الأطفال المجندون والحياة بالسلاح

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

يُشكل الأطفال نسبة كبيرة من المجتمع البشري "يُعد طفلا كل من لم يبلغ سن الثامنة عشرة من عمره" ويتعرضون بحكم ظروفهم وحداثة سنهم لخطر الاستغلال أكثر من غيرهم، "ويعد الاستغلال كـل استفادة مـن هـؤلاء الأطـفـال على حساب حقوقهم الأسـاسـيـة"، ومـن بين أهم مظاهر الاستغلال حمل السلاح وتجنيدهم في المنازعات المسلحة.

 حيث أصبح حمل السلاح ومشاركة الأطفال في الحروب ظاهرة منتشرة وملفتة للنظر في أرجاء عديدة مـن العالم، إذ يتم استغلالهم مـن قبل كيانات حكومية وغير حكومية تجبرهم على المشاركة في الأعمال العدائية، بتدريبهم على القتل أو استخدامهم في نقل المعدات والأسلحة، أو تجميع المعلومات عن الخصم مقابل تلبية حاجياتهم الأساسية من ملبس ومأوى وغذاء.

 وبحسب المنظمات الدولية الإنسانية "يكون الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات مع أسرهم أو وحدهم -لأنهم يأتون من أسر فقيرة ليس بوسعها الفرار أو لأنهم انفصلوا عن أقربائهم أو لكونهم من المهمشين -مرشحين محتملين للتجنيد. وإذ يعانون الحرمان من كل حماية عائلية أو تعليم أو كل شيء من شأنه أن يعدهم لحياة الكبار، فإن صغار المجندين هؤلاء لا يكادون يتصورون حياتهم خارج إطار النزاع. ويعد الانخراط في مجموعة مسلحة وسيلة لكفالة بقائهم على قيد الحياة."

 وورد في دراسة نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة ٢٠١٠ تحت عنوان "مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة" على أنه يجري تجنيد عشرات الآلاف من الأطفال أو استخدامهم من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة فيما لا يقل عن ١٨ بلدا في جميع أنحاء العالم، حيث يتم استغلالهم للاضطلاع بمجموعة من الأدوار كحمالين، ورسل، وعمالا وجواسيس، وكشافين بشريين للألغام، كما يُستخدمون رقيقا -عبيدا-جنسيا وعمالا قسريين وحتى منفذين لعمليات انتحارية.

 لقد أدى الانتشار الواسع للأسلحة الخفيفة -سهلة الاستعمال -إلى توسيع دائـرة تسليح الأطـفـال أكـثـر مـن أي وقـت مـضـى، خـاصـة الأطـفـال دون سـن الـثـامـنـة عـشـرة، ســواء فـي الـقـوات الحكومية أو الـقـوات شـبـه العسكرية والمليشيات الـمـدنـيـة ومـجـمـوعـات متنوعة مـن الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، حيث تستخدم هـذه الأخيرة الأطفال كمعطى استراتيجي لخوض غمار الحرب، وخاصة أن الأطفال يسهل التحكم فيهم من الراشدين، فالأطفال يقومون بالقتل دون خوف ويطيعون الأوامر دون تفكير، بالإضافة إلى أن شيوع ظاهرة استخدام الأطفال في الحروب، فقد أصبح لهم دور في أعمال القتال أو في الجاسوسية أو المقاومة أو أعمال التخريب.

 إن ظاهرة الأطفال المسلحين في مناطق النزاعات المسلحة ظاهرة مدعومة من أطراف النزاع لسد النقص الحاصل في كواردها المسلحة، ومطلوبة -إلى حد ما-لدى السكان المحليين؛ لأسباب تتعلق بالاعتقادات والأيديولوجيات والاحتياجات السكانية والتعليم وضعف القوانين وغيرها، علاوة على وجود محفزات ومشجعات تعزز الاعتقاد لدى جميع السكان في تلك المناطق أن حمل السلاح جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان وحمايته من الأخطار، وهو ما يفسر السعي المحموم لدى السكان المحليين في الحصول على قطعة سلاح، لاسيما الأطفال منهم.

 وللأسف أن أول ما يخسره هؤلاء الأطفال هو طفولتهم، سواءً جندوا بالإكراه، أم انضموا إلى الجماعات المسلحة للهرب من الفقر والجوع، أم تطوعوا لدعم قضية ما بصورة نشطة، وكثيراً ما يتعرض هؤلاء الأطفال للتجنيد أو الاختطاف لضمهم إلى الجيوش، وكثيراً منهم لم يتعد عمره العاشرة، وهم يشهدون أو يشاركون في أعمال ذات مستوىً مذهل من العنف، كثيراً ما تكون موجهة ضد عائلاتهم أو مجتمعاتهم المحلية.

 ويتعرض مثل هؤلاء الأطفال لأشد أنواع الخطر وأفظع أشكال المعاناة، سواء النفسية أو البدنية. ويزيد على ذلك سهولة التأثير عليهم وتشجيعهم على ارتكاب أفعالٍ تبعث في النفس أشد الألم، فهم يعجزون في كثير من الأحيان عن فهمها. ويُتوقع من كثيرٍ من الفتيات المجندات أن يكنّ متاعاً لإشباع الرغبات الجنسية للقادة إلى جانب المشاركة في القتال.

 وفي واقع، أن يحمل الأطفال السلاح أو يتم السماح للأطفال بالمشاركة في الحروب وتعريض حياتهم للخطر، بدلاً من حمايتهم من ويلات الحروب، يعد موضوعا في غاية الخطورة، فليس هناك أمر مرعب مثل أن يحمل الأطفال سلاحا ما، سواء كان برضا منهم أو بالرغم عنهم، وأن يشاركوا في العمليات المسلحة كمقاتلين جزارين أو ضحايا، وأن يكونوا أداة للعنف وضحية له؛ فلا حمل السلاح ولا الاشتراك في النزاعات ولا ممارسة العنف هي الساحات الطبيعية للأطفال. والمجتمعات التي تنحى هذا المنحى هي مجتمعات غير مستقرة وأن مستقبلها يكون محكوما بالقوة والعنف المفرط؛ لأن لغة السلاح هي اللغة التي تحكم قادتها المستقبليين.

 ترجع المسؤولية عن حمل السلاح واستخدام الأطفال كجنود إلى جميع البالغين الذين يقبلون باشتراك الأطفال في النزاع المسلح أو يشجعونهم على ذلك. إنهم الآباء والأمهات أو غيرهم من البالغين من أفراد المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه الطفل، والقادة المحليون الذي يقبلون الأطفال داخل صفوفهم، والأقران الذين يزيّنون في أعين الأطفال "أسلوب الحياة الحرة" للجنود.

 فمع أن الحماية العامة مكفولة للأطفال من خلال الصكوك العامة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من الاشتراك في النزاعات المسلحة " يجب على أطراف النزاع اتخاذ كافة التدابير المستطاعة التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف، بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الأطفال الصغار في قواتها المسلحة. ويجب على أطراف النزاع في حالة تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً "

 ومع ما شهده المجتمع الدولي من تطورات ملحوظة على مستوى تشريع القوانين والاتفاقات التي تعزز مكانة الأطفال في المجتمع، وخاصة أحكام القانون الدولي الإنساني، ولكن يمكن القول إن القوانين الدولية والوطنية مازالت لا تحمي الأطفال على النحو الكافي؛ ولهذا لا يقتضي الأمر التفكير في صكوك قانونية جديدة بقدر ما يتطلب وضع القواعد القائمة موضع التنفيذ.

 فالحاجة قائمة إذن لتنمية الوعي العام بشأن الآثار طويلة المدى بالنسبة للأطفال أنفسهم والمجتمع الذي يعيشون داخله، كما تتعيّن الدعوة لعدم استخدام الأطفال كجنود. وخلاصة ما تقدم نورد هنا بعض المقترحات والتوصيات، وهي:

- إن الأطفال هم الأمل والمستقبل. لذلك، فإنهم جديرون بالحصول على أفضل حماية وفرص يمكن إتاحتها لهم حتى يستطيعوا النمو في جو من الأمن والأمان والسعادة، يسوده السلام الذي أصبح أمراً ضرورياً للكبار والصغار على حد سواء.

- يجب على البشرية إعطاء الأطفال أفضل ما يمكن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحياة الكريمة للأطفال لا يمكن أن تنفصل بأي حال من الأحوال عن الحياة الكريمة للكبار، وكل هذا لا يتحقق إلا عندما يسود الأمن والأمان والسلام العالم.

- إن تنفيذ أحكام القانون الدولي الإنساني التي توفر حماية خاصة للأطفال هو بمثابة مسؤولية جماعية معنوية، وتقع هذه المسؤولية على عاتق الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف التي يتعين عليها احترام قواعد القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامها.

- إن نشر حقوق الطفل وزيادة الوعي بها لدى جميع أفراد المجتمع، وعدم قصر ذلك على الدارسين والهيئات المعنية فقط. وأن يكون هناك اهتمام بتدريس القانون الدولي الإنساني في المراحل الدراسية المختلفة التي تسبق التعليم الجامعي.

- يتعين كذلك مساعدة الأطفال المسلحين على أن يندمجوا مجدداً في مجتمعاتهم الأصلية وأن يجدوا مرة أخرى بيئة عائلية واجتماعية مواتية لتطورهم ورفاههم في المستقبل.

- ونظراً لما تسببه الحروب من مآس ودمار بشري يتمثل في تزايد أعداد مشوهي الحرب والمعوقين لاسيما الأطفال منهم، كما جرى ويجري في بدان كثيرة مثل سوريا والعراق وليبيا وفلسطين وغيرها فإن الأمر يستدعي تقديم المساعدة للمجتمعات المحلية للتخلص من مخلفات الحروب، وتخفيف الآثار المترتبة عليها بوصفها أحد الأسباب الرئيسية للتعويق.

وسوم: العدد 769