جَوَاهِرُ التَّدَبُّر(127)
* *شمَائلُ المُتَّقين* *
* احترامُ عهود المشركين:
إن الطريق إلى تحقيق التقوى واستحقاق محبة الله، لابد أن يَمرّ عبر احترام العهود والمواثيق مع المشركين الذين يجعلون لله أنداداً، قال تعالى: {إلا الذين *عاهدتم من المشركين* ثم لم يَنقصوكم شيئاً ولم يُظاهروا عليكم أحداً فأتِمّوا إليهم عهدهم إلى مُدّتهم *إن الله يُحبّ المتقين*} [التوبة: 4]، ومن العجيب أن هذا الأمر جاء في سياق إعلان الحرب على المشركين في الجزيرة العربية، بعد أن زادت اعتداءاتهم وتكرّر نقضهم للعهود، ولنتمعّن قليلاً في فاصلة الآية: {إن الله يحب المتقين}، وهم الذين التزموا أمره هنا وتجنّبوا ما يناقضه!
* إعطاءُ المشركين حقوقهم:
لقد وصل الحال في الحضّ على إعطاء مشركي مكة حقوقهم إلى أن سمّى الله الالتزام بعهودهم استقامةً، بل وختم الآية بالتأكيد على أن الله يحب المتقين، قال تعالى: {فما *استقاموا لكم فاستقيموا لهم* *إن الله يحب المتقين*}، وما دامت التقوى هي أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، فإن فاصلة الآية تحضّ على احترام عهود المشركين وعدم خرقها إلا إن فعلوا هم ذلك !
الجدير بالذكر أن هاتين الآيتين وردتا في سورة التوبة التي يلقبها المفسرون بـ(سورة البراءة من المشركين)!!
* سلاحُ التوحُّد:
في الآية التي تأمر بمقاتلة المشركين كافة كما يقاتلون المؤمنين كافة، ختمها تعالى بالدعوة إلى معرفة أن الله مع المتقين: {وقاتلوا المشركين *كافّةً* كما يقاتلونكم *كافّة *واعلموا أن الله مع المتقين*} [التوبة: 39]؛ إذ أن استخدام الوسائل والأسلحة التي يستخدمها العدو هي من التقوى، لأنه لا يَفلّ الحديد إلا الحديد، والسلاح المقصود هنا هو الوحدة !
* معرفةُ الله بالمتقين:
في الحضّ على النُّفرة في سبيل الله إذا دعا الداعي للجهاد بالأموال والأنفس، أكّد القرآن أن أصحاب الإيمان بالله وباليوم الآخر، لا يمكن أن يتنصّلوا عن هذا الأمر، ولا يمكن أن يستأذنوا الرسول في التحلّل من القيام بهذا التكليف، قال تعالى: {لا *يستأذنك* الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم *والله عليمٌ بالمتقين*} [التوبة: 44]، ونلاحظ في فاصلة الآية كيف ربط الأمر للمرة الرابعة في ذات السورة بالتقوى!
* غلظةُ المتقين:
لا شكّ أن الأصل في المؤمن اللين والرحمة، بحيث يصبح *بنعومة الحرير*، لكنه في أوقات المعارك ضد الكفار الذين نقضوا العهود والمواثيق مع المؤمنين ولم يراعوا فيهم إلًا ولا ذمّة، ينبغي أن يكونوا *بصلابة الحديد*، ولهذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار *وليجدوا فيكم غلظة* واعلموا *أن الله مع المتقين*} [التوبة: 123]، وتصرح خاتمة الآيةبأن الله مع المتقين وهم هنا الذين يقاتلون المشركين بغلظة لا رحمة فيها، وبشدة لا هوادة معها!
ومرة خامسة هذه الآية في سورة التوبة، مما يستدعي التدبر العميق الذي يستوعب الأمور ويدرك الفروق، كمقدمة ضرورية في طريق التطبيق والتجسيد.
وسوم: العدد 768