محمد عبد المطلب
الناقد المصري محمد عبد المطلب
التقاه: مصطفي زيان
الرباط ـ القدس العربي : في هذا الحوار الممتع والمفيد مع الدكتور محمد عبد المطلب أستاذ النقد الادبي بكلية الاداب بجامعة عين شمس بالقاهرة، يؤمن محاورنا بالمقولة التراثية الشعر ديوان العرب ويؤكد أن هذا الزمن هو زمن الشعر وسيظل، لأنه هو المعبر الحقيقي عن الانسان وطالما يوجد الشعر يوجد الانسان. إنه بتعبيره هو فن اللغة الاول.
والدكتور محمد عبد المطلب الذي حاز علي جائزة مؤسسة البابطين في النقدي الادب(1990) وعلي وسام فارس من فرنسا علي دوره الثقافي في النقد الادبي (1999)، له أكثر من عشرين مؤلفا في النقد الدبي والبلاغة منها عشرة كتب في نقد الشعر.
* هل في رأيك مازال الشعر ديوانا للعرب؟
مازال وسيظل الشعر ديوانا للعرب. أنا أفهم معني الديوانية هنا بأنها الذاكرة العربية. وطالما هناك ذاكرة عربية، فهناك شعر وطالما هناك شعر، فهناك ذاكرة عربية.
حقيقة، أن هناك أجناسا أدبية كثيرة ظهرت، تنافس الشعر مثل القصة والرواية والمسرحية والتراجم إلخ...، لكن، في رأيي الخاص، أن هذه الاجناس تنتمي إلى الدرس الاجتماعي بالدرجة الاولي ثم تنتمي بعد ذلك إلى الدرس الادبي. أما الشعر، فإنه ينتمي للأدبية أولا وأخيرا. ومن ثم مهما حاولت الرواية أو القصة أن تقدم تحولات الواقع العربي وتقلبات المجتمع العربي، فإن هذه التحولات ستظل في الاطار الخارجي، أما التحول الداخلي للذات العربية وللشخصية العربية، فسيظل الشعر هو الحامل لهذه المهمة بالدرجة الاولي. وأنا أقول إن الشعر مازال ديوان العرب بالرغم ما قاله الدكتور جابر عصفور علي أن الرواية ديوان العرب وما قاله الدكتور عبد القادر القط علي أن الدراما التلفزيونية أصبحت ديوان العرب، فمازلت أقول إن الشعر هو ديوان العرب. هل حقيقة أن الشعر العربي مازال محتفظا بمكانته حتى يومنا هذا. أسأل وأجبيب، المهرجانات التي تقام في العالم العربي كله، جلها يحتفل بالشعر، الجوائز التي تقدم في العالم العربي تقدم احتفاء بالشعر.. ما يطبع وينشر علي الناس أغلبه شعر. ثم ألا نتصور عظمة الشعر في أنه حافظ علي وجوده منذ أن ظهر قبل امرئ القيس حتى يومنا هذا. بالرغم من أن هناك أجناسا كثيرة ظهرت واختفت. أين هي المقامة، أين الرسائل أين التوقيعات.. إلخ، كلها ذهبت وحلت محلها أجناس مثل القصة والرواية، لكن الشعر العربي بالرغم من تحولات المجتمع العربي الدائمة التي لم تتوقف، فإنه ظل كما هو. كلمة شعر ظهرت، ومع ذلك مازالت تعيش حتى يومنا هذا، أين أن الشعرية هي شعرية تراكم الزمن الذي ينقطع.
الاروع والاعظم، أن الشعرية العربية بالرغم من أنها حافظت علي وجودها لأكثر من1500 سنة تقريبا، مع ذلك لم تجمد علي حالة واحدة، بل مرت بمراحل تطورية تتابع التغير الاجتماعي والثقافي العربي. منذ الشعر العربي، ظهرت الشعرية العربية مع امرئ القيس ومدرسته وجاء صدر الاسلام وتحولت الشعرية العربية هذا التحول، ثم العصر الاموي فتحولت تحولا آخر، ثم جاء العصر العباسي فدخلت في مرحلة تطويرية من حيث البناء الشعري والمضمون، وكانت هناك ثورة قادها أبو تمام علي الشعر العربي، ثم جاء العصر الاندلسي وظهرت الموشحات وجاء العصر المملوكي والعثماني، ثم جاء العصر الحديث بتحولاته الاحيائية ثم الرومانسية ثم التفعيلة وصولا إلى قصيدة النثر.
* هذه الشعرية الخصبة، لم تتجمد عند مرحلة بعينها ولم تتوقف عند صورة شكلية بعينها، بل تطورت. مما يؤكد أنها ستظل حية إلى ما شاء الله. أما كيف ستكون عليه الشعرية العربية فيما يتلو مرحلة قصيدة النثر، فهذا في علم الغيب.هذا يحيلنا علي التساؤل حول مدي تأثير الشعر في يومنا هذا، خاصة مع الظروف العصيبة التي يمر منها العالم العربي والاسلامي. أين موقع الشعر من قضايا مثل فلسطين والعراق...؟
الشعر حاضر، لكن نحن نريد أيضا أن نعود بالشعر إلى مسألة الاغراض، وهذه مسألة لم تعد مهمة في الشعر العربي في رأيي. الشعر العربي هو فن اللغة بالدرجة الاولي. كيف يوظف الشعر لغته لكي ينقل إلى المتلقي جمإلىات هذه اللغة. يأتي الغرض في الدرجة الثانية، أما الدرجة الاولي فهي اللغة. أنت لو بحثت حتى في أعظم القصائد الشعرية، فتجد المعني، مألوفا، قدم لي أي نموذج شعري، ستجد أن المعني مألوف، إنما ألفته أنه قدم بطريقة غير مألوفة. ومع ذلك، فالشعرية العربية مازالت تحمل هموم الواقع العربي، محمود درويش، ماذا صنع في الشعرية العربية
شعر محمود
درويش
حإلىا ليس هو شعره ماضيا! أنا أتكلم عن الهم العربي عموما، ولا أحب أن
أتحدث
عن قضية واحدة. نحن نعيش
الزمن
العربي الرديء. فالشعر جزء من هذا الزمن
العربي الرديء الرواية لم تنفصل
عن
هذا الزمن والمسرحية كذلك بل كل الثقافة.
نحن
للأسف نعيش مرحلة تفرغ فيها
الذاكرة العربية من ثقافتها تماما ويقود هذه
العملية للأسف بعض كبار المثقفين
في
العالم العربي. واعتبروا جنة الحداثة،
تحتاج
إلى جواز الدخول، هذا الجواز هو ضرب الثقافة العربية في أعماقها. وأنا
أقرأ
الان بعض الكتب الثقافية لكبار
المثقفين العرب، فأصاب بالذهول. الركائز
الثقافية العربية تضرب في أعماقها.
للأسف
هناك محرمات ثلاثة في الثقافة: الدين، الجنس، السياسة. السياسة عقوبتها الدنيوية
فورية والجنس عقوبته
الدنيوية
فورية. الدين عقوبته أخروية مؤجلة. كيف بالمثقفين العرب يتهربون من
العقوبة
الفورية مع السياسة والجنس ويدخلون إلى العقوبة المؤجلة الدين، وأصبح
المثقفون
العرب
يعتبرون الدين هو ركيزة التخلف في الواقع العربي الحإلى. هذا
ما
وقع مؤخرا في مؤتمر المثقفين العرب بالقاهرة. أنا أتحدث عن الواقع الثقافي
العام، الشعر جزء من هذه الثقافة، ولأن الشعر يحمل
الذاكرة العربية، حاول بعض
المثقفين أن ينقلوا الشعر من الدرجة الاولي إلى
الدرجة الاخيرة. أنا أقرأ نصوصا تعبر عن الهم العربي تعبيرا لا تستطيعه
الرواية. ولا يستطيعه أي جنس أدبي آخر.
لكن
الظروف جعلت هذا الشعر معظمه رموز.الواقع العربي الكئيب أو الرديء يدفع بعض
المثقفين العرب إلى تفريغ الذاكرة
العربية من ركائزها الاساسية وشحنها بالوافد
المدمر للبقية الباقية. أنا لا أقول إن كل الثقافة العربية صالحة، أستبعد ما فقد
شرط
الصلاحية وأستبقي
ما
انطبقت عليه شروط الصلاحية. يعني هل يمكن أن ألغي في
يوم
من الايام فضيلة
الصدق
في الثقافة العربية وفضيلة الكرم، لكن هناك بعض
الركائز مثلا تحتاج إلى
تطوير
مثلا سلطة الخلافة. شروط الصلاحية لم تنطبق
عليها، يمكن أن نطورها، لا أن
نلغيها نطورها إلى الانتخاب مثلا. هناك ركائز في
الثقافة العربية فقدت شرط
الصلاحية أستبعدها، وركائز حافظت علي شرط الصلاحية
أستبقيها وهناك ركائز تحتاج
إلى
تعديل، أعدلها، لكن لا أفرغ الذاكرة العربية من
تراثها الثقافي. وللأسف ما
أقرأ
الان، من أن بعض من مصائب سببه الثقافة العربية
القديمة. وأنا أسأل هؤلاء
سؤالا: ألم تكن هذه الثقافة العربية هي هي يوم أن ساد
العرب
العالم كله؟ إذن
العيب
ليس في الثقافة، بل في المثقفين أنفسهم. هؤلاء
يبحثون عن جواز الدخول إلى
جنة
العولمة. وجواز الدخول هو ضرب الثقافة العربية
في
أعماقها وجذورها ومن
ضمنها
الشعر. الان يحملون الشعر كل أوزار الحاضر. إذن
الشعر
العربي، ليس فقط
جزءا
من الثقافة، بل هو الثقافة كلها. وبعض المؤلفات
تنسب
مقولة: الشعر ديوان
العرب
إلى الرسول صلي الله عليه وسلم، وكأن الرسول وعي
منذ
القديم أن هذا الجنس
الادبي الابداعي هو الذي سيحمل الهوية والشخصية
العربية عبر المراحل الزمنية
حتى
يومنا هذا ولم نتوقع أن تجمد الشعرية العربية،
بل في
رأيي إنها في أخصب
مراحلها. لماذا؟ الان الخطاب الشعري العربي في العالم
العربي كله: القصيدة
العمودية حاضرة وتكتب ولها شعراء أسماؤهم لامعة، والقصيدة
التفعيلية تكتب ولها
أسماء
لامعة وكذلك الشأن بالنسبة لقصيدة النثر، فهذا أكبر
دليل
علي حيوية
الواقع الثقافي الحإلى في استقبال الشعر العربي، بالرغم من
التباين الشديد بين
هذه
الاجناس. هذا كله يؤكد، أن الشعرية العربية شعرية التراكم لا شعرية
الانقطاع، شعرية التواصل لا القطيعة. بعض شعراء الحداثة،
يقولون إننا شعراء بلا
آداب،
وأننا نبتنا من لا شيء، وأن القديم ليس شرطا في
الجديد. أنا أسأل هؤلاء،
إذا
كنتم لا تنتمون للقديم كما تقولون، لماذا تضعون
علي
ديوانكم كلمة شعر. ضع
إسما
آخر يا أخي! هذا الاسم، إسم تراثي ظهر قبل امرئ
القيس
وإذا كنت لا تحب أن
تكون
علي صلة بالماضي سم هذا شيئا آخر. فلأنك تصر علي
تسميته شعرا، فإنك تنتمي
إلى
هذا التراث القديم. الان مثلا تتصل بي بعض
الجامعات العربية تقول لي نحن نريد أستاذا في البلاغة
لغته
الاولي الانكليزية، فإذا كان هذا حال الاهتمام باللغة، فلابد أن يقل ويضعف
مستقبل الشعر العربي،
ثم،
يجب أن ندرك أنه منذ أن ظهر الشعر العربي إلى يومنا
هذا
الشعر للخاصة وليس
للعامة. في الندوات المهرجانات يقال شعر، الشعر ليس قضية عامة وهذا مرافق لتاريخ
الشعر
العربي، في مجلس الخليفة، في مجلس الوإلى. فلم يكن الشعر يقال في
الاسواق. كما
يتصور
البعض.
ننتقل
إلى مسألة أخرى تهم ثنائية الرديء والجيد
في
مجال الشعر...هذا مرافق لتاريخ الشعر العربي. أنا، كلفت من المنظمة العربية
بإنجاز موسوعة
للشعر
العربي ولأسماء الشعراء. بدأت أحصي شعراء العصر الجاهلي،
فوجدت
أن شعراء
هذه
المرحلة يزيدون عن 500 شاعرا، أين ذهب هؤلاء، لم يبق منهم
إلا
عشرة أو
عشرون
الزمن سيصفي، يبقي الجيد وينفي الرديء. تاريخ الرداءة مرافق
للشعرية
العربية، منذ أن ظهرت حتى يومنا هذا. أنا أعجبني جدا مرة أبو تمام قال
قصيدة
جميلة
جدا. فأجد النقاد قال له يا أبا تمام، هذه قصيدة جيدة، لكنها تحتوي
علي
بيت رديء، ألا يستحسن أن تبعده عنها، فرد عليه ردا من أجمل ما يمكن، قال
له:
شعري
كأبنائي، فيهم الذكي وفيهم الغبي، فيهم الجميل وفيهم القبيح. هل تتصور
يوما
أنني أحب أن يموت لي ابن منهم. فالشعر مولود. أنا أحصيت 1900 شاعر عربي
من
الذين ماتوا خلال القرنين 19 و20.
من
منهم أصبح يذكر في الشعر العربي، شوقي،
حافظ،
الجواهري، أين الباقون. الرديء
لا
ينفي الجيد إطلاقا ولا يقضي عليه.
الرديء لايخيفنا، في كل أنواع القصائد
يوجد
الرديء والجيد.
* كيف تقيم حركة النقد الادبي في العالم العربي؟
بكل أسف، الجيل الاول من النقاد، كان الخطاب الشعري أمامهم محدودا، ويقرأونه كله، يعني ما قاله شوقي وحافظ والجواهري والرصافي وجبران، ومطران، قرأوه لأنه كان محدودا، وكان النقد سهلا، كان معظمه حوارا لغويا، خطأ نحوي مثلا، فتقريبا كان هناك استيعاب من النقد للخطاب الشعري. في منتصف القرن 20 ظهر جيل آخر، هذا الجيل أيضا واجه المرحلة الرومانسية وبدايات شعر التفعيلة فاستوعب هذا الشعر وناقشه وتوقف عند هذه المرحلة وزرع في المؤسسة الاكاديمية هذه الكارثة، وهي أنك ـ في المؤسسة الاكاديمية في العالم العربي كله ـ يكاد النقد يتوقف عند منتصف القرن 20. يخرج الطالب من المؤسسة الجامعية، يعرف المتنبي، وامرئ القيس وأبو تمام وشوقي والجواهري وسليمان العيسي، بعد ذلك يخرج الطالب مفرغا تماما من أي شيء عن النصف الثاني من القرن العشرين . لماذا؟ لأنه، في النصف الثاني ظهرت تحولات في الشعرية العربية، يبدو أن أدوات النقد لم تكن مهيأة لاستقبالها، فتوقف هؤلاء النقاد عن نقد الشعر. ولم يرفضوه خوفا من أن يتهموا بأنهم متخلفون. في المرحلة الثانية، جاء الجيل الثالث من النقاد، لكن للأسف، هذا الجيل انقسم إلى قسمين: قسم انغلق علي التراث تماما ورأي أن كل شيء فيه يصلح، واعتبر بعضهم أن قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، نوع من الخروج علي الاسلام.القسم الثاني، انفتح علي الغرب انفتاحا ورأي فيه كل الخير، فبدأ يتعامل مع هذا الشعر بهذا المنهج الذي استجلبه من الغرب دون أن تدرك بأنه يرتكب جريمة فظيعة جدا، لماذا؟ لأنه يستخلص أدوات نقدية من نص غير عربي، ويريد أن يرغم النص العربي علي تقبله. كما لو أنك تزرع عضوا غريبا في جسد، سينتهي الجسد. إذا قبله سيشوه. بين هذين، ظهرت طائفة ثالثة توازن بين الامرين، تأخذ من القديم ما يصلح وتأخذ من الجديد، بمعني لا تنغلق علي القديم وحده ولا تخضع للجديد وحده، وإنما تفيد من هذا وتفيد من ذاك.لم يعد النص الحداثي يجد الناقد الذي يصبر عليه ويتعامل معه بحب وحنان حتى يفصح لـه عن جماليته ويفهم معناه. أنا أبحث عن جماليات النص. لا أقول ماذا قال هذا النص عن قضية فلسطين ولكن أقول كيف عبر هذا النص عن قضية فلسطين أو عن كارثة العراق مثلا.
* بخصوص المدارس الادبية، هل تتفق مع ما يقوله الشاعر محمد شمس الدين من أن الشعر أكبر من المدارس وأكبر من الاشكال؟
هذه قضية مفروغ منها، ليس الشعر وغير الشعر: النقد تابع والادب متبوع، لا يمكن أن أتابع شخصيا كل هذا الكم الهائل من الدواوين، غير الروايات والقصص والمقالات والدراسات. أنا أنتقي ديوانا أو ديوانين وأتكلم عنهم.كيف أتعامل مع النص العربي بهذا المنهج هذا النص الذي يلغي المرجعية اللغوية تماما، وهذا معناه إلغاء الثقافة. كيف أتعامل مع منهج يقول بموت المؤلف، أنا عندي نص لا يمكن أن يموت مؤلفه أبدا، النص القرآني لا يموت مؤلفه أبدا، إذا كان عندي أعظم نص أدبي في العربية لا يمكن أن يموت مؤلفه، كيف يمكن لي أن أتعامل مع هذه المقولة. إجمالا، ليس كل ما يأتينا من الغرب صالحا للتعامل به مع النص العربي.
أنا أقول، نحن بحاجة إلى ثلاث قراءات:الاولي، القراءة الاستحضارية، أي أستحضر فيها المنجز الغربي في آخر ما وصل إليه وأقرأه بانفتاح.
الثانية، أسميها القراءة الاسترجاعية أي أعود إلى التراث وأقرأه بحب وتسامح.
الثالثة، وأسميها القراءة الاستنتاجية أي التي تجمع بين هذا وذاك جمع توفيق لا جمع تلفيق، وأستخلص الادوات التي يمكن أن أتعامل بها مع النص. هنا يكون النقد صحيا، لأنني تعاملت مع النص بأدوات تلائمه وتناسبه... ويكون في النهاية، النقد تابعا للإبداع، لا متبوعا للإبداع.دار و مازال يدور نقاش حاد حول من له أسبقية التأثير في الاخر المشرق أم المغرب، علي المستوي الثقافي بصفة عامة.لو جئنا إلى أشهر ناقد في المغرب العربي، نجد حازم القرطاجني، وحازم هذا بني ثقافته النقدية علي ما قرأه في المشرق العربي وبخاصة علي مؤلفات عبد القاهر الجرجاني، أفاد من أرسطو، نعم، من إلىونان نعم، لكن أساس ثقافته النقدية هي ثقافة مشرقية، في العصر الحديث، القضية انعكست بعض الشيء، لماذا؟ لأنه في بداية القرن 20كانت الثقافة المصرية قامت بمهمة نقل المنجز الغربي إلى التراث العربي أو إلى الثقافة العربية. في منتصف القرن، انحسر كبار المترجمين المصريين والشوام أيضا، وبدأ المغاربة هم من يقومون بمهمة نقل الثقافة الغربية الحالية إلى التراث العربي. نحن الان بعد أن قرأنا المنجز الغربي واستعدنا التراث، بدأنا منذ سنة 1990 نقرأ الثقافة العربية المنتجة حديثا، وأنا الان، بدلا من أقول قال: بارث، قال باختين، أقول قال عبد الله الغذامي، قال جابر عصفور، قال صلاح فضل، قال المسدّي، قال حمادي سمود.. إذن هؤلاء هم أركان مرحلة نقل الثقافة وهم الان أركان مرحلة إنتاج الثقافة. أيضا، أعتقد أن الجيل الجديد سيواصل عملية إنتاج الثقافة ولن يمضي وقت طويل حتى تكون عندنا ثقافة جديدة، لكنها عربية الهوية وهذا الاساس.