الدكتورة حنان عبدالفتاح مطاوع : عندما تذكر الإسكندرية تذكر الأندلس
*مدرسة جامعة الإسكندرية التاريخية هى نواة كل مدارس التاريخ الأندلسى فى العالم العربى .
* استفدنا من المستشرقين دقة منهجهم ووعيهم بالتراث العربى.
* كتب الهواة كانت بداية المشوار والأبحاث المتخصصة أضاءت جوانب من التاريخ الأندلسى .
* دور التحف التطبيقية فى معرفة المزيد من كواليس التاريخ الأندلسى.
* المستشرقة "ماريا خيسوس بيجيرا" كانت تجلسنا إلى جوارها فى قاعة الدرس رغم أننى طالبة.
ستظل ذكرى الأندلس حية فى قلب كل إنسان، ولقد رأينا دولاً كثيرة قد أحيلت إلى ذمة التاريخ وتوقف ذكرها ولم يعد يسمع بها أحد، إلا نموذج الأندلس الذى ما يزال حياً ويشع تأثيره فى كل مكان، ومؤخراً عقد بمكتبة الإسكندرية المؤتمر الدولى "الحضارة الإسلامية فى الأندلس" فى الفترة من 15-17 نوفمبر 2016، بحضور كوكبة من أساتذة التاريخ والحضارة الإسلامية، والأدب العربى، والفلسفة من كل الجامعات العربية والأجنبية.. الكل أدلى بدلوه فى أيام مشرقة ذهبنا معها فى رحلة ممتعة عبر التاريخ، وعلى هامشه ألتقيت معظم هؤلاء الأعلام وخضت معهم فى أحاديث رائعة حول مسائل تتعلق بأبحاث المؤتمر وقضايا علمية أخرى، ومن هؤلاء الأستاذة الدكتورة حنان عبدالفتاح مطاوع أستاذة الأثار الإسلامية فى كلية الآداب جامعة الإسكندرية..أجرينا معها هذا الحوار الذى تعرضنا فيه لقضايا وركزنا الحديث حول مكانة مدرسة الإسكندرية التاريخية ودورها فى خارطة البحث العلمى، وأثرها على المدارس الأخرى، ثم تطرقنا إلى أثر دراسات المستشرقين الأسبان فى دراسة الحضارة الإندلسية، وموضوعات أخرى سوف نطالعها فى هذا البحث القيم، وقبل أن نبحر معها لابد أولا أن نعرف بها.
ولدت الدكتور حنان عبدالفتاح مطاوع فى مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ لأسرة متوسطة، أحبت التاريخ منذ صغرها، وأرادت أن تكمل المسيرة فالتحقت بقسم التاريخ فى كلية الآداب بالإسكندرية وحصلت على الليسانس سنة 1985، ثم اكملت دراستها العليا فحصلت على الماجستير عام 1991 فى رسالة بعنوان "زخارف الحجر والرخام فى الأندلس منذ عصر الدولة الأموية وحتى نهاية عصر ملوك الطوائف" بإشراف الدكتور السيد عبدالعزيز سالم، ثم ذهبت فى بعثة إلى أسبانيا للحصول على الدكتوراه بإشراف مشترك مصرى أسبانى فى رسالة بعنوان "التحف والصناعات المعدنية فى الأندلس منذ عصر الدولة الأموية وحتى سقوط دولة بنى نصر". عينت معيدة ومدرس وأستاذ مساعد ثم أستاذ للأثار الإسلامية فى كلية الآداب جامعة الإسكندرية..
أثرت الدكتورة حنان مطاوع المكتبة العربية بالعديد من الكتب والأبحاث التى دلت على تعمقها فى مجال التاريخ والحضارة الأندلسية والعربية وخاصة فيما يتعلق بالآثار الإسلامية وكان لتعلمها اللغة الأسبانية الفضل فى عمق هذه الدراسات التى سدت ثغرة فى المكتبة العربية، ومن مؤلفاتها: "موسوعة الفنون الإسلامية فى الأندلس" بالاشتراك مع الدكتور كمال عنانى، و"الفنون الإسلامية فى مصر والشام حتى نهاية العصر الفاطمى" دراسة فى مصادرها الفنية وأشهر عناصرها الزخرفية، و"الفنون الإيرانية والتركية"، و"فى مدخل الآثار الإسلامية"..وغيرها...وقد نالت العديد من صور التكريم، ومنها حصولها مؤخراً على جائزة شباب الأثريين من اتحاد الأثريين العرب.
· نريد أن نتعرف على النشأة وعلاقتها برحلتك العلمية فيما بعد؟
- ولدت فى مدينة دسوق كفر الشيخ فى فى 12سبتمبر1963، لأسرة متوسطة كان أبى يعمل تاجراً، فى هذه المدينة التاريخية والتجارية العريقة حيث يوجد بها ضريح سيدى إبراهيم الدسوقى الذى يخيم بظلاله الروحية على المكان وعلى الأماكن الأخرى المحيطة به، ومن هذا المنطلق شغفت بالتاريخ وهذا يرجع لنشأتى بهذه المدينة التى تتعمق بجذورها فى التاريخ، كما حببنى فيه مدّرسة التاريخ فى المدرسة الثانوية، ومازلت على هذا الحب حتى التحقت بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وتحققت أمنيتى بالتحاقى بقسم التاريخ الذى كان يعج بكوكبة من أعلام التاريخ فى كل فروعه، ولكن شهرة القسم كانت فى التاريخ الإسلامى وخصوصاً التاريخ الأندلسى، ومن هؤلاء القمم: الدكتور أحمد مختار العبادى، والدكتور السيد عبدالعزيز سالم، ولكن الذى أثر فى كثيراً أستاذى الدكتور سعد زغلول عبدالحميد الذى أشرف على فى مرحلة الدكتوراه، وهو الذى أثر فى تكوين شخصيتى العلمية العلمية والإنسانية وتعلمت منه الجرأة ومواجهة المؤاتمرات ما فيها وما عليها وتعلمت الإنسانية فى كيفية احترام الطالب مهما كان هذا الطالب، وأثر أيضاً فى شخصيتى الدكتور أحمد مختار العبادى وتعلمت منه التواضع وسمو الأخلاق، وما عهدنا منه أن تلفظ بلفظ غير لائق مهما كان صعوبة الموقف. ومن خارج الجامعة تعلمت من الأستاذ الدكتور سامى عبدالحليم أستاذ الآثار الإسلامية فى جامعة القاهرة.
· تقييمك لمدرسة جامعة الإسكندرية فى دراسة التاريخ الإسلامى؟
- اشتهرت جامعة الإسكندرية ما بين جامعات الوطن العربى والعالم الإسلامى بتدريس التاريخ الأندلسى، وهذه المدرسة عريقة منذ أن أسست الجامعة ومعها كلية الآداب وقسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية وقد أسسها الدكتور أحمد فكرى الذى ألف أول كتاب عن قرطبة، وهناك مدرج باسمه فى كلية الآداب، وشاركه المستشرق الفرنسى الكبير إ.ليفى بروفنسال صاحب الشهرة العالمية فى دراسة التاريخ والحضارة الأندلسية، وله العديد من الكتب العلمية التى ترجمها أساتذة التاريخ والأدب الكبار مثل الدكتور الطاهر أحمد مكى، والدكتور السيد عبدالعزيز سالم كما حقق العديد من كتب التراث، وقد دعى لإلقاء محاضرات فى بداية تأسيس الجامعة وهى محاضرات رائعة، وهما (د.فكرى وبروفنسال) أول من أسسا هذه المدرسة، وتبعهما الجيل التالى لهما: عبدالحميد بك العبادى، وجمال الدين الشيال، وعزيز سوريال عطية، ثم أحمد مختار العبادى، والسيد عبدالعزيز سالم، وسعد زغلول عبدالحميد، ودرويش النخيلى، وسحر سالم، وحمدى عبدالمنعم، وكمال أبو مصطفى، وجيلى كمال عنانى، ومحمد الجمل، وإبراهيم سلامة ...
وقد ساهمت مدرسة التاريخ بجامعة الإسكندرية فى تأسيس اتحاد المؤرخين العرب، وتبنت فكرة إنشاء متحف للآثار فى كلية الآداب يضم التخصصات الثلاثة للآثار (المصرى، واليونانى الرومانى، والإسلامى) وأتولى أنا مسئولية تصنيف جميع التحف الخاصة بالآثار الإسلامية بالمشاركة مع البروفسير "فريدريك بودين" أستاذ الآثار الإسلامية بفرنسا، وفى سبيلنا إلى إخراج "كاتالوج" يضم هذا التراث الأثرى ثم ضمه فى هذا المتحف منذ إنشائه فى عهد الدكتور طه حسين حينما كان رئيساً لجامعة فاروق الأول (الإسكندرية). كما عملت المدرسة على توطيد الصلة بين مصر وأسبانيا ومعظم من تولى تدريس مادة التاريخ الإسلامى ابتعث إلى أسبانيا وأجبر على تعلم اللغة الأسبانية.
· مرحلة الإبتعاث إلى الأندلس؟
- كنا أول جيل بعد الأساتذة الكبار توجه إلى أسبانيا فى بعثات علمية بإشراف مشترك بين الجانب المصرى والأسبانى، كمال عنانى، ومحمد الجمل، وفيما بعد حسام العبادى، وإبراهيم سلامة.
· كيف كانت علاقتكم بالأساتذة هناك؟
- استفدنا من المستشرقين دقة منهجهم ووعيهم بالتراث العربى والعناية به ولم يبخلوا بأى مرجع، وكانوا يسدون لنا النصائح ويوجهوننا إلى الطريق القويم، وكنا نجلس بينهم لساعات تستغرق وقتاً طويلاً وهم يمتلكون ناصية البحث فى التاريخ والحضارة الأندلسية بما تركوه من مصنفات دقيقة وجليلة القدر وما حققوه من نفائس المكتبة الأندلسية، وما رأينا منهم إلا كل حب، وأما على المستوى الشخصى فقد اشتركت معهم فى العديد من الحفائر، وساعدوننى فى إعداد الدكتوراه رغم اتساع رقعة الدراسة الزمنية، وأخص بالذكر البروفسير "خيسوس نافرو" هذه الشخصية سهلت لى دراسة التحف الأندلسية عن قرب وملامستها، وهذا غير موجود فى أى دولة من دول العالم، وقدم لى صور لتحف لم تنشر من قبل، وبالفعل نشرت فى أبحاث علمية فى مصر مثل أدوات الجراحة وأدوات الرصد والمسكوكات ..
· رغم التخصص الدقيق الممل إلا أن عمل الهواة مازال هو المهيمن ما تفسيرك لذلك؟
- لا شك أن كتب هؤلاء كانت مؤسسة ولا ينكر دورهم وكانت فى طور التكوين أما الكتب العلمية المتخصصة أضاءت كثيراً من الجوانب التاريخية والأثرية فى مجال الأندلس وفاءً للمدرسة الأندلسية فى جامعة الإسكندرية التى هى نواة كل مدرسة فى الوطن العربى فى المغرب وتونس ، والخلاصة أنه عندما تذكر الإسكندرية تذكر الأندلس.
· نريد أن نعرف حالة مدرسة الاستشراق الأسبانى اليوم ؟
- المستشرقون الأسبان هم بطبيعة الحال محبون للغة العربية ولتعليم اللغة العربية فعلى سبيل المثال الدكتورة ماريا خيسوس بيجيرا تتحدث العربية بطلاقة وعندما كنت فى زيارتها فى كلية اللغة العربية بجامعة كومبلوتانسي فى مدريد أجلستنى إلى جوارها فى قاعة الدرس ورأيت الطلاب الأسبان يكتبون باللغة العربية بطلاقة ..
· الجديد الذى طرح من خلال هذا المؤتمر عن "الحضارة الإسلامية فى الأندلس"؟
- قدمت فى هذا المؤتمر العديد من الأبحاث الجديدة والمتنوعة والتى كتبها أساتذة أجلاء كل فى تخصصه الدقيق من مصر وخارجها وقد أضافت هذه الأبحاث الجديد، وقدمت بحث بعنوان "رؤية جديدة لنظم الحكم فى الأندلس فى عصر الخلافة الأموية فى ضوء التحف التطبيقية" والهدف منه هو دور التحف التطبيقية فى الحياة السياسية، والهدف الثانى استخدامها كرسوم للحكم والهدف الثالث اتخاذها كوثائق تسجيلية فيما يتعلق بنظم الحكم، وسوف يكون لى بحثاً فى قادم الأيام عن نظم الإدارة فى الأندلس والهدف الأساسى هو أن الوزراء والحجاب وأصحاب الشرطة والبريد وقادة الجيش كانوا يشاركون فى صناعة هذه التحف مثل صناعة الفسيفساء فى محراب جامع قرطبة، بالإضافة إلى إشرافهم على صناعة التحف الملكية وهذا لم يرد عنه شيئاً فى كتب المصادر.
وسوم: العدد 695