يحكم على الناس بالإسلام والعكس لا يصح ولا يستقيم ولا يجوز
نشرت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لإحدى التونسيات ترتدي زيا إسلاميا ،وتنتقد نقدا شديدا حركة النهضة ، وتتأسف على فترة من عمرها ضيعتها في الثقة في أصحاب هذه الحركة الذين هم حسب تصريحها مجرد لصوص سرقوا كل شيء ، وتنكروا لكل من ساندهم وآزرهم يوم كانوا يعانون من اضطهاد العهد البائد . وبغض الطرف عما وراء تصريح هذه المواطن التونسية من نية لا يعلمها إلا علاّم الغيوب سبحانه، ارتأيت الخوض في موضوع الحكم على الإسلام من خلال الذين يعلنون انتماءهم إليه ، وهو أمر يتعمده بعض الذين لهم نوايا مبيتة من أهل الأهواء والإيديولوجيات المعادية للإسلام تصريحا أو تلميحا ، ويقع فيه البعض الآخر دون نوايا مبيتة حين يصدمون بمواقف أو أفعال أو تصرفات أو تصريحات تصدر عن بعض المنتسبين إلى الإسلام خصوصا ممن يعتقدون أنهم يمثلون الإسلام بشكل أو بآخر . وقد يستغل أهل الأهواء ممن يضمرون العداء للإسلام أو يظهرونه صدمة هؤلاء لتكريس فكرة الحكم على الإسلام بمن ينتسبون إليه صدقا أو ادعاء لتأكيد وترسيخ قناعتهم بفكرة لا تصح ولا تستقيم ولا تجوز .
ولقد وردت في أكثر من موضع في كتاب الله عز وجل أوصاف المنتمين حقا لهذا الدين ، كما وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صفاتهم التي بها يوزنون للجزم بأنهم حقا مسلمون أو مؤمنون . ويكفي أن نتلو على سبيل المثال لا الحصر قول الله عز وجل في سورة الأنفال : (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا )) ،فهذا نموذج من الأوصاف التي بها يوزن الإنسان ليستحق الانتماء إلى الإسلام . فوجل القلب عند ذكر الله عز وجل له دلالة على أن من يقع له ذلك لا يمكن أن يصدر عنه من التصرفات والأفعال والمواقف والأقوال ما ينكره عليه الناس مما يخالف تعاليم الإسلام. وزيادة الإيمان إذا تليت آيات الله عز وجل صفة أخرى يوزن بها إسلام المرء، لأن من كان هذا حاله دل ذلك على ملازمته لكتاب الله عز وجل ، وهي ملازمة تحول بينه وبين الوقوع فيما ينقض إسلامه قولا أو فعلا . والتوكل على الله عز وجل صفة أخرى تميز المسلم أو المؤمن الحق ، ذلك أن المتوكل على الله عز وجل ، لا يعتمد على غيره ، ومن كان هذا حاله كان مستحضرا للمعية الإلهية في كل وقت وحين، وهي معية تحول بينه وبين خرم إسلامه بما لا يرضي الله عز وجل . وإقامة الصلاة على الوجه الذي وصفه القرآن الكريم صفة أخرى يحكم بها على حقيقة إسلام الإنسان ، ومن كان مصليا بالكيفية التي ذكرها الله عز وجل، يستحيل أن يقدم على فعل أو قول لا يرضاه الله لأن صلاته تكون ناهية له . وإيتاء الزكاة صفة أخرى يوزن بها الإنسان المسلم لأن الباذل المعطي المال على حبه لا يمكن أن يحصّل هذا المال بالطرق غير المشروعة ليصرفه فيما يرضي الله عز وجل ،وهو يعلم أن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا .
ونكتفي بسرد حديث واحد مشهور على سبيل التمثيل أيضا لا الحصر وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " فهذه صفة تضاف إلى الصفات الواردة في الآية السابقة وغيرها من الآيات والأحاديث للحكم على إسلام المرء ، ذلك أن المسلم الحق لا يؤذي بلسانه ولا بيده المسلمين ، ومن كان هذا حاله لا يمكن أن يسجل عليه ما يطعن في صدق إسلامه . بهذه الصفات الواردة في الآية السابقة وغيرها من الصفات مما ذكر في كتاب الله عز وجل ، وبهذه الصفة الواردة في هذا الحديث ، و في غيره من الأحاديث النبوية الشريفة يحكم على صدق إسلام الإنسان وبها يوزن . ولا يمكن أن يحكم على الإسلام من خلال سلوك الإنسان أو تصرفاته أو أقواله أو أفعاله المخالفة لتعاليمه .
ولقد ورد أيضا في كتاب الله عز وجل وفي أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم العديد من الصفات التي تخرج الإنسان من دائرة الإسلام وهي صفات النفاق ، وبها يوزن ويعرف من لا صلة له بهذا الدين وإن ادعى كاذبا أو مخادعا الانتماء إليه ،أوتحدث باسمه.
وكل من ارتزق بالإسلام مهما كان نوع ارتزاقه ليحصل على شيء من عرض الدنيا الزائل مما قل منه أو كثر ، أو ليحصل على امتياز مهما كان أو لينال حظوة سواء علت أو سفلت ، فإنه سيحمى في نار جهنم على كل ما هو مادي اكتسبه دون استحقاق ، ويقدر له من العذاب ما يناسب كل لامادي استفاد منه، فيكوى بالمادي ويعذب باللامادي لأنه ارتزق بالإسلام واحتال وخادع وخدع به ليقضي مآربه ، ويكون نصيبه من العذاب يوم القيامة بقدر ما نال في الدنيا مما لا يحق له .
وما ورد على لسان المواطنة التونسية من كلام في حركة النهضة نسمع بمثله أو بأكثر منه في حركات إسلامية أخرى ، ويقال أيضا في أشخاص . ولئن صح ما يقال في هذه الحركات و في هؤلاء الأشخاص ، فإن الإسلام غير معني بذلك ، ولا يتحمل وزر جهة أو أحد من الذين يحسبون عليه ويخدعون الناس باسمه ، بل هو حجة عليهم لا حجة لهم . أما إذا كان ما يقال عن هذه الحركات وعن هؤلاء الأشخاص محض افتراء وزور وبهتان ، فإن الإسلام لا يضيره ذلك، ولا يضير المنتسبين إليه صدقا ،لأن الحكم عليهم لله العلي الكبير ،لا لأحد غيره مهما كان ، ولأن مكر من يريد بهم سوء عنده سبحانه وتعالى ، ومكره جل وعلا فوق مكر الماكرين ، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .
ولست أدري لماذا ستندم هذه المواطنة التونسية على ما ضيعت من عمرها في تصديق أو تأييد حركة النهضة والثقة بها إن كانت حقا هذه المرأة صادقة في انتمائها إلى الإسلام و في خدمته ابتغاء مرضاة الله وإن خدعت ، وكان عملها خالصا لوجه الله عز وجل الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا . ولئن خدعها أصحاب هذه الحركة كما تقول أو خدعوا غيرها ، فإنهم إنما خدعوا أنفسهم . أما إذا كانت مستأجرة لتقول ما ليس فيهم، فإنها ستحمل وزر ما كسبت وبئس الرفد المرفود، وبئس الورد المورود.
وسوم: العدد 771