حَوْلَ شَرْعَنة التدخل التركي في عفرين

الجدلُ ذاتُه يُثار حول التدخل التركي في عفرين هذه الأيام، على غرار ما كان من تدخله في العمق العراقي، و وجوده معسكر بعشيقة، في شهر 12/ 2015.

غيرَ أنَّ اللافت للنظر في كلتا الحالتين، هو المستند القانوني الذي يضعه الجانب التركي في جيبه، و هو يتحرّك في الجغرافية العراقية، و كذا السورية.

فقد طوى العبادي الحديث عن معسكر بعشيقة التركي، عندما وُضِعت على طاولته بنود التفاهمات، بين الجانبين التركي و العراقي، حيث أوضح رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، من أنّ دخول القوات التركية جاء بالتنسيق مع بغداد في وقت سابق في عهد المالكي، لغرض دعم وتدريب قوات الحشد الوطني.

 و هي أيضًا في دخولها إلى العراق في إطار مهمة دولية، تشارك فيها عدة دول، لتدريب وتجهيز القوات العراقية في قتالها ضد داعش، حسبما أوضح رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش، في مؤتمر صحفي في: 8/ 12/ 2015.

و على أساس من مثل هذه المشروعية جاءت عملية  ( غصن الزيتون ) في منطقة عفرين، التي استندت فيها تركيا إلى ( اتفاقية أضنة ) في: ٢٠/ 10/ ١٩٩٨، التي كانت بتدخل شخصيّ من الرئيسين محمد خاتمي، و حسني مبارك، عقب توتر العلاقات التركية ـ السورية، بسبب حزب العمال الكردستاني و وجود زعيمه عبد الله أوجلان في سورية على مدى 18 عامًا، الأمر الذي عدّته تركيا تهديدًا لأمنها القومي، و اتهمت دمشق بتسهيل عملياته في أراضيها.

و نصت في بنود الملحقين ( 1، 2 ) على التعاون في مواجهة الإرهاب، و عدم منح الإرهابيين الدعم، أو الملاذ أو المساعدة المالية، وينبغي على سورية محاكمة مجرمي حزب العمال الكردستاني وتسليمهم إلى تركيا، بما في ذلك زعيمه عبد الله أوجلان.

و نصّت في  الملحق (  4  ) على أنّ أيّ إخفاق من الجانب السوريّ، في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحقَّ في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق ( 5 كم ).

و هو ما حمل تركيا على إخطار النظام كتابيًا بهذه العملية ضد وحدات الحماية الكردية، و وحدات حماية الشعب، اللتين لا تخفيان علاقتهما التنظيمية بحزب العمال الكردستاني، و تنسقان معه العمليات العسكرية في أثناء الأزمة التي تشهدها سورية، و حتى أن بعضها طال المصالح التركية.

و هو ما جعل روسيا و أمريكا تتفهمان الدوافع التركية، في التحرك نحو مناطق هذه الوحدات في منطقة عفرين، و الأمر كذلك مع إيران؛ الأمر الذي جعل روسيا و إيران توعزان إلى النظام بالامتناع عن الاستجابة لرغبة هذه الوحدات بتسليم عفرين إليه، و تركها تواجه قدرها لوحدها، و هو ما فسرّه سيبان حمو على أنه غدر بهم من روسيا و النظام، و إقفال الخط بوجههم من أمريكا، لدرجة أنّ أمريكا منعت القوات الكردية في منبج من الذهاب إلى عفرين لمقاتلة الأتراك، لأنها في ذلك تخرق معاهدة الناتو بالإضرار بإحدى دوله عن طريق دول أو جماعات معادية لها.

و هو ما حمل تركيا على الاستعانة بفصائل الجيش الحرّ، للتوغل في عمق الأراضي السورية في منطقة عفرين، لتقوم قواتها هي بتوفير الإسناد و التغطية لها جوًا و عن بعد.

و في هذا الصدد جاءت الدعوات من الإدارة الأمريكية لتركيا، بالتباحث حول إقامة ( منطقة أمنية ) بعمق ( 30 كم )، تلبّي تطلعات تركيا و هواجسها الأمنية، و هي ما تسعى تركيا إلى تطويرها لتكون  ( منطقة آمنة ) سبق أن طالبت بها، ضمن مساعيها لإحداث خرق في الملف السوري، تعيد إليها نسبًا كبيرة من اللاجئين السوريين.

 و هو ما ترحب به دول الاتحاد الأوروبي، التي تشاطر الرؤية التركية في إنشاء هذه المنطقة في شمال و غرب سورية، لإعادة أعداد كبيرة من هؤلاء اللاجئين، الذين لم يندمجوا مع مجتمعاتها، و لم يُضيفوا إلى تلك الدول قيمة مضافة يُستفاد منها.

و عليه فإنّه من المتوقع أن تسفر عملية ( غصن الزيتون ) عن تفاهمات ( تركية ـ أمريكية ـ روسية ) للشروع بهذه المنطقة في غضون الأسابيع القليلة القادمة، ولاسيما عقب نجاح ( مؤتمر سوتشي )، و هو ما سينعكس سلبًا على القوى الممسكة بالقوة في منطقتي ( عفرين، و إدلب ).  

وسوم: العدد 757