علي صدر الدين البيانوني

علي صدر الدين البيانوني

باريس: مارسيل عقل

جهود السعودية للتوفيق بين مختلف الأطراف اللبنانية تتناقض مع محاولات النظام السوري استعادة نفوذه في لبنان

المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا علي صدرالدين البيانوني لـ"الوطن": الشعب السوري قادر على التغيير إذا تم رفع الغطاء العربي والدولي عن النظام

- نسعى كـ"إخوان" لإقامة نظام ديموقراطيّ يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات على أساس مبدأ المواطنة

 أعلن المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا علي صدر الدين البيانوني أن تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع تصب في سياق السياسة السورية الرامية إلى افتعال الأزمات مع الأشقاء العرب وخاصة المملكة العربية السعودية والمقصود منها عرقلة دورها الإيجابي في التوفيق بين مختلف الأطراف اللبنانية، مما يتعارض كليا مع محاولات النظام السوري استعادة نفوذه في لبنان بتفجير الساحة اللبنانية وإشعال الفتنة فيها.

وأكد البيانوني في حديث خصّ به "الوطن" أن توقيت التصريحات مرتبط بعدة استحقاقات مقبلة أبرزها الاستحقاق الرئاسي في لبنان، واستكمال إجراءات تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري واقتراب موعد المحاكمة التي تشكّل هاجساً للنظام السوري. واعتبر البيانوني أن الاحتقان السياسي والغليان الشعبيّ في سوريا قد بلغ ذروته وأن الشعب السوري قادرٌ على إنجاز التغيير المطلوب، إذا تمّ رفع الغطاء العربي والدولي عن النظام.

س- كيف تقيّمون تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، وحملته على المملكة العربية السعودية؟

ج- أعتقد أن هذه التصريحات تأتي في سياق سياسة النظام السوري الرامية إلى افتعال الأزمات مع الأشقاء العرب، وإثارة المشكلات معهم لتبرير الانخراط كلياً في المشروع الإيراني في المنطقة. بالإضافة إلى أن دور المملكة العربية السعودية الإيجابي في لبنان ومحاولاتها التوفيق بين مختلف الأطراف اللبنانية، يتناقض كلياً مع محاولات النظام السوري استعادة نفوذه في لبنان، وتفجير الساحة اللبنانية وإشعال الفتنة فيها لتحقيق أهدافه.

س- لماذا برأيكم جاءت هذه التصريحات في هذا الوقت بالذات؟ وما هو الهدف منها في الظروف الراهنة؟

ج- يبدو أن هذا التوقيت مرتبط بعدة استحقاقات قادمة، لعل أهمها الاستحقاق الرئاسي في لبنان، واستكمال إجراءات تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال السيد رفيق الحريري، والجرائم الأخرى التي ارتكبت في لبنان، واقتراب موعد المحاكمة التي تشكّل هاجساً للنظام في سوريا. ويبدو أنه يظن أن افتعال الأزمات مع الدول العربية الشقيقة، وإثارة الفتن في الدول المجاورة، سيساعده على تحقيق أهدافه وتجاوز أزمته.

س- أعلنت جبهة الخلاص الوطني، التي تنضمون إليها أن الشرع يريد عبر تصريحاته ربط سوريا بالاستراتيجية الإيرانية وزجها في باحة الصراع الإقليمي تحت تأثير إيران بهدف زيادة الصراعات وارتكاب المزيد من الجرائم في لبنان والعراق وفلسطين. هل لكم أن توضحوا هذه النقاط؟

ج- لم يعد خافياً الدور الذي يقوم به المحور السوري الإيراني في العراق ولبنان، حيث يتم التحريض على الاقتتال الطائفي في العراق، ودعم عمليات التطهير المذهبي، وإرسال السيارات المفخخة التي تستهدف المدنيين من مختلف فئات الشعب في كافة أنحاء العراق، بالإضافة إلى الدور التخريبي الذي يقوم به هذا المحور في لبنان، من خلال العمليات الإرهابية التي تنفذها مجموعات تتسلّل عبر الحدود السورية اللبنانية، والضغط على بعض الأطراف اللبنانية للحيلولة دون الوصول إلى تفاهم بين اللبنانيين.

س- هل تعبّر تصريحات الشرع، عن الرأي العام السوري؟

ج- الشعب السوري يكنّ كلّ الاحترام والتقدير للشعب السعوديّ الشقيق وقيادته، ولا يمكن أن ينسى المواقف الإيجابية للمملكة العربية السعودية، التي كانت دائماً مساندةً للشعب السوري في أزماته الاقتصادية، كما لا يمكن أن ننسى المشاركة السعودية في الدفاع عن سوريا ضد العدوان الإسرائيلي.. لذلك فلا يمكن - بأيّ حال - أن تعبّر تصريحات الشرع عن مواقف المواطنين السوريين الذين يكنّون كل احترام وتقدير للشعب السعوديّ وقيادته.

س- أعلنتم في أحاديث سابقة أن أسباب التغيير في سوريا باتت واضحة وأعلنتم أنه أصبح أكثر من ضرورة في الوقت الراهن، لمصلحة النظام والمجتمع السوري معا. هل لكم أن توضحوا ما هي الأسباب التي تجعل من التغيير في النظام السوري حاجة ملحة اليوم بالذات وعلى ضوء الأوضاع والمتغيرات الإقليمية؟

س- النظام السوري نظام ديكتاتوري مستبدّ، معزول داخلياً، لا يستند إلى قاعدة شعبية، يقوم على سياسة القمع ومصادرة الحريات، وينتهك أبسط حقوق المواطنين الإنسانية، ويحاول إسكات أيّ صوتٍ معارض، بالإضافة إلى الفساد المستشري في كافة مرافق الدولة وعلى كافة المستويات، والمواطن السوري يعاني نتيجة هذا الفساد من الفقر والبطالة والحرمان، بالإضافة إلى معاناته من تسلّط الأجهزة الأمنية، وحرمانه من حريته ومن أبسط حقوقه الإنسانية والسياسية.

كما أن سياسات النظام وجرائمه التي يرتكبها في لبنان والعراق، وتدخّلاته في شؤون الدول العربية المجاورة، أصبحت تشكّل خطراً على هذه الدول. بالإضافة إلى طريقة تعامله مع الأشقاء والقادة العرب واستخدامه أوصافاً غير لائقة بحقهم، وافتعاله الأزمات معهم، مما أدّى إلى عزل سوريا عن محيطها العربي، وارتمائها في أحضان المشروع الإيراني، وتحوّلها إلى أداة من أدواته.

كما أنه يعيش هاجس المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي ارتكبت خلال الهيمنة السورية على لبنان، والتي تشير تصرفات المسؤولين السوريين وطريقة تعاملهم مع ملف هذه القضية إلى أنهم متورطون فيها وفي الجرائم الأخرى التي ارتكبت في لبنان.

وإذا أضفنا إلى ما تقدّم العزلة الدولية التي يعاني منها النظام نتيجة هذه السياسات، يتضح أن تغيير هذا النظام الذي يفتقد الشرعية، هو مصلحة وطنية كما هو مصلحة عربية.

س- هل هناك قوى معارضة داخلية يمكنها أن تلعب دورا في التغيير السياسي في سوريا ولاسيما أن عددا كبيرا من المعارضين ما يزال خلف القضبان، ومن خرج منهم ممنوع من السفر مثل النائب السابق رياض سيف أو مهدد بالعودة إلى السجن، إذا عبّر عن رأيه؟

ج- بالتأكيد هناك قوى وطنية معارضة في الداخل، يمكن أن تلعب دوراً في التغيير السياسي، وإذا كانت الممارسات القمعية التي تتبعها الأجهزة الأمنية تجاه المعارضين المطالبين بالإصلاح ومكافحة الفساد، أدّت إلى تحجيم دور هؤلاء المعارضين، فإن معلوماتنا تؤكّد أن الغليان الشعبي بلغ ذروته، وأن أعداد المعارضين المستعدّين للإسهام في عملية التغيير تزداد حتى من داخل النظام.

س- وهل هناك تنسيق بين المعارضة في الداخل والمعارضة في الخارج؟

ج- نعم.. فالمعارضة في الخارج إنما هي امتداد للمعارضة في الداخل، والتنسيق بين الداخل والخارج قائم رغم صعوبة ذلك بسبب الظروف الأمنية.

س- هل تعتبرون أن الشعب السوري بات جاهزا لتغيير النظام علما أن حرية الرأي مقموعة في هذا البلد، وأن منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان مغيّبة؟

ج- أعتقد أن الشعب السوري وصل إلى حالةٍ من المعاناة المعيشية والأمنية والسياسية، لا تحتمل، وأن الاحتقان السياسي والغليان الشعبيّ قد بلغ ذروته، وأن الممارسات القمعية ومصادرة الحريات، تزيد من حدة هذا الاحتقان، وقد يصل إلى حالة الانفجار في أيّ لحظة، فالتغيير أصبح ضرورةً ملحّة، لا تحتمل التأخير. وأعتقد أن هذه الحالة الشعبية ستساعد على إنضاج عوامل التغيير، وتسريع خطواته، وتجعل حالة الجاهزية عند الشعب السوري أسرع مما يتوقع.

س- هل يمكن تغيير النظام السوري بأسلوب ديموقراطي؟ أم إن هذا التغيير يجب أن يتم بالقوة؟ وما الوسائل التي ترغبون باعتمادها؟

ج- نحن في المعارضة السورية عامةً نتبنّى أسلوب التغيير السلمي، الذي يعتمد على قوى الشعب الذاتية، ونحن واثقون أن كثيراً من القوى التي يعتمد عليها النظام، ستقف إلى جانب الشعب في عملية التغيير، وأن نظاماً عائلياً نخره الفساد، ولا يتمتع بتأييدٍ شعبيّ، لا يمكن أن يصمد أمام إرادة الجماهير المصمّمة على التغيير.

س- هل يمكن تغيير النظام السوري دون اللجوء إلى قوى أو دول خارجية؟

ج- نعتقد أن الشعب السوري بمشاركة جميع فئاته قادرٌ على إنجاز التغيير المطلوب، إذا تمّ رفع الغطاء العربي والدولي عن النظام، وأعتقد أن التغيير في سوريا مصلحة عربية كما هو مصلحة وطنية.

س- في حال وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في سوريا، ما هو شكل النظام الذي سوف تفرضونه؟ وهل سيكون نظاما إسلاميا؟ علماً أن عددا كبيرا من أركان المعارضة علماني التوجه؟

ج- نحن لا نسعى للاستيلاء على السلطة، ولن نفرض أيّ نظام على الشعب السوري، بل نسعى مع حلفائنا في إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني، وبالتعاون مع كل قوى المعارضة الوطنية، إلى إقامة نظام ديموقراطيّ يتساوى فيه جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، على أساس مبدأ المواطنة، ونعتقد أن سوريا بعد نظام الفساد والاستبداد الذي استمر أكثر من أربعة عقود، بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها كلّ الأطياف السياسية، وكل مكونات المجتمع السوري، لتعمل معاً على معالجة الأوضاع المتردّية في كافة المجالات.

كما أن مشروعنا السياسي الذي أصدرناه بتاريخ 16/12/2004 يؤكّد سعينا لإقامة دولة مدنية، ديموقراطية، تعدّدية، تداولية، تحترم فيها حقوق المواطنين كافة، ويحتكم فيها إلى صناديق الاقتراع.

س- كمعارضة في الخارج، ماذا تطلبون من الدول الحليفة ومن المجتمع الدولي؟

ج- كل ما نطلبه من الدول العربية والمجتمع الدوليّ، رفع الغطاء والحماية عن هذا النظام الفاسد المستبدّ، وتأييد حق الشعب السوري في إقامة نظام ديموقراطيّ تعدّديّ يكفل لجميع المواطنين حقوقهم وحرياتهم، والوقوف معه في نضاله من أجل التغيير الديموقراطي.