الذكاء الاصطناعي
«فكر 16» ح3
عقدت مؤسّسة الفكر العربي في إطار فعاليات مؤتمرها "فكر16"ندوة حول "أنشطة البحث العلميّ والتطوير التكنولوجيّ والابتكار في الدول العربيّة،وإسهامها في التنمية الشاملة والمستدامة وصناعة الاستقرار" شارك فيها وزير الدولة للذكاء الاصطناعيّ في دولة الإمارات العربية المتّحدة معالي الدكتور عمر بن سلطان العلماء،ومدير معهد أبحاث الفضاء في جامعة بوسطن الأميركية الدكتور فاروق الباز،والمدير العام لأكاديميّة العالم الإسلامي للعلوم الدكتور منيف رافع الزعبي،ووكيلة جامعة عفّت السعودية للشؤون الأكاديمية الدكتورة ملك النوري،والمدير العام للبحث العلميّ في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونسية الدكتور عبد المجيد بنعمارة،وأدار الندوة الأمين العامّ للمجلس الوطنيّ للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة،وكان(الذكاء الاصطناعي)وما المقصود منه هو العنوان المثير بالنسبة لي..؟إلا أن العلماء الأجلاء غردوا بعيداً عن هذا..وأبحروا في التحدث عن رؤاهم في النهوض بحركة البحث العلمي والتكنولوجي للبلدان العربية..وحتى معالي وزير الذكاء الاصطناعي لم يتطرق إلى تجلية دلالات المصطلح وأبرز ما قاله:سنجعل الذكاء الاصطناعي مثل الكهرباء في خدمة البشرية أما كيف ..؟ فهذا الأمر ولعله لضيق الوقت لم يأخذ حقه من الاهتمام.
وبعد:فبدايةً أقول أنني أؤيد وأدعو بقوة وأرحب بكل ابتكار وإبداع علمي يعزز قدرات الإنسان ويطور مهاراته من أجل عمارة الأرض واكتشاف وتسخير مكنونات الكون لصالح صناعة وتوفير كل أسباب الحياة وقهر نوازع صناعة الموت والدمار..هذا وبدأت الأوساط العلمية تتحدث عن (الذكاء الاصطناعي) منذ بداية الخمسينات من القرن العشرين..وتبلورت بعض معاني المصطلح في عام 1955م باعتباره المدخل لصناعة آلة تحتاج إلى ذكاء إنساني متفوق للتعامل معها..واليوم تطور الأمر وأصبح التحدث عن(الذكاء الاصطناعي) يعني تطوير منتج اصطناعي ينافس الكينونة البشرية..ويعني الاهتمام والارتقاء بدماغ اصطناعي يضاهي (دماغ الإنسان) وربما يعزل الإنسان من ميادين الحياة..؟!وذهبت دولة الإمارات العربية المتحدة في اهتمامها بالدماغ الاصطناعي فأنشأت وزارة لهذا لأمر سمتها(وزارة الذكاء الاصطناعي) ودولة الإمارات هي اليوم دولة فتية رائدة في ميادين الابتكار والإبداع..وقد أشاد سمو الأمير خالد الفيصل بالإمارات والسعودية فقال:"إن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هما الأنموذجان اللذان يعطيان الأمل بأنّ الإنسان العربي بخير،والفكر بخير،والإدارة العربية بخير"إلا أن هذا المصطلح المُغري(الذكاء الاصطناعي)يحتاج التعامل معه - برأيي- إلى عناية فائقة وحذر شديد..وأنا على ثقة بأن الأخوة في الإمارات جديرون بذلك وهم أهل له- بعون الله تعالى-أجل أن نهتم بمسألة الذكاء وتطوير وسائله..وأن نعتني ونؤكد أهمية الابتكار والإبداع..من أجل التألق في تطوير وسائل ومهارات النهوض بعمارة الأرض والكون بعامة..فهذا أمر عظيم وجليل وقُدْسي..يرتقي بالإنسان إلى جلال قُدْسيَّةِ تشريفه من ربِّه سبحانه بمهمة الاستخلاف في الأرض وعمارتها..واكتشاف وتسخير مكنونات الكون لصالح قُدْسيَّةِ حياة الإنسان وكرامته وحريته ومصالحه..ولصالح قُدْسيَّةِ سلامة البيئة والعيش الآمن في أحضانها.أمّا حين ينتاب هذا الاهتمام -لا سمح الله تعالى - شيء من الغلو والتطرف تبلغ درجة الصراع مع الإنسان وتهميشه وإلغاء وتعطيل رسالته ومهمته في الحياة..! فهذا أمر مخيف ومرعب ينبغي التنبه إليه من البداية..حتى لا يتحول في غفلة منَّا إلى وسيلة نكدة لقهر الإنسان وإقصائه عن ميادين الحياة..؟؟؟بالأمس قال ماركس الحياة مادة وقَدَّسَها وقهر الإنسان وحوله إلى آلة فحسب فكان ما كان..وجاء ت ما تسمى (الحداثة) وطرحت نظريتها في تحديد النسل..وقالت محذرة:تكاثر النسل هو مصدر لاتساع مساحات الجوع واستعار التدهور الاقتصادي وأبى النَّاس قهر فطرتهم..!وجاءت الثورة الصناعيَّة المُؤدلَجةِ اليوم لتقول:دعونا ننتج إنساناً ذكياً محرراً من كل أنواع الانتماءات الجنسية والدينية والفلسفية والفكرية..ينسجم معنا ونأنس به شريكاً مطيعاً نقول فيسمع ونأمر فيفعل كل ما نريده ونطمح إليه..وسموا مولودهم الجديد(ريبورت)وصرفوا على ولادته وتأهيله وتطوير إمكاناته المليارات العديدة والميزانيات ها هي مفتوحة بين يديه..وهاهو آخذ في اقتحام ميادين المنافسة والإقصاء لدور الإنسان وتعطيل قدراته ومواهبه الذاتية..وبعد:إلى أين نحن ماضون يا قوم..؟نحن والمجتمعات البشرية نئن ونصرخ من ازدياد الوافدين البشر إلينا..ونصرف الملايين للحد من هذه الظاهرة ولتنظيم سبل حاجاتنا إليها..ولكن ماذا سنفعل مع وفود بني ريبورت الأذكياء القادمين..؟وبعد:فإني لأتمنى أن نتوجه بفكرة الذكاء الاصطناعي العظيمة إلى تطوير صناعة الأطراف البشريَّة وإعادة تأهيل فاقديها..وإلى تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة ليكونوا فاعلين بكل قدراتهم ومواهبهم في ميادين الحياة..أجل أحسب أن الأمر يحتاج إلى تأمل وتدبر عميق..لكي نبلور منهجية علمية موضوعية راشدة..تحقق التوازن الدقيق المنضبط بين رغباتنا الطموحة في التقدم والتطور والارتقاء والتحليق في آفاق الابتكار والإبداع..وبين حرصنا الأكيد على ثوابت قيمنا وعلى إقامة مجتمعات آمنة لنا ولأجيال البشريَّة جمعاء..أمَّا كيف..؟إنه التحدي الكبير والله المستعان.
وسوم: العدد 769