كيف تقدمت كوريا الجنوبية حضارياً واقتصادياً ومازال العرب يراوحون مكانهم
أعزائي القراء ..
في بداية الثمانينات كنت متعاقداً مع طاقم هندسي مهمتنا متابعة التصميم والاشراف على بناء مشروع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في شمال الرياض . المشروع ضخم ومؤلف من عدة مراحل وحتى نعرف حجمه فيكفي ان نقول ان استطاعة التكييف لمراحل المشروع تبلغ ٣٢٠٠٠ طن تبريد وهو في تلك الايام يعتبر ثاني اكبر مشروع مكيف مركزيا بعد مطار دالس . في تلك الأعوام كانت امريكا تقف وراء كوريا الجنوبية بقوة لتقوية اقتصادها امام كوريا الشمالية ولكي تثبت وجودها في العالم فكانت الوسيط بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة كوريا الجنوبية لتسهيل منحها عقود بناء ضخمة ليصب في تعزيز اقتصادها ، فكان مشروع جامعة الامام محمد بن سعود احد المشاريع التي نفذها الكوريون الجنوبيون فاختصت كل شركة كورية بمرحلة من مراحل المشروع الخمسة.
لا اريد ان اظلم الكوريين فقد قاموا بالتنفيذ على افضل وجه فكانوا يتحركون في مواقع العمل كالعسكر ويطيعون الاوامر دون تعليلات تعودنا عليها من شركات بناء اخرى .
استفاد الكوريون ايضاً من اعتماد المواد من شركاتهم ومصانعهم حيث كانت المواد والانظمة الهندسية ذات أهمية وقيمة فنية وماديه كبيرة. مما اقتضى ترشيحي مع مهندسين سعوديين اثنين لمتابعة مراحل التصنيع للتأكد من الالتزام بالمواصفات وبقينا في كوريا الجنوبية لفترة اسبوعين بدعوة من الكوريين فكانت تجربة لي لأتعرف على طبيعة الكوريين عن قرب . وفِي نهاية المهمة دعتنا الشركة صاحبة الدعوى الى قضاء يوم في منطقة مياه معدنية سياحية تقع في المنطقة المجردة من السلاح بين الكوريتين ، كانت منطقة جميله تطل على مناطق جبلية خضراء تنظر أمامك فترى الفلاحين الكوريين الشماليين يعملون في حقولهم. استقبلنا مركز الاستقبال في الفندق بترحاب وأعطينا المسؤول جوازات سفرنا. وماهي الا دقائق حتى رفع العلم السعودي امام مدخل الفندق مع اعلام الزوار الاخرين . قابلني المسؤول باحترام معتذراً من انه لم يجد العلم السوري في مستودعاتهم كوني اول سوري أزور هذا الفندق ، و أمهلني بكل لطف خمس دقائق ليتم تفصيل العلم ورفعه مع اعلام الزوار الاخرين وفعلاً تم ذلك خلال فترة وجيزة.
أعزائي القراء.
تقدم الامم عملية متكاملة تبدأ بالاخلاق والصدق والامانة واللباقة وتمر عبر العلم وتنتهي بالتطبيق المتميز لتنتهي بالتسويق . هذه العملية المتكاملة يجب ان تحاط باسلوب خبير يجذب ممثلي الدول لك ولبضاعتك .
كوريا الجنوبية لم تكن في هذا المستوى المتقدم منذ ثلاثين عاماً لولا انها أخذت بمجاميع العلم والتقدم ومحاسبة المقصرين والمفسدين، فحملت رئيسة كوريا الجنوبية فراشها ولحافها واقتيدت للسجن بعد ادانتها بالفساد.
اخواني ..
كوني عربي فاني أتألم ان يبقى العرب عبارة عن مستودع مالي فقط مهمتهم صرف الفلوس معتقدين ان ناطحات السحاب وفنادق العشر نجوم في مدنهم هو مقياس التقدم .
المقياس ان تبني حاجاتك بنفسك حتى اننا نقبل بخمسين بالمائة منها بنوعية متميزة وتصدر إنتاجك بدون غش ملتزم بالمواصفات وبحرفية متميزة .
سألني سائل :
يا اخ هشام اين تكمن علتنا اذن ، هل هي بالشعوب ام بالحكام!؟ .
اجيب على هذا السؤال بالقول: عندما يكون مقياس الحاكم هو تمكين حكمه بوجود طبقة فاسده حوله الغاية منهم ان يدعموا نظامه ولا يدعموا وطنهم عندها سيتهافت التافهون للالتصاق بالحاكم ويستولون على مقادير الوطن ، اما المثقفون فيحصلوا على فتات المراكز ، او يهربون بعلمهم الى خارج وطنهم فيحصلون على مراكز تؤهلهم لاستلام مناصب يفتخرون بها ،
الشعوب مع الاسف تتحمل بعض المسؤولية فالرضوخ وانحناءة الظهر والنفاق جلبت علينا المآسي، لن نتقدم الا عند ازالة أصل المشكلة ، وفِي سوريا العلم الموجود والاخلاق في اكثرية الناس متجذرة ولكن الحاكم رأس البلاء فبدون إزالة هذا النظام من جذوره ليس هناك امل بالتقدم. فلنسعى للتغيير.
واخيراً ليس بفنادق العشر نجوم تقاس الحضارة .. المقياس ان تكون انت المصمم وانت المنفذ وفوق ذلك انت من يقوم بالصيانة .
مع تحياتي..
وسوم: العدد 774