الإخوان المسلمون و الذكرى التسعون

احتفلت جماعة الإخوان المسلمين قبل يومين بالذكرى التسعين على تأسيسها على يد مجموعة من الشباب المسلم عام 1928 و كان على رأسهم الشاب المعلم حسن البنا و عمره لم يتجاوز آنئذ الثانية و العشرين من عمره ، و قد وضعوا نصب أعينهم التحرر من المستعمر الأجنبي ، و كانت مصر يومها تحت الاحتلال الانكليزي ، كما كان من تفكيرهم إعادة الاسلام إلى الحياة السياسية بعدما أقصي تماما  بالقضاء على الخلافة العثمانية .

و قد حققت تلك المجموعة من الشباب نجاحا منقطع النظير في الانتشار داخل مصر و خارجها في سنوات قليلة ، و كان لها دور كبير و فاعل في التحرر من الاحتلال الانكليزي في مصر ، كما كان لأخواتها في الدول العربية الأخرى دور كبير في التحرر من المستعمر الأجنبي ، و لعل من أبرز مشاركاتهم  حرب فلسطين و مقاومة الاحتلال الصهيوني ، و مازالت بطولات الشيخ عزالدين القسام يرحمه الله في قيادة الكفاح ضد الصهيونية يتردد على كل لسان .

و من الطبيعي قديما و حديثا  أن من يقارع الاستعمار لابد له من ولوج عالم السياسة ، فالسيف أو البندقية أو الثورة السلمية كلها يحتاج إلى عقل و لسان يشرح مطالبه ، و هكذا دخلت جماعة الاخوان المسلمين المعترك السياسي ككل حركات التحرر الوطني في العالم ، و ما أن أتمت العشرين من عمرها حتى دفع قائدها الإمام الشهيد حسن البنا حياته ثمنا لمواقفها المنادية بالتحرر و الاستقلال و الهوية الوطنية و تفعيل دور الشريعة الاسلامية في عالم السياسة ، و مع ذلك فقد استمرت في كفاحها حتى تم الاستقلال في ثورة  عام 1953 ، بتعاون بين الجماعة و مجموعة الضباط الأحرار ، و لكن سرعان ما انقلب العسكر على بعضهم ثم على حلفائهم و استقر الأمر لجمال عبدالناصر حاكما مطلقا لمصر، و قد ورث نظاما وضعته بريطانيا قبل رحيلها يجعل البلد كلها رهينة في يد الجيش ، و مايزال هذا النظام يحكم مصر إلى يومنا هذا ، كما هو الأمر في معظم الدول العربية التي تحررت من الاستعمار الغربي ظاهرا ، و ترك فيها قبل رحيله النظام الذي يستطيع من خلاله الاستمرار في تسيير البلاد و استنزاف خيراتها و تسيير حكامها و تطويع شعوبها ، و لم تختلف النسخة الفرنسية أو الايطالية كثيرا عن النسخة الإنكليزية ، ففي سوريا أيضا ( على سبيل المثال ) كما في مصر سيطر الجيش و ما يزال على مقاليد الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و التعليمية و الصناعية ....

أما السمة الرئيسية للحياة السياسية بعد الاستقلال عن المستعمر الأجنبي و سيطرة العسكر على مقاليد الأمور ، فقد كانت  انتقال رقاب السياسيين و الحركات التحررية و الشعوب العربية و الاسلامية ، من نير المحتل إلى قبضة الدكتاتور الطاغية ، فعلق لها المشانق و عمق غياهب المعتقلات و السجون ، فانتقلت معظم تلك الحركات و الأحزاب و الجماعات  إلى العمل السري و منها طبعا جماعة الاخوان المسلمين .

 و العمل السري يحمل ضمنا و ضرورة و بداهة فكرة العمل الفردي الدكتاتوري و التسلسل الهرمي في البناء ، فوقعت تلك الحركات و الأحزاب و الجماعات التحررية المناوئة للاستعمار و الديكتاتورية ، وقعت فريسة للعمل السري الذي حولها في الغالب إلى صورة مما تناهضه من الدكتاتورية بطريقة ما .

و مع ذلك كله فإنه لا يستطيع منصف أن ينكر نجاحات عظيمة و باهرة حققتها جماعة الإخوان المسلمين في هذه الظروف القاتلة غالبا ، في مجالات عديدة أهمها الفكر و الدعوة و التربية و الإغاثة ، فعلى صعيد الفكر نجد أن  جماعة الإخوان صاحبة فضل على العالم الاسلامي في نفض الغبار عن حقيقة أن الاسلام دين يحمل أساسيات النظام السياسي العادل بشكل ديمقراطي ( شوري ) يستوعب كل مكونات الوطن من غير إقصاء لأي منها و ذلك في جو من الحرية و التسامح الديني و السياسي و الاجتماعي ، و نهلت كثير من الجماعات الاسلامية في العالم من فكر الاخوان المسلمين  و بنت عليه ، دون أن تنتسب تنظيميا إلى الجماعة بشكل مباشر ، حتى صار السلفي و الصوفي و غيرهم يقرون أن الاسلام دين و دولة ، و إن اختلفت تفسيراتهم في مواصفات هذه الدولة و مواصفات حاكمها ، و كذلك فإنها كانت و لا تزال تحقق نجاحا باهرا على صعيد الدعوة الفردية و العامة ، و إلا فكيف ما زال هناك بقية مستمرة منهم و كل السجون مشرعة أبوابها لهم  و المشانق معلقة لقادتهم ، و مؤلفاتهم الدعوية تملأ المكتبات و شخصياتهم الدعوية تملأ الوجدان من أمثال الشيخ يوسف القرضاوي مد الله في عمره ، أو الشيخ محمد الغزالي و الدكتور مصطفى السباعي  و آخرون  قد يصعب إحصاؤهم  رحم الله من رحل منهم ، أما في المجال الإغاثي فحدث و لا حرج عن نجاحاتهم و نجاح كل التيارات الاسلامية أيضا بسبب روح الاسلام الذي ينادي بإغاثة الملهوف و مساعدة الضعيف ، و ليس بعيدا تفوق جماعة الاخوان في مصر على الحكومة و اجهزة الدولة يوم الزلزال الذي حصل عام 1992 و من يعرف مصر فإنه يعرف أن هناك جمعية خيرية و مستوصفا مجانيا في كل حي و في كل مسجد كبير و معظمها من تأسيس و إدارة و تبرعات الاخون المسلمين .

و لكن ...!!! ... و على مدى تسعين عاما من عمرها  لم تسجل جماعة الاخوان المسلمين نجاحا ذا شأن يذكر في مجال السياسة ، بل على العكس تماما  سجلت فشلا ذريعا في اختراق أي نظام قائم أو الوصول إلى إدارة دولة أو حكومة ،  و مع كل محاولة يتكرر سيناريو الاعتقالات و الاعدامات و مصادرة الأموال و الممتلكات ، و يشرد معظم الأفراد في أصقاع المعمورة ، و من بقي يدخل في سراديب السرية ، و تعود دورة جديدة  من القهر و الظلم و السجن و التشرد كل ثلاثين عاما قريبا  .

و السؤال المهم و الأخير الذي يتكرر عند كل سد تصطدم به الجماعة ، هل يجب عليها ترك العمل السياسي الذي لا تحقق فيه إلا فشلا و انكفاءا إلى نقطة البداية أو ما قبلها  ، و التفرغ لباقي الأنشطة التي حققت فيها نجاحات متتالية باهرة ؟؟، أم أنها ستعيد تكرار 

المكرر ؟؟، أم أن جيلا جديدا سيظهر يوما يستطيع إيجاد المعادلة السحرية التي تعطيه مفاتيح الاختراق ؟؟؟ .

وسوم: العدد 766