مها الفيصل
مها الفيصل:
تعاملنا مع التراث تعاملا انتهازيا وضيقناه ليصبح على قدر عقولنا السرد الروائي
والأسطورة والمشهد الثقافي الأدبي في حوار مع روائية سعودية
حاورتها: حليمة مظفر
قدمت الأميرة والأديبة السعودية مها الفيصل للقارئ العربي، روايتين من عالم الأسطورة هما «توبة وسليّ» و«أميرة وسفينة الظلال». وهي مهتمة بأدب الطفل، وأصدرت في هذا المجال مجموعة من القصص باللغة الإنجليزية والعربية.
«الشرق الأوسط» التقت مها الفيصل وحاورتها حول أسلوبها الروائي، ولجوئها إلى الأسطورة في روايتيها، وتجربتها الأدبية عموماً:
* في عمليك الروائيين (توبة وسليّ) و(سفينة وأميرة الظلال) تلجئين إلى الأسطورة في الحكاية الروائية.. فلماذا الأسطورة؟
ـ الأسطورة التي تقصدين هي myth وهي القصة أو الحكاية، وأنا أكتب الحكاية ولا أجد أن هناك تناقضا بين الحكاية والأسطورة، فهناك ترفع عن المنطق الأسطوري، وذلك لأنه مرتبط بالنظرة الدونية للتراث الحضاري القديم، وكأنه المعبر عن مرحلة من الطفولة الإنسانية تعداها الفرد العصري الناضج بزعمه. وأنا لا أؤمن بهذه الأكذوبة، بل أرى كما هائلا من الانحطاط الإنساني، يتخفى خلف هوس تقني وتجبر آلي بشع، فهناك دعوة للاكتفاء بحلم «الحياة العصرية»، التي تأسست على إيمان مبتور «بالفردوس الدنيوي»، وهناك أيضا من لا تشبعه تلك الآمال ولا يقنع بها، وأنا أكتب لهؤلاء.
* لكن الهم الاجتماعي والأحداث السياسية والحالة الاقتصادية المتردية هي أبرز هموم المواطن العربي، والأدباء يلجأون إلى تجسيدها وتحليلها أو طرحها للتنفيس وحسب، والقارئ يجد نفسه بها أكثر من الأسطورة..
ـ لا أظن أن واجب الكاتب هو التنفيس لأن العاطفة هنا تفسد الخيال، وقد تجعله خيالا عابثا ومحصورا وغضوبا. ولا أظن أن كل القراء يقفون عند حد القراءة التنفيسية، ولكن تلك الهموم الحقيقية التي ذكرت، يعبر عنها وبإبداع كبير كثير من الكتاب، فلا ضير لو كتبت بشكل مختلف، وعبرت عن هموم إنسانية بشكل آخر.
لقد ذكرت من قبل أن الروايتين لا تندرجان تحت الأدب السياسي الاجتماعي، وإنما تعنيان بالإنسان وانعتاقه الروحي الذي يلامس كل هذه الجوانب. وفي اللون الذي أنجزه ليس من الضروري أن تكون العلاقة واضحة، فلم يحفزني للكتابة أي من هذه الجوانب بطريقة مباشرة، ولكنني أكره عبودية الإنسان بأي شكل كانت وإذلاله، ففعل العبودية أحيانا يكون فعلا ذاتيا ويستلزم علاجاً، والأهم أنني لا أرى أن تنحصر إنسانيتنا في كوننا حيوانات سياسية اجتماعية لا غير، فمن جعل هذه الجوانب على قمة هرم آدميتنا؟!
* دعيني أكن صريحة معك، هل لكونك أميرة تنتمي للعائلة المالكة سببا في ابتعادك عن الكتابة الواقعية والاجتماعية في رواياتك، خشية أن تلتصق بك كسيرة ذاتية، وتقع تحت توجس التأويل؟
ـ دعيني أنا أصارحك بسؤال: لماذا يفترض أن يكون هناك شيء أريد التستر عليه أو إخفاءه؟ لا يوجد في سيرتي وسيرة أسرتي إلا الخير، فلو يراد إلصاق تهم بي بهتانا، لن تكون كتاباتي محفزة لذلك، بل سوء أخلاق المتناول، وأنا لا أتحايل، بل أكتب وبدرجة عالية من الانسجام الداخلي، وإن كنت امرأة وأميرة ومسلمة وخليجية وعربية. هل هناك قوالب أخرى يمكنني إضافتها؟ المهم أنني أكتب بصدق.
أما عن الواقعية، فهي بالنسبة لي تبدأ من التراث. وللأسف، أتى تعاملنا معه في أغلب الوقت تعاملا انتهازيا، سواء أكان الطرح إيجابيا أم سلبيا. فالغرض كثيرا ما يكون تسخير التراث لإظهارنا لا لإظهاره، وذلك إما بإبراز مثالبه أو بإشهار محاسنه، من أجل تحقيق مشروعاتنا في القراءة المتعجلة للتراث، التي لا تسع معالم التراث ولا لإيجابياته، ومن ثم لا تعطينا ذلك التكامل الفكري الذي يسمح لنا بالتعبير عن هويتنا. لقد ضيقنا التراث ليصبح على قدر عقولنا أو على قدر واقعنا المنتكس ثم لمناه، لأنه لم يعد يفهمنا والعكس هو الصحيح، وهذا ما يخفينا، فالذي لا يفهم تراثه يسهل خداعه بدعوى تمثل التراث الأصيل من جانب. ومن جانب آخر من لا يعرف تراثه، لا يمكن له تقييم نفسه بالنسبة لتراث غريب، وإن كان همه إلصاق نفسه به هكذا مجردا من أية هوية، الواقع يقول إنه لا يوجد فرد يحيا مجردا بلا تراث، فإن لم ينفعنا تراثنا بالتأكيد لن يسعفنا تراث غيرنا.
* لاحظت أن الحكمة والعظة والعبرة تتجلى في سردك الروائي.. إلى أي المصادر تستندين في هذا الشأن؟
ـ التراث الأدبي الإسلامي تكلم عن حكمة الفرس والروم والصين، الحكمة والعبرة لا تقتصر على الأدب الإسلامي، بل الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها، أتلقطها من كل مكان، ومن تراث الحكمة الإنسانية.
* أشعر أنك تريدين من خلال سردك الوصول بقارئك إلى التطهر والروحانية وحتى والصوفية..
ـ لا أدري، هل يمكن أن يصل إنسان إلى التطهر الروحاني بمجرد قراءة كتاب؟ اما أننا أمسينا نبالغ في إمكانات الأدب، أو أننا نحجم من قدرات البشر ونسطح الحقيقة الروحانية.
* تنتمين إلى عائلة إبداعية، فالشاعر الأمير خالد الفيصل والشاعر الأمير عبد الله الفيصل عمّاك، وأنت تخوضين مجال الرواية.. هل هناك سر في هذا التفرد؟ هل استفدت منهما في مشوارك الأدبي؟
ـ شكرا لوصفك الكريم، لا توجد أسرار، ولكننا عائلة بصفة عامة لا نخوض أية تجربة، إن لم نتمكن من أدواتها بالقدر الممكن أو المقبول بالنسبة لنا، كما أننا نعتمد على أنفسنا في اختياراتنا. وقد تعلمت منهم الجدية والصدق بجانب أخلاقيات أحسبها شكلت مفهومي للكاتب، سواء أكان شاعرا أم أديبا. وهذه التربية الأخلاقية كانت نبراسا لي، ليس فقط في الكتابة، ولكن في الحياة التي أحسبها أوسع بكثير.
* أجد أن كتابتك لرواياتك تأثرت بكتاباتك للطفل من حيث سلاسة الأسلوب. فهل تعدين ذلك ميزة في تجسيد الأسطورة، وذلك بخلاف روايات رجاء عالم، مثلاً، التي تغرق في الغموض؟
ـ السلاسة في الأسلوب لا تمثل كتابة الطفل فقط، لكنه نهج اخترته بوعي. لي المقدرة على التعقيد، ولكني أحب الانبساط في كل شيء لا التبسيط، اليسر لا السهولة، وهناك عدة مستويات لفهم الحكاية، فعدم إدراك الشيء لا يعني عدم وجوده.
وبالنسبة لرجاء عالم أحترم تجربتها وخبرتها، وإن اختلفت عنها لا يعني أنني أخالفها على العكس. اسمحي لي أن أضيف شيئا، لا بد من الاعتراف بفضل كل من يساهم في إثراء المحيط الأدبي السعودي، وعلى رأسهم رجاء عالم، وقد سعدت بلقاء الأديبة الرقيقة ليلى الجهني التي أجدها أديبة بمعنى الكلمة، ناهيك عن أنها من سكان المدينة فأي عز هذا!.
* الطفل يحتل مساحة كبيرة جدا من اهتماماتك الأدبية. لماذا أدب الطفل العربي مهمل من قبل كتابنا؟
ـ إنني أكتب للطفل كواجب علي، ولا أتأخر عن حضور أي منتدى يهتم بذلك الجانب المهمل لدينا. كثير من كتاب الرواية يخشون الاقتراب من أدب الطفل حتى لا تنعت كتاباتهم بأنها «طفولية»، لأن هناك افتراضا بأن الكتابة للطفل ليس إبداعا حقيقيا، أو أنه لا يتناول قضايا مهمة، ولهذا السبب أتعمد إظهاري ككاتبة للأطفال. ولمكسيم غوركي مقولة في ذلك هي: لا بد أن نكتب للطفل كما نكتب للراشد، ولكن بطريقة أفضل.