قوى الاستكبار العالمي شرقا وغربا تدعم أنظمة عربية دموية وشمولية والشعوب العربية هي الضحية
سعر حدث الاشتباه في استعمال النظام السوري السلاح الكيماوي ضد المواطنين المدنيين العزل الحرب الكلامية بين الروس ، والأمريكان وحلفائهم الأوروبيين . وقد عادت بنا هذه الحرب الكلامية إلى سنوات ما كان يسمى بالحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي . وعلى غرار ما كان سائدا إبان تلك الحرب الباردة ،يتخذ كل معسكر اليوم كما كان ذلك في السابق حلفاء في منطقة الشرق الأوسط حيث توجد بؤر التوتر المستعرة . فالروس وحرصا على مصالحهم في المنطقة العربية تدخلوا في سوريا تماما كما تدخل الأمريكان فيها دون إرادة المنظومة الدولية أو قرارات القانون الدولي . ومن أجل إدارة حرب المصالح اتخذ الروس النظام الإيراني حليفا متورطا في سوريا من أجل مصالحه المتمثلة في دعم ميلشيات حزب الله الشيعي الذي يعتبر جبهته المتقدمة في منطقة الشرق الأوسط والتي توظف لأغراض توسعية مكشوفة ، كما اتخذ الأمريكان والغربيون الدول الخليجية حلفاء وهم أيضا متورطون في سوريا يدعمون فصائل مقاتلة تحارب جيش النظام السوري ومن يدعمه من ميليشيات شيعية إيرانية وعراقية ولبنانية . ويبدو المشهد في الساحة السورية كالآتي : حرب باردة بين الروس والأمريكان وحلفائهم الأوروبيين تنوب عنها حرب ساخنة بين إيران ودول خليجية توظف كل منها عناصر أو ميليشيات تابعة لها إيديولوجيا تمولها وتسلحها . ويشترك الروس والأمريكان والأوروبيون على حد سواء في جريمة دعم وحماية أنظمة عربية دموية وشمولية . فالروس اقتضت مصالحهم حماية ودعم النظام السوري الطائفي الدموي الذي ارتكب أبشع وأشنع الجرائم ضد الشعب السوري لأنه انتفض ككل الشعوب العربية خلال ثورة ربيعه ليتخلص من نظام شمولي بوليسي مستبد استولى على السلطة أول مرة عن طريق القوة ، وصار فيما بعد وراثيا عبر مسرحيات انتخابية هزلية يكون الفوز فيها بنسبة 99 في المائة ، وهي النسبة المثيرة للسخرية في العديد من الأقطار العربية ذات النهج الشمولي . والأمريكان والأوروبيون دبروا انقلابا عسكريا على الشرعية والديمقراطية التي عرفها القطر المصري لأول مرة في تاريخه بعد فترة حكم العسكر التي ثار عليه الشعب المصري في ثورة ربيعه . وقد مولت دول خليجية الانقلاب العسكري الذي خطط له الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية . ولا يقل النظام المصري الحالي دموية عن النظام السوري، ومع ذلك يحظى بدعم ومساندة الأمريكان والأوروبيين الذين سكتوا على انقلابه على الشرعية والديمقراطية التي يدعون تمثيلها والدفاع عنها ، وهو دفاع لا يحصل إلا إذا أفرزت أنظمة لا ترعى مصالحهم . ويبدو موقف الأمريكان والأوروبيين من نظامين على مستوى واحد من الدموية النظام السوري والنظام المصري صارخ التناقض حيث يرغبون في الإطاحة بالأول ، وقد ساندوا الثاني في السيطرة على السلطة مع أنهما سيان في الدموية والاستبداد . ومعلوم أن قوى الاستكبارالعالمي سواء الروس أو الأمريكان أو الأوروبيون لا تقوم سياستهم على أساس مبادىء أخلاقية أو إنسانية أوحضارية كما يزعمون بل تقوم على أساس مصالح كما صرح بذلك الرئيس بوش أثناء غزوه العراق حين قال لا توجد لأمريكا صداقات ولا عداوات دائمة وإنما الدائم هو مصالحها . وبنفس المنطق يتعامل الروس. وحين تضاربت مصالح الروس والأمريكان في سوريا غضوا الطرف عن دموية النظام السوري بل ساهموا في إجرامه بشكل مباشر. ، وكان تدخلهم العسكري سببا في ترجيح كفته بعدما شارف على الانهيار . وعلى غرار الساحة السورية التي تدور فيها رحى حرب ضروس الخاسر الأكبر فيها هو الشعب العربي السوري البائس، تشهد الساحة اليمنية حربا ضارية الخاسر الأكبر فيها الشعب العربي اليمني . وإذا كانت الحرب في سوريا وراءها مصالح الروس و مصالح الأمريكان والأوروبيون على حد سواء ، فإن الحرب في اليمن وراءها مصالح أنظمة خليجية ومصالح النظام الإيراني . وبينما تخوض الأنظمة الخليجية الحرب اليمنية بشكل مباشر ، فإن النظام الإيراني يسخر الميلشيات التابعة له إيديولوجيا لتنوب عنه في خوض هذه الحرب ،وهو يمدها بالأسلحة والخبرة العسكرية تماما كما يفعل في الساحة السورية المشتعلة مع أنه يصرح أمام الرأي العام العالمي بأنه لا دور له في هذه الحرب القذرة التي يدفع ثمنها باهظا الشعب اليمني المسكين البائس .
وبكل تنكر وقح للقيم الأخلاقية والإنسانية تخوض جميع الأطراف الحرب القذرة في سوريا واليمن وفي ليبيا أيضا ، وتدعم قوى الاستكبار العالمية الأنظمة الدموية من خلال التلويح بالفيتو في مجلس الأمن وهو مجلس صوري فاقد المصداقية ، و لم يعد له وزن بسبب لعبة الفيتو التي تمنع سريان قراراته ضد جرائم الأنظمة الدموية ، وهو ما شجع على تجاوز الأمريكان والأوروبيين بدورهم سلطة هذا المجلس باتخاذ قرار توجيه ضربة عسكرية ضد النظام الدموي في سوريا مقابل الفيتو الروسي أو ردا عليه ، علما بأن مثل هذا القرار سبق أن اتخذ في حق النظام العراقي السابق دون استشارة المنتظم الدولي الذي يمثله مجلس الأمن . وسيان قرار الفيتو الروسي ، وقرار التهديد بالضربة العسكرية الأمريكية الأوروبية في سوريا ، وكلاهما تجاوز صارخ لقرارات مجلس الأمن . ولقد وجد الروس والأمريكان والأوروبيون الساحة المناسبة في ربوع الوطن العربي وعلى حساب الشعوب العربية لاستعراض قوتهم العسكرية ، وارتكاب أبشع الجرائم ضدها ، وتسويق الأسلحة لإزهاق الرواح البريئة، واستخدام الممنوع منها دوليا بموجب قرارات دولية ، واستنزاف لثروات ومقدرات الوطن العربي الهائلة . وتتهافت هذه القوى الظالمة من أجل الحصول على صفقات لإعادة بناء ما تدمره أسلحتها من بنى تحتية للمزيد من استنزاف للخيرات والمقدرات على حساب فقر وجهل وأمية وقهر الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، والتي تساس بالحديد والنار ، وتعاني من الاستبداد الذي ترعاه قوى الاستكبار لأنه يرعى مصالحها ويخدمها ، وليس من مصلحتها أن تصل إلى مراكز صنع القرار في الوطن العربي أنظمة تخدم مصالح الشعوب العربية التي تريدها قوى الاستكبارشعوبا فقيرة جاهلة متخلفة بالرغم من ثرواتها ومقدراتها الكبيرة . وتحت ذريعة محاربة ما يسمى الإرهاب تلتقي مصالح قوى الاستكبار ومصالح الأنظمة العربية الشمولية والدموية والفاسدة . ولقد لجأ الغرب إلى حيلة تجنيد عصابات إجرامية ترتزق بالإسلام وهو منها براء ، وترتكب الفظائع باسمه ، وهي صناعة مخابراتية مكشوفة تخوض الحرب نيابة عن قوى الاستكبار التي يتخذها ذريعة لمنع حصول تجارب ديمقراطية في الوطن العربي خصوصا تلك التي تفرز وصول أحزاب ذات مرجعية إسلامية إلى مراكز صنع القرار كما كان الشأن في مصر . ولقد صارت تلك الأحزاب في نظر الغرب وفي نظر الأنظمة العربية الدموية والشمولية في كفة واحدة مع العصابات الإجرامية التي ترتكب الفظائع باسم الإسلام، بل صارت قيادات تلك الأحزاب متهمة بالتنظير الإجرامي لتلك العصابات ، وصارت تنعت بما يسمى الإسلام السياسي المعادل للإرهاب والإجرام .
ولا شك أن وراء الخلاف المفتعل اليوم بين الروس والأمريكان والأوروبيين تخطيطا ماكرا وخبيثا من أجل خلق واقع معين في منطقة الشرق الأوسط بموجبه يحصل كل طرف على نصيبه من المصالح مع ضمان خروج الكيان الصهيوني المستنبت في قلب الوطن العربي بحصة الأسد على حساب الشعب العربي الفلسطيني خصوصا بعد هرولة ، وتهافت الأنظمة الخليجية على التطبيع معه وربط مصيرها بمصيره على حساب شعوبها وعلى حساب الأمة العربية وعلى حساب القضية الفلسطينية فيما بات يعرف بطبخة القرن وهي طبخة خيانة .
وأمام هذا الوضع الكارثي تبدو الشعوب العربية مسلوبة الإرادة لا تفكر بجد في تخطي هذا الوضع . وستندم هذه الشعوب أشد الندم على موقفها السلبي مما يحاك ويدبر لها من تآمر واضح . وستدفع الثمن باهظا بخنوعها واستسلامها وقبولها بالأمر الواقع الذي يدفع بها إلى هاوية سحيقة لا مخرج منها. ولن يحك جلدها سوى ظفرها ، ولن يغير الله ما بها حتى تغير ما بنفسها .
وسوم: العدد 768