مقابلة مع المفكر السوري محمد ياسين الأخرس
ماذا يمثل محمد ياسين الأخرس في الثقافة السورية المعاصرة
ميداس آزيزي. دمشق
"الحوار ينتج حقيقة جديدة ليست لأي من المتحاورين، بل لهما معاً، لأنها قائمة فيهما معاً".
إدغار موران
المدخـل:
هذا نمط من التأليف لا أدعي أنني ابتدعته الآن، وذلك لأنه كان متداولاً – ولو بقلة - كفن من فنون الأدب الحديث. ولكنني أحب أن أقول لقارئي، إنني أعده بحوارية غنية ومشبعة، أدعي أنها تصلح أن تكون واحدة من لبنات ثقافتنا الوطنية.
ينبئ العنوان أنني ، ومحمد ياسين الأخرس ، سنتداول الحديث عن بعض شؤون الهم الكردي، في إطار ثقافي واسع، يقوم على عرض نظري يشمل الإنسان وجوداً وتاريخاً ومستقبلاً. ولهذا لن تعجب قارءنا العزيز في أن الحوارية قد دارت حول ياسين الأخرس، وأن دوري كان تحريضاً من خلال أسئلة تكشف عن جوهر ما يدعيه هذا العالِم في الإنسان.
ليس لي في البداية إلا إن أعبر عن امتناني وشكري العميق للباحث والمفكر السوري الأستاذ الفاضل محمد ياسين الأخرس، الذي أتاح لي فرصة الحوار معه، رغم انشغاله وضيق الوقت لديه بسبب التزاماته الكثيرة، لما يقدمه من أبحاث ودراسات للمجلات ومراكز الأبحاث حول كتابه (الانفجار العظيم للنظام، الجواني- البراني، نظرية كل الأشياء)، "أن تعرف ما جرى في الحلقة المفقودة، أن تعرف كل شيء".
Internal- External) . (The Grand System Explosion,
(The Theory Of Everything)
وهو قيد الترجمة إلى اللغة الانكليزية بإشراف الدكتور محمد توفيق البجيرمي بجهود الدكتور آغوب غاريبيان. ليقوم بنشره باللغة الإنكليزية أولاً، كخطوة لإعلان النظرية على الساحة العلمية العالمية.
و رغم المحاولة في البداية من اقتصار الحوار على بعض آرائه، إلا أن سعة أفكاره العلمية وتحليلاته النظرية والعملية القيَّمة، أعطى الحوار هذا الزخم من المساحة، ليقدم لنا رؤى حول أبرز القضايا والإشكاليات المطروحة على الساحة الوطنية والثقافية.
ومن بين ما تناولناه في حوارنا هذا، إشكالية العلاقة والحوار وآلياتها بين النخب العربية والكردية على كافة المستويات، تناولاً وطرحاً وما يحكمها من قواعد وضوابط معينة. وخير استشهاد على هذا التناول ما قدمه الأستاذ محمد ياسين الأخرس في هذا المضمار، حينما يعاين الواقع بنظرة جريئة قلّ نظيرها في المشهد الثقافي السوري.
«النخب العربية تعيش حالة تفاعل لتشكيل الحدث التطوري في سوريا. ومن يتموضع في ساحة إنشاء الحدث لا يملك أبدا إنتاج مشروع – بمعايير أكاديمية- لحل قضية من القضايا. لأنه دائماً وأبداً – بحسب موقعه في تشكيل صراعات تيار التطور حسب مجراه التاريخي- يلتزم ضرورةً بالمصلحة كقاعدة لعمله، سواء دفعته مصلحته لأن يقف في هذا الصف أو تلك الجهة. وسواء كنت معي أو ضدي ، فأنت تلتزم بمصلحة لك مهما كان تعقيد تشكيلها، وهي التي تمنعك من إنشاء مشروع ٍ بشروط أكاديمية للقضية الكردية، مما يجعل أوراق المثقفين العرب ضعيفة حسب تعبيرك. وإذا كان موقعك كسوري كردي، يتطلب من الآخر السوري العربي، أن ينشئ مشروعاً واضحاً للقضية الكردية، فإن الآخر سيطالبك بالأمر ذاته، وسيجدان معاً (الأكراد والعرب كمشكلين للشعب السوري عرقياً ) أمام تحدٍ لإنشاء مشروع وطني»
الأستاذ محمد ياسين الأخرس يذهب إلى أبعد من ذلك، في تصوره تجاه هذه المسألة عندما يصف الحوار بين النخب الكردية والنخب العربية بحوار الطرشان. مستخلصاًً ذلك من عدم وجود مشروع كردي وطني واضح المعالم، وبنفس المقاس لدى الجانب الأخر. ومن خلال هذا الحوار يحاول إن يضع محددات بوصلة الحوار العربي الكردي، ووضعه ضمن مساره الطبيعي عبر إيجاد مناخات ثقافية ملائمة، نابعة من حاجاتنا للمساهمة في بلورة فهمنا للأبعاد الإنسانية للحوار.
الأستاذ محمد ياسين الأخرس في سرد سيرته يستعرض أبرز المحطات والمنعطفات التي ساهمت في تطور شخصيته، والتي أصبحت موضع انتباه الكثيرين من الأصدقاء، لما يتمتع به من ذكاء وحنكة سياسية ودراية بخفايا الأمور. وما لفت انتباهي أكثر حديثه بصراحة " ونقد الذات "عن تحوله من منهجية التحليل السياسي الذي اكتسبه من حزب التحرير ، حين عجز هذا المنهج أن يمتلك قدرة التطور ليواكب الأحداث الجديدة التي افتتحها الغزو العراقي للكويت، وما تلاه من أحداث سياسية شكلت زلزالاً غيَّر وجه المنطقة. ومن هذا العجز الذي شكل تحدياً أمامه، خرج إلى توليد منهج تحليل جديد، اكتشف فيه مستوى تجتمع فيه الأحداث السياسية بقوانين حركة التاريخ. لقد كان هذا المأزق المؤلم – كما يصفه – هو المدخل لكي تصبح السياسية بكل سمعتها السيئة، مدخله لإنتاج نظرية عن الإنسان.
"ماذا يمثل محمد ياسين الأخرس في الثقافة السورية المعاصرة"جاء نتيجة طبيعية لحضوره المميز ضمن الحراك الثقافي والفكري، وما يملكه من تجربة حياتية ارتكزت بكاملها إلى تطور فكره الذي كان هو العنصر الأبرز في تشكيل حضوره الاجتماعي. وهذا ما يدفعني إلى القول بأنه واحد من الشخصيات الثقافية المهمة على الساحة السورية إطلاقاً.
ولن تجد قارئي العزيز أنني غاليت في حكمي هذا ، حين تقرأ ما أجاب به، العالم محمد ياسين الأخرس. فيما يتعلق بتلخيص نظريته عن علاقة الإنسان بالكون الفيزيائي، ودور هذا الجنس في تطوير الكون. لقد وضع الباحث الجنس الإنساني في موقع مبتدع وجديد في سياق تطور الكون الفيزيائي، من خلال كشفه عن أن الحركة تشكل قاسماً مشتركاً بينهما. وقد استطاع بنظرته العميقة أن يكشف جوهر الحركة الكونية من خلال عملها الجواني كما يقول الفيزيائيون. وقدِر- لأول مرة في حدود علمي – على إظهار جوهر الحركة الإنسانية من خلال عملها البراني. لقد قفز القفزة التي كانت تنتظرها العلوم الإنسانية، لتمتلك انفتاح أفقها حتى يصل العلم الإنساني، في تشكيل معرفتنا إلى أمدائه كلها.