مع الدكتور طارق عبد الحليم
حوار المفكر الإسلامي المصري المهاجر
الدكتور طارق عبد الحليم
علي عبد العال
صحفي مصري/ القاهرة
الإسلاميون في كندا.. واقع عربي في مجتمع بعيد
مسجد ادمنتون في تورنتو
يعد الوجود الإسلامي في كندا نموذجا حيا لعملية نقل التجربة الحركية إلى بيئة بعيدة ومغايرة عن بيئة النشأة، وعلى الرغم من تعدد أوجه الاختلاف بين البيئتين فإن الطبيعة الإسلامية تأبى إلا أن ترحل دون أن تلملم غير قليل من حقيقة الصورة في الموطن الأصلي بما معها من خير وشر؛ فالإسلاميون هناك "صورة مصغرة لما عليه الوجود الإسلامي في كل مكان، وخاصة في بقعتنا العربية" كما يقول الدكتور طارق عبد الحليم -الكاتب والمفكر الإسلامي المصري المهاجر- الذي التقيناه لنتعرف منه على حقيقة وحجم الإسلاميين في هذه البلاد الباردة.
ولد الدكتور طارق عبد الحليم بحيّ الجامع الإسماعيلي في القاهرة عام 1948، والدته هي السيدة زينب عبد العزيز سليم البشري، ابنة الأديب المصري المعروف، وحفيدة الشيخ سليم البشري. تخرج طارق في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وعمل بمجالها في أنحاء العالم العربيّ بالسعودية والكويت والأردن، ثم توجه إلى بريطانيا عام 1985 لنيل درجة الماجستير والدكتوراه، ومن هناك توجه وعائلته إلى كندا حيث استقر مهاجرا فيها.
بدأت رحلة الشيخ مع الدعوة إبّان الستينيات، حيث اتجه لدراسة العلوم الإسلامية، وتخصص في علم أصول الفقه "لما فيه من تناسب للطبيعة المنطقية الرياضية التي زرعها الله سبحانه في فطرته" فقرأ غالب ما دونه الأئمة في الأصول إلى أن أخرج كتابه "مفتاح الدخول إلى علم الأصول" الذي ترجم إلى اللغة الأردية.
شارك الدكتور طارق عبدالحليم في إصدار مجلة "البيان" السلفية في لندن منتصف الثمانينيات، ونشر العديد من المقالات بالإنجليزية كان لها أثر كبير في مقاومة البدع والانحرافات، وفي تنمية الحسّ السنيّ في تلك الناحية من العالم. ومن كـتـبه: "فتنة أدعياء السلفية وانحرافاتهم" أصدره بالإنجليزية ثم ترجم للعربية. وكتاب "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد"، و"حقيقة الإيـمان"، وله مع الدكتور محمد العبدة عدد من الكتب أهمها: "مقدمة في اختلاف المسلمين وتفرقهم"، و"الصـوفية: نشأتها وتطورها"، و"المعتـزلة: بين القديم والحديث" وكثير منها مترجم إلى الأردية. ومن مقالاته: "الحرية العرجاء"، و"مفهوم السببية في الإسـلام"، و"قراءات في الفكر العربي"، و"الإخوان المسلمون في نصف قرن"، و"حركة الفكر وفكر الحركة"، و"معالم في الفكر السياسي الإسلامي".
* دكتور.. هل لك أن ترسم لنا خارطة للوجود الإسلامي في كندا؟
ـ الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله ، وبعد.. فالوجود الإسلامي في كندا مثله مثل الوجود الإسلامي في كل بقعة من بقاع الأرض، وهو صورة مصغرة لما عليه الوجود الإسلامي في كل مكان وخاصة في بقعتنا العربية، فالمسلمون هنا منتشرون في أنحاء كندا وإن كانوا يتركزون في تورونتو ومونتريال على الأخص. ونشاطهم وحياتهم هي صورة مصغرة لما نحن عليه في شرقنا العزيز.. فهم يحاولون أن يحتفظوا بهويتهم، ويتمسكوا بإسلامهم، في ظل ظروف صعبة للغاية.
* كنت أود أن تذكر لي الجماعات المتواجدة على الساحة
ـ نعم سآتي إلى ذلك.. فالمسلمون هنا إما ممن لا ينتمون إلى تجمعات و جماعات (مستقلون) وإما من لهم انتماء جماعي سواء لمسجد أو لجماعة إسلامية من الجماعات العاملة في الحقل الإسلامي العالمي، كـ"الإخوان المسلمين"، وجماعة "التبيلغ والدعوة"، و"حزب التحرير"، و"السلفيين"، و"المدخلية"، و"الصوفية".
* ما طبيعة وحجم هذا الوجود؟
ـ بالنسبة لـ "الإخوان" فلهم وجودهم ولهم نشاط حركي أكثر منه فكري، لكن ليس لهم رأس معروف أو قيادة متميزة. أما جماعة "التبليغ والدعوة" فهم منتشرون بشكل كبير ويسيطرون على عدد من المساجد، ونشاطهم كما هو معروف يتلخص في الخروج في سبيل الله وتبليغ الأمر لأكبر عدد ممكن. ثم تلحظ وجوداً لحزب "التحرير" الإسلامي خاصة في الجامعات لكنه وجود ضعيف جدا؛ أما عن "السلفيين" فكما تعلم هذا الآن اسم صار يضم تحته الكثير من الاتجاهات، فمنهم من هم من أهل السنة -كما أحسب- وهؤلاء يعملون فرادى بشكل عام ومن خلال مساجد معينة معروفة. ومنهم من يعرف بـ"المدخلية" -نسبة إلى شيخهم ربيع المدخلي- ووجودهم ظاهر ولكن ليس بطاغ ولهم كذلك عدد من المساجد المعروفة، وينشطون أكثر ما ينشطون بين الشباب وبين الملونين من الكنديينن والأمريكيين.
علم كندا
ثم نجد كذلك عددا من "المستقلين" إن صح التعبير وهم دعاة وخطباء يعملون في مجال الدعوة ولكن بشكل هلامي غير محدد، وأيضا هناك عدد من التجمعات الضخمة لجمعيات إسلامية مثل جمعيتي (ISNA) ، و(ICNA) وهي جمعيات إسلامية ضخمة لها مراكز ومدارس إسلامية ومكتبات ومؤتمرات، مما لا وجود لمثله في شرقنا العربي.
وهناك تجمع إسلامي ضخم في الجامعات يعرف بـ (MSA) وهو تجمع شبابيّ في أمريكا الشمالية، والإخوان لهم نشاط فيه، وكذلك بقية الاتجاهات. كذلك نجد في كندا "الصوفية" وتجمعهم من أكثر الجماعات انتشارا هنا، ولهم مراكز عديدة ومؤتمرات مشهورة.
* ألا يوجد تجمع واحد يجمع هذا الطيف المتعدد؟
ـ لا.. لا يوجد تجمع واحد.. وهناك عدد من المحاولات التي تسعى لهذا الأمر، لكن كما هو الحال عندنا في الشرق لا أظن أن هذا أمر ممكن للأسباب المعروفة.
* فما أكبر هذه الحركات وأبرزها؟
ـ أعتقد أن "المستقلين" هم أكبرها، ولكن إن أردت من لهم اسم معروف فأظن أن "التبليغ والدعوة" ثم "الصوفية" ثم "الإخوان".
* ما حال هؤلاء مع السلطات، أي موقف الدولة منهم؟
ـ موقف الدولة منهم يتوقف على الجماعة ذاتها، وإن كان هناك الآن قاسم مشترك من العداء مع الدولة لهم جميعاً إلا "الصوفية"، فالدولة تشجعهم وتعاونهم، خاصة في أمريكا، ولكن الدولة الكندية بأجهزتها أشد ما تكون على "السلفيين" الذين تطلق عليهم "الوهابيين" وهم في الحقيقة لا يميزون بين أهل السنة من السلفيين وبين المدخلية أو السلفيين العلميين أو غير هذا من الاتجاهات.
* ماذا عن الجهاديين ووجودهم في كندا؟
ـ ليس ثمة وجود للجهاديين -إن صح الاسم- هنا في كندا. ففي البلاد -وإن اصطنعت الحكومة منذ عامين قضية ما يسمونه الإرهاب، ولكن هذا كان مجرد إثبات الولاء للأمريكيين- لا وجود حقيقيًّا لحركات الجهاد هنا على الإطلاق.
* ما أبرز أنشطة الإسلاميين في هذا البلد؟
ـ أبرز هذه الأنشطة هو العمل من خلال المدارس الإسلامية، التي تتبع عادة مقررات كندا ثم تضيف اللغة العربية والقرآن، ثم المؤتمرات التي تكون بمثابة نشاط اجتماعي أكثر منه إسلامي.
* وماذا عن الأنشطة في المساجد؟ وهل توجد مساجد تخضع لسيطرة حركة من الحركات؟
ـ نعم هناك مساجد تخضع بشكل كامل لجماعة "التبليغ والدعوة"، وهناك مساجد تخضع لأهل السنة وغيرهم، وهناك مساجد معروفة لجمعيات (ISNA) -أكبر جمعية إسلامية في أمريكا الشمالية- و((ICNA وهي جمعيات مسئولوها عادة من المسلمين الباكستانيين.
* ماذا عن الوضع الاقتصادي والتعليمي للإسلاميين في كندا؟
ـ الجالية الإسلامية هنا تجمع الغني والفقير، والمساجد تكافح لجمع التبرعات من أجل ضمان الاستمرار، وإن كانت المشكلات الإدارية -أعني ضعف القدرات الإدارية والاقتصادية المتمثل في عدم الاستخدام الصحيح للمال- تمثل عائقا أمام تطورها وتحسينها، أما عن الوضع التعليمي فهل تقصد مستوى الدعاة؟
* أقصد الدعاة الحركيين بشكل عام، مستواهم التعليمي والثقافي
ـ من الدعاة الإسلاميين من هم على قدر وافر من المال غالبا من خلال العمل الإسلامي، ومنهم من لا يملك الكثير، أما عن المستوى التعليمي فنحن في حاجة إلى رفع المستوى العلمي الإسلامي بين الدعاة، لأن كل من قرأ كتابا هنا أصبح داعية وخطيبا، وهذا لنقص الكفاءات الحقيقية في هذه البلاد.
* ألا يوجد من بين الدعاة سياسيون أو مثقفون أو كتاب في الصحف الكندية أو مؤلفون في مجالات عامة؟
ـ لا.. ليس من بين الدعاة من يشتغل بهذه المجالات، مع استثناء فرد أو فردين من "الصوفية" المعروفين، وهم على ولاء تام للحكومة الكندية وحلفائها من الأمريكيين.
* هل ثمة اضطهاد أو مطاردة للإسلاميين؟
ـ نعم وهذا يحدث بشكل كبير، من مراقبة للتليفونات، حتى المحاربة في الأرزاق لمن هم معروفون بالعقيدة السنية، التي يطلقون عليها "الوهابية" وهناك مراقبة عامة أيضا للجميع.
* فأين القانون في واحدة من أكبر البلاد الغربية؟
ـ القانون أخي واسع عريض، يمكن تأويله وتفصيله حسب الحاجة وهؤلاء قد أصدروا قوانين تقرر أنه يمكنهم تجاوز التشريعات في حالة المسلمين (الإرهابيين)!!
* إلى جانب ما ذكرت، ما أبرز العوائق والتحديات أمام العمل الإسلامي هنا؟
ـ أبرز العوائق والتحديات درجة العلم بالإسلام، فالدعاة هنا على قدر قليل جدا من العلم والإخلاص لله تعالى، ثم يأتي بعد ذلك التحدي الغربي للإسلام بشكل عام.
* لماذا توقفت دكتور عن تدريس الشريعة الإسلامية في الجامعة؟
ـ والله لقد أوقفت نشاطي العام بعد المشكلة الأخيرة (قضية ما يسمى بالإرهاب) وأوقفت برنامج دبلوم الشريعة بعد 10 سنوات من التدريس، وذلك حتى لا تكون هناك ذريعة تستعملها قوى الظلام ضد ابني (المعتقل) والله خير حافظًا.
* إلى أين انتهت ما سميت بقضية الإرهاب المتهم فيها نجلكم؟
ـ هي قضية تجد تفاصيلها في موقع أنشأته لها خصيصا عنوانه CAPTIVEINCANADA.COM وهي قضية يعلم القاصي والداني هنا -الآن بعد عامين من الحبس بلا محاكمة- أنها ملفقة تماما من الحكومة الكندية. وقد استأجرت الحكومة جاسوسين يفترض أنهما مسلمين ودفعت لأحدهما 370 ألف دولار وللثاني وهو مصري ملحد 4 ملايين دولار لتلفيق التهم وتسجيل مقتطفات من محادثات عادية وتركيبها على أنها مؤامرة.
وأصبحت هذه القضية الآن مهزلة في الصحافة وأوساط القضاء ولكن الحكومة الكندية تنتمي لمن يطلقون عليهم (المحافظون الجدد) وولاؤهم لبوش وعصابته، فكان لا بد من كبش للضحية. ومشكلة الجواسيس ممن يدعون الإسلام الآن في مساجد الغرب متفشية بشكل رهيب، إذ يتقاضون من الحكومة مبالغ شهرية كبيرة مقابل بذل الولاء لهم.
* دكتور.. لو أردت أن أقربك من الحركة الإسلامية، أقول دكتور طارق سلفي أم كيف هو يصنف نفسه؟
ـ لم أنتم إلى أي جماعة طوال مشواري الدعوى في 35 سنة ماضية، ولكن أنتمي إلى أهل السنة والجماعة وعقيدة السلف الصالح على فهم الصحابة رضي الله عنهم، فإن قربني هذا من فرقة من السلفيين فبها ونعمت، والسلفيون هم سلسلة أهل السنة بدءا من الأئمة الأربعة ومرورا بابن تيمية، وبن القيم، وبن رجب، وبن عبد الهادي، إلى بن عبد الوهاب، وسيد قطب، والمودودي، وكلّ من هم على عقيدة السنة ممن لم أذكرهم رحم الله الجميع. وعقيدتي منشورة بالكامل على موقعي الشخصي tariqabdelhaleem.com.
وأخيرا.. أود أن ألفت النظر إلى أهمية أن تلتزم الحركات الإسلامية والمواقع الإسلامية بعقيدة أهل السنة وبالسنة الشريفة المطهرة وأن لا يكون مجرد الانتشار هو الدافع للعمل أو النشر، ويجب أن تمحص الأقوال والأعمال على هذا المقياس.