تركيا تتجاهل التحذيرات الإيرانية وتواصل عملية غصن الزيتون

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

تتصاعد وتيرة الاحتجاجات الإيرانية على عملية «غصن الزيتون» التركية في عفرين على مقياس متعدد الدرجات يوماً بعد يوم، لا شك بأن هذه العملية قد فاقمت من خشية إيران من انهيار عملية التقدم في مسار العلاقات مع أنقره الآخذة بالتطور على إيقاع الأزمة السورية، والتوتر الحاصل في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة الأميركية .

 على صعيد آخر لا بدّ من الاعتراف بما حققته طهران بات يندرج في إطار استكمال بناء مجالها الحيوي لجهة قرب الاحتفال بتدشين إنشاء الخط البري الذي يصلها بالعراق، فسوريا ، ولبنان، لتأمين إمدادات الحياة للكريدور الإيراني .  في بداية عملية «غصن الزيتون» روجت إيران في إعلامها الرسمي إلى ثلاثة مخاوف أساسية :

 الأول : أن ما تقوم به تركيا سيعرقل جهد واشنطن لبناء قوة كردية، ستُشكل تحدياً خطيراً للأمن التركي والإيراني والسوري على حد سواء.

 الثاني : مطالبة إيران لتركيا بوقف عملية «غصن الزيتون» التي لم تحظَ بقبول من جانب الحكومة السورية، إلى جانب أن هذه العملية ستقوي الجماعات «الإرهابية»، مؤكدة على لسان المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي، بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، واحترام السيادة الوطنية لسوريا، ومشددة على أنها تعتقد أن «جذور الأزمة السورية تعود إلى الممارسات غير المسؤولة والتدخلات غير الشرعية للقوات الأجنبية وخاصة التابعة للشيطان الأكبر " أميركا " وبعض الأنظمة الطامعة في المنطقة ومنها الشيطان الأصغر " إسرائيل».

 بموازاة ذلك هاجمتْ طهران المخططات الخبيثة التي تستهدف إطالة أمد الأزمة السورية ، معتبرة وجود القوات الأمريكية وحلفائها من الجماعات التكفيرية والإرهابية في سوريا يندرج خلافاً للقوانين الدولية والمصالح الوطنية للشعب السوري، وتخلص إلى أن هذه الأزمة سوف تستمر إلى أمدٍ طويل » . الثالث: الخشية الإيرانية من عودة قوات المعارضة السورية في المناطق التي سيطر الجيش السوري الحر عليها في بداية الثورة السورية، خصوصاً بعد حديث الإعلام الإيراني بكثافة عن مشاركة «فيلق الشام»، وفصائل معارضة مسلحة أخرى في عملية «غصن الزيتون».

 تحول الامتعاض والنقد إلى مستوى التهديد برد عسكري إيراني، وقد كان بادياً من خلال رفع حدة التصريحات الناقدة لعملية «غصن الزيتون»، ومما فاقم الأمور عدم استشارة تركيا لطهران في هذه العملية، ولا حتى إبلاغها بشكل مسبق، إلا بعد انطلاق العمليات هناك، إذ كانت المشاورات التركية المسبقة من حظوظ الروس والأميركيين فقط، وهذا ما جعل وسائل إعلام إيرانية محسوبة على المرشد تشن حملة شعواء ضد العملية، واعتبرتها احتلالاً وتدخلاً سافراً في شؤون دولة مستقلة، وانتهاكاً خطيراً لسيادة سوريا .  المثير أن التصريحات الإيرانية المحافظة والإصلاحية بدت متضاربة ومتناقضة في البداية، وأجمعت عن عمد الإشارة إلى إغفال أهداف الجيش التركي وحليفه الجيش السوري الحر في عملية «غصن الزيتون»، وانتهجت بعض التحليلات الصحفية إلى تصوير الأكراد في سوريا كضحية لعدوان همجي تركي يفتقد للعقل والمنطق، إلى جانب شن انتقاد واسع على شخص الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان)، ووصفه بالسلطان التركي الطامح إلى إعادة مجد الدولة العثمانية من جديد، معتبرة عملية «غصن الزيتون» بأنها قد ألحقت ضرراً بالغاً بالمصالح القومية والأمنية الإيرانية، مُبشرة بقرب عودة الإرهاب التكفيري من جديد في سوريا، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد اعتبرت طهران أن القوى الكردية في شمال سوريا باتت تقف جنباً إلى جنب مع الجيش السوري لمواجهة الإرهاب وأميركا وإسرائيل ، معتبرة أن تدمير العناصر الكردية المسلحة لا يصب في صالح الدولة السورية ، بل هو عدوان سافر عليها ، بل يخدم أهداف أميركا وإسرائيل على حد سواء ، متوعدة باحتفاظ طهران بحق الرد في الزمان والمكان المناسب على تركيا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل بدأت في الحديث عن مخطط تركي أميركي مشترك يستهدف إيران ومصالحها في سوريا .

 الرؤية الإيرانية تصل إلى نتيجة مؤداها أن العملية التركية في عفرين تخدم الخطة الأمريكية المتمثلة بإطالة أمد الأزمة السورية لجهة استنزاف قدرات النظام السوري ومنعه عن بسط سيطرته وصولاً إلى الحدود التركية شمالاً، لصالح تنفيذ سيناريو تقسيم سوريا إلى دويلات ذات طبيعية طائفية وعرقية، والأخطر هو إفشال مشروع التواصل الإيراني عبر العراق وسوريا .

 هي إذاً رسائل تحذير وجهتها إيران لتركيا عنوانها ضرورة الانسحاب من عفرين فوراً، ورفض أية إجراءات أحادية الجانب من شأنها التأسيس لمعادلة مستقبلية في هذه المنطقة، مما سيكون له ارتدادات وتبعات على الوضع السوري برمته، وعلى العلاقات الثنائية غير المستقرة بين طهران وأنقره ....

-وللحديث بقية-

وسوم: العدد 759