قصة يرويها الشيخ علي الطنطاوي مع أحد تلاميذه

قصة يرويها الشيخ علي الطنطاوي مع أحد تلاميذه، وعن طباعة الكتب للشيخ علي آل ثاني، رحمهم الله جميعا

" لمّا نُقلتُ إلى مدرسة الميدان فأمضيت فيها مدّة قصيرة؛ وجدت في السنة الثانية ولداً صغيراً؛ اضطُررت إلى ضربه، فبكى قليلاً، ثم أرضيتُه فسكت. 

ومرّت الأيام، فإذا هذا الولد -الذي ضربتُه صغيراً، ولم يُكتَب له أن يُكمِل دراسته النظامية-: أحدُ العشرة الذين قابلتهم في حياتي من أذكى الأذكياء. اشتغل بأعمال شتّى، ثم لمّا ولي أخونا الأستاذ محمد المبارك رحمة الله عليه ابن شيخنا وزارةَ الأشغال العامّة: أدخله موظفاً صغيراً فيها، فاستطاع بقوّة شخصيته، وبكرمه وبتوزيعه ربع راتبه على مَن حوله ممّن هو أصغر منه: أن يحتلّ منزلة أعلى من منزلته الرسمية.

ومضت الأيام، وجئت أطبع كتاباً من كتبي الأولى في مطبعة دار السلام، فوجدته مديرَها، وهي مطبعة صغيرة، ولكنه يفرض احترامه على العاملين معه.

ثم مرّت الأيام فذهب إلى قطر مُعلّماً في المدارس الابتدائية، فلما انتهت مدّة التعاقد، وكان حاكم قطر الشيخُ العالِم الكبير الشيخ علي آل ثاني؛ أراد أن يمنح المعلّمين عطيّةً منه، فأبت على هذا -الذي أتكلم عنه- عِزّةُ نفسه أن يأخذ عطيّةً من أحد.

فقال الشيخ: ماذا تريد أن تعمل. لعلِّي أساعدك في عملك؟ 

قال:إني نويت أن أنقطع إلى طبع الكتب، فإن كان عندك كتاب تحبّ طبعه طبعتُه لك.

فاختار العالِمُ المعروف الذي كان له أثر في إنشاء وزارة المعارف السعودية الشيخُ ابن مانع -بمعونة الشيخ قاسم درويش فَخْرو- كتاباً من كتب الحنابلة فطبعه له.

واشترى مقداراً من النسخ المطبوعة، فكان ذلك رأسَ مال صغيراً لهذا الشابّ.

وتوالى طبع الكتب للشيخ علي بن ثاني؛ حتى نشر أكثر كتب المذهب الحنبلي، وكان يوزّعها مجاناً؛ لأن الشيخ يجعلها وقفاً لله عزّ وجلّ.

ثم صار نائباً في المجلس النيابي، وأَقبلَ على النظر في الكتب، وعلى مجالسة العلماء، وعلى اقتباس كل نافع يسمع به أو يقرؤه، وكان -كما قلتُ- من أذكى الأذكياء الذين عرفتهم في حياتي، فصار عالِماً يُرجَع إليه ويُعتمَد عليه، ورزقه الله منزلة، وصارت له مكتبة كبيرة فيها من نوادر المخطوطات وطبع من الكتب خزانة كاملة. 

هذا هو التلميذ الذي ضربتُه صغيراً، ثم صار صديقي وأخي وولدي كبيراً، وهو العالِم الفاضل الأستاذ: زهير الشاويش صاحب «المكتب الإسلامي» للنشر والتوزيع ".

------------------

الذكريات (3/ 326-327)

وسوم: العدد 770