآن التطرق لمولودكِ القادم بعد شهر،فكل فتاة تضع مولودها لاسيما الأول ترغب في أن تكون بجانبها والدتها تُواسيها تخفف عنها أوجاع الولادة،تلبي طلباتها،ماذا بخصوصكِ يا يقين كونكِ بعيدة عن أهلكِ ومجيئهم صعب بل مستحيل؟!

هنا تبكي"يقين"وتسرحُ في واقعها المر،وبعد محاولاتٍ منا لتهدئتها تقول"عزاؤهم الوحيد أنهم وضعوني بين أيدي أُناسٍ كرام،أهل جود وطيبة،يقدرونني جيدًا ولا يبخلون عليّ بشيء،هم بحق نعم الأهل ونعم النسب ونعم البشر...الحمد لله أنا راضية بقضاء الله وقدره وسأبقى هكذا حتى آخر رمق في حياتي ...إحنا أحسن من غيرنا بكثير هناك أشخاص حرموا من كل شيء أما أنا فأتواصل مع أهلي عبر الجوال أسمعهم ويسمعوني وإن كان هذا لا يغني عن العناق والمصافحة وجلسات السمر العائلية والرحلات التي كانت تجمعنا دائمًا...

لكن يقين هل كنتِ تتوقعين أن تمري برحلة إعتقال ومن بعدها إبعاد قسري ؟!

على الفور تجيب يقين أي شخص يعيش على أرض فلسطين عليه أن يضع في الحسبان إما الإعتقال أو الفراق أو الإستشهاد ولكن على الرغم من ذلك لم أكن أتوقع اعتقالي لصغر سني في تلك الفترة حيث كان عمري ثمانية عشرة عامًا ونصف،ومع هذا أحمد الله وأشكره على نعمة الإبتلاء فتجربة الإعتقال علمتني فوائد كثيرة يوم في الإعتقال يُعلم عن ألف يوم خارجه،الأسر فيه معالم الذل والضنك والقهر وهنا يجب أن نعلو على جراحنا فالأسر الحقيقي هو أن تأسري نفسكِ،الأنفس الحرّة يا هنادي هي التي تطوف حول كل ما تحب ونحن بحمد الله كنا متحررين من الأسر الداخلي عشنا في مدرسة يوسف عليه السلام واعتمدنا على مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم في الليل وهي قيام الليل ومناجاة رب العباد والتقرب إليه عزوجل...

لكن آلا تحدثينا عن أصعب شيء واجهتيه خلال اعتقالك؟ وأين كنتِ معتقلة؟!

نعم تنقلتُ بين سجني تلموند والرملة ولكن أصعب مراكز التحقيق التي تعرضتُ لها هو تحقيق "المسكوبية" وهو معروف بيننا "بالمسلخ"للأسف كانت تتواجد معنا في السجن جنائيات يهوديات...لا داعي هنا لأذكر كل شيء ...

دعينا نخرج قليلاً عن عالم السجن القاسي ونتطرق إلى الجزء الآخر من حياتكِ يا يقين...كونكِ أول مخرجة تعمل في قناة الأقصى الفضائية كيف استطعت اقتحام عالم الإخراج الذي كان حكرًا على الرجال في غزة؟!

ربّ صدفةٍ خير من ألف ميعاد،بعد مجيئي إلى غزة بشهرٍ واحد بدأت قناة الأقصى الفضائية بعقد امتحان لمقابلة عشرة أخوات ستختار منهم واحدة لتعمل في مجال التقديم،وكنتُ من بين العشر أخوات وخلال مقابلتي أخبرت لجنة التحكيم بعدم رغبتي في مجال الإعداد والتقديم ،صحيح هو مجال عملي ولكني لا أهواه،وبحمد الله أحضرت للجنة التحكيم السيرة الذاتية الخاصة بي فشاهدوا علاماتي المرتفعة وقدراتي في العمل التقني والأفلام الوثائقية،وعندها سألوني"هل تقبلي العمل في مجال الإخراج؟"فأخبرتهم بموافقتي فكانت المباركة لي بالعمل والإنضمام لفريق فضائية الأقصى خلال المقابلة سبحان الله...

لكن يقين كيف بدأت دربكِ في عالم الإخراج كون هذا المجال يستدعي الإشراف على كادر كبير أغلبه من الرجال؟

أصارحكِ في بداية عملي لم يكن هناك تقبل للعنصر النسوي في قناة الأقصى الفضائية،ولكن بحمد الله فرضنا وجودنا من خلال أعمالنا المميزة فنحن جئنا إلى قناة الأقصى لنشارك إخواننا الرجال لا لننتزع مواقعهم فالعلاقة بيننا تكاملية وليست علاقة صراع أو منافسة ،وهنا أجزم أننا تميزنا من خلال برنامج إشراقات عدا عن الحلقات الخاصة كحلقة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وحلقة أخرى حول ذكرى استشهاد الياسين،عدا عن إنتاجنا لأوبريت حول نكبة فلسطين وهو"أرض بلادي أحلى جنة"إضافةً لفيلم"الطيور العائدة"وهما من مونتاجي وإخراجي،ولا أخفي عليكِ في أننا نحن الأخوات قمنا بتغطية الأحداث الدموية التي حدثت مؤخرًا بنسبة مائة في المائة كون الإخوة مستهدفون ولم يتمكنوا من النزول إلى الميدان...

"يقين"هناك من تندم على دخولها قسم الإعلام فهل أنتِ كذلك؟

على الفور تجيب كلا لن أندم أبدًا،وهنا أشكر الله على نجاحي وأوجه شكري لأسرتي وللشيخ المجاهد جمال منصور الذي شجعني على اختياري لمجال الإعلام ووجهني لدراسته.

هل لكِ أن تحدثينا عن أصعب موقف في حياتكِ يا يقين؟!

بل أصعب موقفين من فضلك  الموقف الأول خروجي من المعتقل،قبل خروجي من المعتقل بثلاثة أسابيع وعندما علمت بنية الصهاينة بالإفراج عني أخذت أبكي بكاءًا شديدًا حزنًا على رفيقات دربي السجينات اللواتي مازلن في المعتقل حتى هذه اللحظة،فحريتي منقوصة ولن تكتمل إلا بخروج أخواتي ...وهنا أقول أن تكون سجينة ولو واحدة في سجون الصهانية فهذا عار على كل مسلم وشريف مع أنه شرف للسجينة نفسها...,ولا يسعني إلا أن أقول لأخواتي السجينات"منا ألف سلام"فأنا واللهِ أخجل من القول بأني سجينة لأن زميلاتي لازلن في الأسر.

"يقين"تخيلي أنكِ ستعودين الآن إلى رام الله بجوار أهلكِ وأحبابكِ ماذا ستفعلين؟!

سأصرخ من شدة الفرح سأعانقهم وسأسجد شكرًا لله،سأقبل جباه والديّ الذين علمونا تقبيل الجباه ولم يعلمونا تقبيل الأيدي..

"يقين"ماهي طموحاتك المستقبلية؟

رضا الله عزوجل والأهل ثانية وأن أعود وأصلي في المسجد الأقصى  وأن أكون أسرة ملتزمة وأن يكون لي اسم في الإعلام وأن أفي بحق كل من ساعدني ووقف بجانبي لاسيما زوجي وأهله وأولاً وأخيرًا أن يسكنني ربي الجنة.

ماذا تعني لكِ الكلمات التالية:ـ

المرأة:ـ الجذور الضاربة في عمق الأرض

زوجك:ـ مثال صعب أوصفه بالكلمات

الإعلام:ـ البحر الذي قلما تُفلح سفينة في أن تبحر فيه.

الإخراج:ـ القيادة بكل ما تحمله من معنى

غزة:ـ البحر والياسين

رام الله:ـ الأهل والحنين.

كلمة أخيرة ماذا تقولين فيها؟

يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ ...أبشر بخيرٍ فإن الفارج الله

لكل صاحب مصيبة وبلاء أتمنى عليه أن يصبر وحتمًا سيجد الخير والفائدة بعد الصبر والتوكل على الله.