(رابطة أدباء الشام) تحاور الأستاذ الدكتور عامر أبوجبلة
(رابطة أدباء الشام) تحاور الأستاذ الدكتور عامر أبوجبلة - أستاذ التاريخ الاسلامي ..قسم التاريخ/ كلية العلوم الاجتماعية / جامعة مؤتة / الأردن
زار مصر مؤخراً المؤرخ الأردني الكبير الأستاذ الدكتور عامر أبوجبلة - أستاذ التاريخ الاسلامي والحضارة الإسلامية في قسم التاريخ/ كلية العلوم الاجتماعية بجامعة مؤتة، لحضور المؤتمر السنوي للجمعية التاريخية المصرية الذي عقد على مدار يومين في الفترة من 3مايو إلى 4 مايو 2017، وانتهزنا هذه الفرصة وأجرينا معه هذا الحوار الذي يجمع بين الخاص والعام .. بين الحديث عن نشأته وكيف كان لها الأثر على حياته العلمية فيما بعد، والدوافع التي جعلته يلج مجال التاريخ ويتخصص فيه ويضيف إليه الكثير من الكتب والأبحاث العلمية المتخصصة، وعن دور مدرسة الأردن في دراسة التاريخ الإسلامي وحضارته وآثاره وعن كتاباته في التربية والتعليم في الحضارة الإسلامية وقد جرنا الحديث للحديث عن البداية منذ كتب الدكتور أحمد شلبي كتابه التربية الإسلامية في هذا المجال ولكن مع أهمية كتابه هذا إلا أنه جاء عاما وفتح الباب لدراسات من بعده أكثر تخصصا وتعمقا في هذا المجال ومنها دراستان له هما "تاريخ التربية والتعليم في صدر الاسلام" رسالة ماجستير منشورة 1998م..و"تاريخ التربية والتعليم في اليمن في القرون الثلاثة الأولى للهجرة".. رسالة دكتوراه غير منشورة، الجامعة الأردنية، 1997م. ثم تحدثا معه عن كيفية الاستفادة من تراثنا العظيم، ثم تعرضنا لنقطة هامة في حياة الدكتور أبو جبلة وهي عمله في الإذاعة الأردنية مدة تزيد عن العشرة أعوام، ثم سرد لنا تجربته في العمل بعدد من الجامعات العربية وكيفية التنسيق علمياً بين هذه الجامعات..
وقبل أن نبدأ رحلتنا مع هذا الحوار الثري لابد من التعريف بأستاذنا الدكتور عامر أبوجبلة ..فهو من مواليد أريحا في الثالث من يوليو (تموز) 1955، حصل علي الثانوية من عمان ثم التحق بالجامعة الأردنية على البكالوريوس في التاريخ سنة 1977، ووصل دراساته العليا في الجامعة الأردنية وحصل علي دبلوم التربية سنة 1980، وعلي الماجستير1987 في رسالة بعنوان "تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام" بإشراف الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري، ثم حصل علي درجة الدكتوراه في رسالة بعنوان "تاريخ التربية والتعليم في اليمن في القرون الثلاثة الأولى للهجرة"، 1997 . وأشرف عليها الأستاذ الدكتور صالح درادكة.
عمل الدكتور عامر أبو جبلة فور تخرجه مدرساً في وزارة التربية والتعليم في الفترة من 1977 – 1984، ثم باحثاً غير متفرغ في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) 1981 – 1988، وباحثاً ثم رئيس قسم ثم مذيع في الإذاعة الموجهة، في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية 1986 – 1997، وبعد حصوله على الدكتوراه عمل أستاذاً مساعداً للتاريخ الإسلامي – قسم التاريخ – جامعة مؤتة 1997. ثم بعدد من الجامعات العربية منها سلطنة عمان حيث رأس قسم الدراسات الاجتماعية/ كلية الرستاق/2010- 2011م. وعضو الهيئة التدريسية/ قسم العلوم الاجتماعية/جامعة طيبة/ المدينة المنورة/ السعودية/ (سنة التفرغ العلمي) 2014/2015م، وقد شارك بأبحاثه وإنتاجه العلمي في العديد من المؤتمرات في عدد من الدول العربية.
أثري المكتبة بالعديد من الكتب والأبحاث في مجال تخصصه ومن هذا الإنتاج ندكر: رسالتيه للماجستير والدكتوراه، فقد طبع الأولى "تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام"، وله أيضاً الفهارس التحليلية للفكر التربوي العربي الإسلامي (مجلدان)، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)، و"الحركة العلمية في القدس في صدر الإسلام " 15هـ - 132 هـ ، منشور في مجلة حوليات آداب عين شمس ، مصر ، مارس2002، و"نظرة الرحالة العرب إلى الغرب في القرن التاسع عشر"، منشور في مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، المجلد رقم (42) 2004 / 2005، و"دخول الفرق الإسلامية إلى اليمن في القرون الثلاثة الأولى للهجرة" منشور في مجلة حوليات آداب عين شمس، مصر، المجلد 23، ابريل – يونيو 2005، و"سيرة الحاكم في الرعية: حقوق الإنسان " أبو بكر وعمر رضي الله عنهما نموذجاً " منشور ، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة بتاريخ 25/9/ 2006 و"العلماء وإسهاماتهم العلمية في مصر في القرنين الأول والثاني الهجريين" منشور مجلة آداب عين شمس، القاهرة 2010م، و"الرحلة العلمية في مصر في القرنين الأول والثاني الهجريين" منشور مجلة آداب عين شمس ، القاهرة ،2011 م. وغيرها...وإلى نص الحوار:
نريد منكم أن تحدثنا عن نشأتك وكيف كان لها الأثر على حياتك العلمية فيما بعد؟
ولدت في عام 1955م في أريحا بالضفة الغربية من المملكة الأردنية الهاشمية آنذاك، في عشيرة أبو جبلة / قبيلة الجبارات التي تم تهجيرها من جنوب فلسطين على إثر النكبة عام 1948م .. فانتقلت قبيلتنا وتوزعت في الضفة الشرقية للأردن .. ودرست الابتدائية حتى الصف الخامس الابتدائي في مدرسة الكفرين في الغور الأوسط حتى يوم 21 مارس 1968م وهو يوم معركة الكرامة الذي شهدته وكان عمري 12سنة.. وشاهدت بطولات الجندي العربي الأردني الذي استبسل في صد العدوان الاسرائيلي وتكبيده خسائر فادحة حتى طلبت اسرائيل وقف اطلاق النار .. وانتهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر فكان انعكاس ذلك إيجابيا على معنويات الجيوش العربية التي خاضت حرب أكتوبر عام 1973م ..وبعد عام 1968م انتقلنا للإقامة في منطقة زيزياء(الجيزة) /جنوب عمان في محيط بدوي ودرست في مدرسة الجيزة الثانوية حتى الأول الثانوي .. ثم انتقلت للدراسة في ثانوية حسن البرقاوي في العاصمة عمان حيث أتممت الدراسة الثانوية بتفوق في عام 1974م ثم التحقت بالجامعة الأردنية ..وتوجهت لدراسة التاريخ لأنني كنت منذ صغري كنت مهتما بما أسمعه من قصص تاريخية وحوادث مرت بنا في مجالس ودواوين القبيلة أو في محيطنا البدوي.. التي كنا نستمع إليها باهتمام وكانوا يقولون لنا "المجالس مدارس".
ثم بعد التحاقي بقسم التاريخ في الجامعة الأردنية بعمان عام 1974م تمكنت من إتمام دراسة بكالوريوس التاريخ في ثلاث سنوات تعلمنا خلالها على كوكبة من الأساتذة الكبار من أمثال الأساتذة: عبدالعزيز الدوري، عبدالكريم غرايبة ، علي محافظة ،عوض خليفات، محمد عدنان البخيت، محمد عبده حتامله، مصطفى الحياري، صالح حمارنة، صالح درادكه، محمد خريسات .. تعلمنا على هؤلاء الكبار من المؤرخين المنهج في كتابة التاريخ بمنظور موضوعي وكيفية استخدام المصادر وتعريفنا بأهميتها فضلاً عما قدمته لنا مكتبة الجامعة الأردنية من توفير كل ما يلزمنا من مصادر ووثائق في ذلك الوقت فكانت مكتبة الجامعة الأردنية هي بيتنا الثقافي الذي لم نكن نغادره إلا قليلا طيلة مراحل الدراسة للبكالوريوس الماجستير والدكتوراه ... ثم أنني كان لي اهتمام بتاريخ الحياة العلمية في التاريخ الاسلامي دون إغفال لتاريخ التربية الإسلامية ..في مرحلتي الماجستير والدكتوراه.. لإيماني بأن التاريخ السياسي في تاريخنا العربي تم إشباعه دراسات وأبحاث ورسائل جامعية ربما تصل إلى درجة التكرار الممل والتخمة .
*الدوافع التي جعلتك تتخذ التاريخ الاسلامي تخصصك الرفيع؟
كان من أهم الدوافع التي دفعتني للتخصص في التاريخ الإسلامي التأثر بأستاذي المرحوم الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري الذي كان له الفضل في تنويرنا بآفاق التاريخ الإسلامي ومصادره والبحث في مظانه ومعالجة قضاياه الصعبة والشاقة والخلافية أحيانا .. ولكنني اتجهت إلى دراسة موضوع حضاري يتعلق بالكشف عن جوانب تاريخ التعليم في صدر الاسلام .. ثم عن تاريخ التعليم في اليمن في القرون الثلاثة الأولى الهجرية .. كما بحثت في معظم أبحاثي بعد ذلك في جوانب الحياة العلمية والثقافية والرحلة في طلب العلم في القرون الأولى من الفترة الإسلامية . . ومما دفعني للمضي في ذلك أنني عملت أثناء اشتغالي في مرحلة الماجستير في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) في العاصمة عمان من 1982- 1988م على مشروع الفهارس التحليلية للفكر التربوي العربي الإسلامي من المصادر العربية وأنتجت ثلاثة مجلدات مفهرسة بهذا الخصوص، وكا ن رئيس المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية آنذاك هو المرحوم أ.د. ناصر الدين الأسد ..وبلا شك فإن البحث في مظان التاريخ الإسلامي ومصادره التراثية فيها متعة فكرية ومتنوعة ويتحصل الباحث فيها على ثروة ثقافية ولغوية وفي كل حقول المعرفة ..ولذلك فإنني أحببت أن اتخصص في جانب من جوانب التاريخ الإسلامي لأبحر في موسوعيته الفكرية الشاملة سواء في الفكر السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو العلمي والثقافي .. وعلى سبيل المثال للحصر بحثت في أحد بحوثي " سيرة الحاكم في الرعية : حقوق الانسان : أبوبكر وعمر نموذجا ".. وبحث " الحياة العلمية في القدس في صدر الاسلم 15 هـ - 132 هـ " .. "وبحث الحياة العلمية والثقافية زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز 99 - 101 هـ " .. وبحث " نظرة الرحالة العرب إلى الغرب في القرن التاسع عشر " ..
* ذكرياتك مع أساتذتك وأهم المواقف؟
امتازت العلاقة بيني وبين أساتذتي في قسم التاريخ بالجامعة الأردنية بالتقدير والاحترام طيلة فترة دراستي .. وكان أساتذتنا الأفاضل قد تميزوا بالحرص الشديد على توجيهنا ولو أحيانا أنهم كانوا قد تميزوا ببعض الحزم وشيء من الشدة ..من أجل تحصيل الأفضل فكانوا وبكل تقدير لهم قد مثلوا لنا القدوة الحسنة في معالجة قضايا التاريخ وفهمه وفهم مجرياته ..وأذكر أن أستاذنا المرحوم أ.د.عبد العزيز الدوري المتخصص في التاريخ الإسلامي وحضارته كان من أشد اساتذتنا علينا وكان لا يتساهل أبدا حتى في الأشياء البسيطة .. وكان دائما يقول: اذهبوا إلى المكتبة ..وكان يكلفنا في كل محاضرة أن نرجع إلى المصادر وننقدها فتعلمنا على يديه مناهج البحث في التاريخ الإسلامي وفلسفته، ولقد كانت لي صلة مباشرة معه لمدة 7 سنين كونه أستاذي في الماجستير، واستمرت صلتي به حتى بعد أن عملت في جامعة مؤتة إلى أن توفاه الله في 20/11/2011م ..أما أستاذنا أ.د.محمد عدنان البخيت المتخصص في التاريخ الحديث متعه الله بالصحة والعافية فقد كان من الأساتذة الكبار الذين أفادونا في دراسة التاريخ وإرشادنا إلى دراسة سجلات المحاكم الشرعية ودفاتر الطابو والوثائق العثمانية وأهميتها في الكشف عن تاريخ بلاد الشام زمن الدولة العثمانية .. أما المرحوم أستاذنا أ.د. عبدالكريم غرايبة المتخصص في التاريخ الحديث فكان يتمتع بروح الفكاهة وكان يقدم لنا التاريخ بصورة فلسفية عميقة وربط الأحداث بصورة ماتعة وشائقة ومقنعة تقوم على أساس الشواهد والبراهين وربط النتائج بالأسباب.. كانت تلك المواقف لأساتذة التزموا واعتنوا بتقديم أقصى ما لديهم من أجل إفادتنا إضافة إلى ما كان يدور من حوارات ونقاشات في داخل قاعات الدرس والسيمينارات التي كانت ثرية وغنية بالفكر والثقافة والتوجيه حول كتابة التاريخ وسبر أغواره ..
* دور مدرسة الأردن في خارطة التاريخ الإسلامي والحضارة وأهم أعلامها ؟
بدأت الدراسات التاريخية في مجال التاريخ الإسلامي وحضارته في الغالب ابتداء من عام 1969م من خلال قسم التاريخ في الجامعة الأردنية ومن روادها أستاذنا المرحوم أ.د. عبد العزيز الدوري ، الذي بحث في كتبه العديدة في تاريخ صر الاسلام والتاريخ العباسي والنظم الإسلامية والجذورالتاريخية للشعوبية وفي التاريخ الاقتصادي العربي والجذور التاريخية للأمة العربية والجذور التاريخية للقومية العربية ولقد نشر مركز دراسات الوحدة العربية انتاجه في مجال التاريخ الإسلامي وحضارته وهو متاح للجميع.. أما أستاذنا أ.د.عوض خليفات فقد تخصص في مجال المذاهب والفرق الإسلامية والغكر السياسي في التاريخ الإسلامي من الأمثلة على اهتمامه بهذا المجال كتابه " نشأة الحركة الأباضية " ، أما أستاذنا أ.د.محمد عبده حتاملة فكان اهتمامه بالتاريخ الأندلسي وألف فيه العديد من الكتب وله موسوعة في التاريخ الأندلسي ، أما أستاذنا أ.د.صالح حمارنة فقد تخصص في التاريخ العباسي وله العديد من البحوث في هذا المجال وبخاصة ضمن إصدارات مؤتمر بلاد الشام ،أما أستاذنا المرحوم أ.د.مصطفى الحياري فـكان مهتما بالقبائل العربية في التاريخ الإسلامي فمنها مثلا الإمارة الطائية كما كان له اهتمام بالخراج والاقتصاد الاسلامي وحقق كتاب الخراج وصنعة الكتابة لقدامة بن جعفر .. أما أستاذنا أ.د.صالح درادكه فكان اهتمامه باليهود في الجزيرة العربية قبل الاسلام وما بعده ، وطرق الحج الشامي في العصور الاسلامية ، ودراسات في الجغرافيا التاريخية لبلاد الشام ،والبريد وطرق المواصلات في بلاد الشام في العصر العباسي ، والاهتمام بالفتوح إذ حقق كتاب فتوح الشام للواقدي ، مما بحث في الوقفيات في محافظات شمال المملكة الأردنية وله العديد من البحوث التي لها صلة مباشرة بالتاريخ الاسلامي .. أما أستاذنا أ.د. محمد خريسات فقد ولج مواضيع مهمة في دراسة التاريخ الاسلامي وعلى رأسها العصبية القبلية ، ودور المرأة في الحياة السياسية في التاريخ الإسلامي وله العديد من البحوث في التاريخ الأموي ،.. ثم إنهم وفضلا عن بحوثهم وكتبهم ودراساتهم هؤلاء الرواد فقد أشرفوا خلال نصف قرن تقريبا على عدد كبير من الرسائل الجامعية لمرحلتي الماجستير والدكتوراه والتي أسهمت في إضاءة الكثير من جوانب التاريخ الإسلامي وحضارته وهي رسائل كثيرة من الصعب حصرها .. ثم بعد افتتاح جامعة اليرموك شمال الأردن في عام 1975م .. قام أساتذة قسم التاريخ في جامعة اليرموك بالمساهمة في دراسة جوانب كثيرة من التاريخ الاسلامي وحضارته ..وكذلك أساتذة قسم التاريخ في جامعة مؤتة منذ عام 1981م بالدور ذاته .. ثم أساتذة قسم التاريخ في جامعة آل البيت منذ بداية التسعينات من القرن الماضي بدور واضح في هذا المجال .
*كتبت عن التربية والتعليم في الحضارة الإسلامية نريد من سيادتكم تطور هذا المجال منذ كتب فيه الدكتور أحمد شلبي وحتى اليوم؟
كانت البداية منذ كتب الدكتور أحمد شلبي كتابه التربية الإسلامية في هذا المجال ولكن مع أهمية كتابه هذا إلا أنه جاء عاما وفتح الباب لدراسات من بعده أكثر تخصصا وتعمقا في هذا المجال ومنها دراستان لي هما: "تاريخ التربية والتعليم في صدر الاسلام " رسالة ماجستير منشورة 1998م .." وتاريخ التربية والتعليم في اليمن في القرون الثلاثة الأولى للهجرة ".. رسالة دكتوراه غير منشورة ، الجامعة الأردنية، 1997م وكان السبب الرئيس الذي دفعني للكتابة في تاريخ التربية والتعليم في التاريخ الاسلامي هو أنني درست دبلوما في التربية في كلية التربية بالجامعة الأردنية ولم نحظ بدراسة أي موضوع له صلة بالتربية في تاريخ أمتنا ولذلك وبما أنني درست تخصص التاريخ في البكالوريوس فتساءلت هل هناك تربية في تاريخنا وتراثنا ؟.. إذ مرت معي إشارات ونصوص ووصايا تربوية لخلفاء وأمراء وولاه في التاريخ الإسلامي منثورة بين ثنايا صفحات كتب التاريخ لم يكشف عنها حتى ذلك الوقت من الباحثين والدارسين وهي في منتهى الروعة.. ومن هنا كانت البداية ..لذلك انكببت على دراسة الفترة الأولى من التاريخ الاسلامي فكانت رسالتي الماجستير المذكورة آنفا في تاريخ التربية والتعليم في صدر الاسلام ، ثم رسالتي للدكتوراه في تاريخ التربية والتعليم في اليمن في القرون الثلاثة الأولى الهجرية .. وبالمناسبة فقد كانت الاشارات قليلة في المصادر حول التربية والحياة العلمية في القرنين الأول والثاني الهجريين .. فكانت مهمتي استقصاء المصادر التاريخية والفقهية والأدبية وكتب التراجم والحديث وكتب الجغرافيا التاريخية والبلدان والمذاهب والاديان حتى تمكنت من تأصيل هذا الموضوع والكشف عنه وعن تفاصيله الدقيقة وإيضاح هذه المسألة يشكل موضوعي ومفيد .
وهناك العديد من الكتب والرسائل في هذا المجال في معظم الجامعات العربية ومراكز البحث .. ومن الأمثلة على بعض الكتب الأهواني، "التربية في الإسلام " .. وملكة أبيض " تاريخ التربية الاسلامية في الشام والجزيرة في القرون الثلاثة الأولى للهجرة ". ومحمد بن سحنون " آداب المعلمين والمتعلمين " والكناني " تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم " والمغراوي " جامع جوامع التبيان فيما يعرض للمعلمين وآداب الصبيان " والزرنوجي " تعليم المتعلم طريق التعلم " .وخوليان ريبيرا،"التربية الاسلامية في الأندلس"... وهناك مركز دراسات الخليج للتربية والثقافة والتعليم .. قد قام بجهود واضحة في هذا الجانب .. ولكن لابد أن تفضي هذه الدراسات إلى مزج الحياة العلمية بالتربية من منظور تاريخي يرتبط بقيم وتاريخ أمتنا الحضاري .
* كيف نستفيد من تراثنا العربي؟
التراث العربي تراث عريق وثري، ويشمل كل حقول المعرفة التي كتب فيها علماؤنا في تاريخنا الإسلامي في مجالات التاريخ والأدب والتراجم والمعاجم على تنوعها وكتب الحديث والفقه والجغرافيا والطب والهندسة والفلك والرياضيات والموسيقى وعلم الكلام والفلسفة وغيرها .. ولكن تراثنا على غناه فإنه بحاجة إلى غربلة ففيه الجيد وغير الجيد ولذلك نقول إن (النص في التراث متهم حتى تثبت براءته) .. فلا بد من التحقيق والتدقيق والتمحيص للنصوص حتى يمكن أن نستفيد من درر تراثنا العلمي والحضاري .. فلا توجد أمة من الأمم لها ما للحضارة الإسلامية من تراث في شتى المجالات ولكن هذا التراث بحاجة إلى إعادة قراءة من جديد وصياغة بما يناسب العصر والتطور وبأسلوب يمكننا من ربط الأجيال العربية بتراثها وتاريخها العريق ..نعم تقوم أقسام التاريخ والحضارة في معظم جامعاتنا العربية والاسلامية وكذلك مراكز البحوث المتخصصة على رقعة ومساحة الدول الاسلامية تقوم بدراسات عديدة وحتى مراكز الاستشراق في الشرق والغرب تقوم بدراسة الاسلام والتاريخ الاسلامي وحضارته ولكننا بحاجة إلى توحيد الجهود للاستفادة من نتائج تلك الدراسات والبحوث بما ينفع الأمة ويعين على إيجاد فلسفة تساعد على إعادة تشكيل العقل العربي والاسلامي ليأخذ دوره في صناعة الفكر والمساهمة في الحضارة الإنسانية المعاصرة ويكون مطلعا على كل مستجد يساعد في توحيد فكر هذه الأمة وجهودها في ترسيخ دعائم نهضتها ومحاربة الفكر المنحرف والتركيز على القواسم المشتركة لهذه الأمة الواحدة كي تستطيع أن تقف قويه أمام تحديات العصر ومتطلباته البينة .
* عملتم فترة في الاذاعة الاردنية مدة تزيد عن عشرة أعوام كيف ترى خطورة الإعلام في توجيه الرأي العام اليوم ؟ وهل من الممكن مستقبلا أن تنجز أبحاثا حول الإعلام في الحضارة الإسلامية؟
كلنا نعلم خطورة الإعلام بأصنافه المرئي والمسموع والمقروء ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام وتوجيهه وتشكيل العقول وتغيير المفاهيم ونشر ثقافات ربما تكون مغايرة لتراثنا الحضاري بما يعرف بالغزو الثقافي الذي نشأ عنه التغريب .. والإعلام يستطيع قلب الحقائق وجعل الحق باطلا والباطل حقا ..خصوصا وأن الإعلام تتحكم به شبكات إعلامية دولية ترعاها مصالح الدول العظمى وتوجهها ونحن نستذكر ما كان يقوله وزير خارجية هتلر اكذب.. اكذب .. اكذب ..حتى يصدق الآخر ما تقول .. وحرب الخليج الثانية كان للإعلام الغربي دور كبير في التريج لها وإقناع الناس بمبرراتها ونكتشف فيما بعد زيف تلك الدعاية .. ثم إن أمتنا في الوقت الحاضر تتعرض وكذلك لموروثها الحضاري والفكري لموجة من الاعلام الغربي المضلل لتشويه صورة الاسلام السمح المتسامح وإظهار بلداننا العربية والاسلامية بأنها مصدر للإرهاب هذا الإعلام ذاته الذي يصور العلاقة بين الشرق العربي والاسلامي بأنه في صدام مع الحضارة الغربية كما صوره هنتنغتون في كتابه " صدام الحضارات " .. كما أن الوجه الآخر للإعلام وخطورته يظهر في أهميته في التنمية الفكرية والاقتصادية والتنمية البشرية على تنوعها ومحاربة الإشاعة .. نحن نريد أن نواكب الحضارة المعاصرة وتقنياتها بكل تفاصيلها ولكن مع الحفاظ على جمالية لغتنا العربية وثقافتنا العربية الضاربة جذورها في التاريخ والحفاظ على القواسم المشتركة بيننا كأمة ذات تاريخ ومجد وحاضر ومستقبل واحد .
أما موضوع إنجاز أبحاث حول الإعلام في الحضارة الإسلامية فهذا موضوع بكر لا بد من الولوج فيه مع أن هناك دراسات لامست هذا الموضوع بشكل أو بآخر وهي تلك التي بحثت في السفارات والدبلوماسية في الحضارة الاسلامية فضلا عن بعض الدراسات التي عالجت موضوع الاستخبارات في تاريخ الحضارة الاسلامية .
*عملتم في أكثر من جامعة عربية كيف السبيل إلى تفعيل التعاون بين الجامعات العربية والإسلامية في مجال الدراسات التاريخية والحضارية ؟
أعمل حاليا في قسم التاريخ / كلية العلوم الاجتماعية /جامعة مؤتة / الأردن منذ 1997 م وإلى الآن وهي ثالث جامعة أردنية من حيث الإنشاء في الأردن وذلك عام 1981م، على أرض موقعة مؤتة الشهيرة عام 8هـ..وتضم جناحين مدني وعسكري ..ثم إنني عملت في سلطنة عمان من 2007-2011م .. كما عملت في جامعة طيبة / المدينة المنورة خلال العام الجامعي 2014/2015م .. نعم هناك تواصل بين أساتذة الجامعات العربية من خلال العديد من المؤتمرات مثل الندوة العالمية لتاريخ الجزيرة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض حضرت وشاركت فيها ثلاث مرات ..فضلا عن المؤتمرات الدولية التي تقام في الأزهر وجامعة القاهرة والجامعات المصرية عموما، والجمعية التاريخية المصرية ، واتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة ،وجامعات دول الخليج وجامعات دول المغرب العربي .. ولكن هذا غير كاف فلا بد من تفعيل التعاون بين الجامعات العربية والإسلامية في مجال الدراسات التاريخية والحضارية في وضع قاعدة بيانات موحدة وموقع موحد للمؤتمرات وعناوين الدراسات المنجزة أو المسجلة حتى لا يكون هناك تكرار لجهود الباحثين .. كما نوصي بضرورة التعاون في مجال مناقشات الرسائل الجامعية أن يكون مشاركا فيها أساتذة من خارج القطر أو الدولة لمزيد من التعاون وتبادل الخبرات والزيارات بين أعضاء هيئات التدريس في أقسام التاريخ والحضارة في الجامعات العربية ..ولكن من الواضح أن كل جامعة تعمل لوحدها وكأنها جزيرة لوحدها .. ولذلك لا بد من عمل منظم حتى تكون الفائدة أعم وأشمل وأكثر تخصصا ونفعا..
*ما الجديد الذي قدمته في مؤتمر الجمعية التاريخية للدراسات المصرية هذا العام؟
كان مؤتمر الجمعية المصرية للدراسات التاريخية مؤتمرا متميزا إذ أنه بحث في موضوع يعتبر عند عامة المؤرخين بأنه من أهم الموضوعات ذات الصلة بالتاريخ وهو (التدوين والنقد التاريخي حتى القرن التاسع عشر) ولذلك فإن البحوث التي قدمت في أعمال هذا المؤتمر كانت إضافة نوعية في مجال التدوين والنقد التاريخي فألقت الضوء على تاريخنا وتراثنا في الماضي والحاضر تدوينا ونقدا وبأسلوب علمي رصين ..وبهذه المناسبة أشكر الجمعية المصرية للدراسات التاريخية وعلى رأسها أ.د.أيمن فؤاد سيد لاتاحتها الفرصة لي للمشاركة في هذا المؤتمر المعتبر ..فكانت مناسبة وفرصة ثمينهة أن نلتقي بكبار مؤرخي مصر الأفاضل .. متمنيا للجميع كل التوفيق..
وكانت مشاركتي في المؤتمر العلمي السابع عشر للجمعية المصرية للدراسات التاريخية والذي انعقد بتاريخ 3-4 مايو 2017 م ببحث عنوانه " النقد التاريخي عند جلال الدين السيوطي ت911هـ/ 1505م " وتأتي أهمية دراسة هذا المضوع للكشف عن نظرية أوفكرة النقد التاريخي عند جلال الدين السيوطي وآرائه وتوجيهاته بهذا الشأن .. ولقد تتبعنا كل ذلك في مؤلفات جلال الدين السيوطي حيث ظهر لنا أهمية فكره في هذا المجال فلقد وضح لنا الفرق بين رواية الحديث وبين الرواية التاريخية ووضع لنا شروطا للمؤرخ تقوم على اسس من الصدق والحيادية وتدقيق وتمحيص النصوص واأمانة النقل ..كما أوضح جلال الدين السيوطي منهجه في الكتابة التاريخية وفي مجال التصنيف والتأليف والتزامه بالأسس التي وضعها في مجال التدقيق والتحقبق للنصوص .. ثم إن جلال الدين السيوطي كان قد حذر وحمل على الذين يسرقون جهود غيرهم وينسبونه لأنفسهم ..كما حمل على القصاص الذين يروون الأكاذيب والقصص الكاذبة وإدخال الإسرائيليات والمبالغات في رواياتهم متهما القصاص بتزوير التاريخ وتحريفه .. كما أوضح جلال الدين السيوطي الفرق بين الاجتهاد والكذب فبقول إن الاجتهاد لا يدخله الكذب وإنما يدخله الخطأ ..ويشير جلال الدين السيوطي إلى مسأله في غاية الأهميه وهي مسألة ارتباط " التصحيف " بخروج النص عن معناه ودلالته ولذلك يؤكد على ضرورة أن يدقق العالم أو المؤلف ما يكتبه ليكون خاليا من التصحيف لأن التصيف من شأنه أن يؤدي إلى خلل في المعاني والدلالات حتى لا يحدث التحريف الفظيع .. كما اشتملت آراء جلال الدين السيوطي على توجيهات مهمة تتصل بشخصية المؤرخ أو العالم ومنها عدم الكبر ولزوم التواضع وسعة الاطلاع والاحاطة بكل جوانب الموضوع الذي يبحث فيه العالم أو المصنف .. ومن أهم اللفتات التي أشار إليها جلال الدي السيوطي هي دعوته للعلماء وطلبة العلم في أن يبحثوا في موضوعات جديدة وغير مكررة .. هذه إضاءات تم استخلاصها من كتابات جلال الدين السيوطي في موضوع النقد التاريخي .
وسوم: العدد 733