استهداف السلف الصالح والاستنقاص من شأنهم بالاتهام والشتم واللعن دليل على الفسوق
من المعلوم أن الأساليب المعتمدة للنيل من الإسلام منذ أول لحظة جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من رب العزة جل جلاله هي استهداف كل من اعتنقه بدءا بشخص الرسول الأعظم، ومرورا بالذين آمنوا به رجالا ونساء وصبية، وانتهاء بعموم المسلمين . ولقد ظل هذا الاستهداف دأب خصوم الإسلام من مختلف الملل والنحل عبر التاريخ ، وسيظل كذلك إلى آخر الزمان، لأن هذا الدين يفضح كل اعتقاد فاسد يعود بالضررعلى أصحابه عاجلا وآجلا ، ويحط من قدر إنسانتيهم ، ومن قدر التكريم الذي خصهم به خالقهم جل جلاله .
ولقد كان خصوم هذا الدين عبر تاريخه فئتين : فئة تنال منه ومن أتباعه بشكل مباشر، وهي الفئة المكذبة به الرافضة له كدين ، وهم الكفار وغالبية أهل الكتاب من يهود ونصارى ، وفئة تنال منه بطريقة غير مباشرة عن طريق النيل من رموزه وأتباعه ، وهم المنافقون الذين يبطنون ما لا يظهرون خلاف الفئة الأولى.
وعلى غرار المستهدفين للإسلام في كل عصر ، يوجد من يستهدفه في أيامنا هذه من صنف الفئتين . وأكثر الفئتين استهدافا له الفئة الثانية المندسة بين أتباعه والمصرحة في الظاهر بالانتماء إليه، وهي تبطن عكس ما تظهر من خلال ما يصدر عنها من أقوال وأفعال ومواقف تكشف ما تخفيه من عداء لهذا الدين .
ولقد ازدادت وتيرة استهداف الإسلام بشكل ملحوظ عقب حراكات وثورات الربيع العربي التي أجهض معظمها ولمّا تؤت أكلها . والسر في ذلك أن الشعوب العربية راهنت في ربيعها على الإسلام، الشيء الذي أثار حفيظة خصومه الذين يظهرون عداوتهم له ، والذين يبطنونها على حد سواء ، فاخترعوا مقولة الإسلام السياسي، وألحقوها تهمة به لشرعنة محاربته، وذلك حينما وصلت بعض الأحزاب السياسية في بعض البلاد العربية التي رفعته شعارا أو اعتمدته كمرجعية إلى مراكز صنع القرار عبر اللعبة الديمقراطية وصناديق الاقتراع . ولقد استهدفت هذه الأحزاب لمرجعيتها وقدّت لها تهم التطرف والإرهاب . وكانت وسيلة تسويق هذه التهم هو صنع المخابرات الغربية عصابات إجرامية تمارس الإجرام والإرهاب باسم الإسلام ، لتسلك تلك الأحزاب معها بزعم التقائها معها في مرجعية واحدة . وبهذه التهمة خطط الغرب في مصر للانقلاب العسكري الدموي على الحزب ذي المرجعية الإسلامية الفائز في الانتخابات ، كما استهدفت أحزاب ذات نفس المرجعية في بلدان عربية أخرى بشكل أو بأخر على أساس أنها تمثل ما بات يسمى بالإسلام السياسي المرفوض من الغرب، ومن الأنظمة العربية السائرة في فلكه والمعتمدة سياسته ونهجه في التعامل مع الإسلام كدين ي تعتبره مهددا لوجودها ومصالحها .
وهكذا انطلقت حملة استهداف الإسلام من خلال رموزه من طرف الفئة المندسة بين أتباعه في الوطن العربي ، فصرنا نسمع باتهام الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في عدالتهم وكلهم عدول من طرف هذه الفئة الفاسقة من أجل الوصول إلى التماس العيوب لهذا الدين انطلاقا من نسبتها للعدول من أهله ، حيث اتهم من اتهم منهم بالكذب والوضع كما هو الشأن على سبيل التمثيل لا الحصر بالنسبة للصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه لأنه الأكثر رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالطعن في مصداقية روايته يريد من يستهدفونه تعطيل رصيد معتبر من السنة بغرض تعطيل الإسلام . وانتقل الاستهداف من أبي هريرة رضي الله عنه إلى الإمام البخاري رحمه الله بسبب جامعه الصحيح لأنه ينقل روايات الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه و روايات غيره من الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم أجمعين الذين يطعن فساق هذا الزمان في عدالتهم وفي روايتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويتخذ الذين يستهدفون الصحابة وأئمة الحديث ـ وهم في الحقيقة يستهدفون الإسلام مباشرة ـ أسلوب التشكيك في صحة الحديث لنسفه حتى يتسنى لهم تمرير مقولاتهم ، فهم يشككون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه " فبالتشكيك في عدالة أبي هريرة رضي الله عنه، واتهامه ـ حاشاه ـ بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقط هؤلاء المستهدفون صحابة رسول الله هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما في صحيحيهما ـ وهما محل طعن واتهام أيضا ـ لتبرير سوء الأدب مع الصحابة، والتجاسر عليهم ورفع العدالة عنهم ،ومعاملتهم معاملة سواد الناس ، وعبر ذلك يصير الطريق ممهدا للنيل من الإسلام ،واتهامه بالخلل، والعيب ،والنقص، والتأخر ، والخرافة ،والوهم والتعصب ... وما إلى ذلك من افتراء من خلال التشكيك في الذين عاصروا وعايشوا نزول الوحي، ونقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا عنه الإسلام غضا طريا .
ولقد تلقف الذين يستهدفون الصحابة اليوم ـ من أمثال فساق العلمانية وغيرهم ـ من فساق الشيعة الروافض الطعن في عدالة الصحابة ، لأن هؤلاء يقيمون عقيدتهم الفاسدة على أساس النيل من هؤلاء الصحابة الذين نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدحضها ويسفهها، فكان لا بد من النيل منهم . كما أن فساق العلمانية يقيمون علمانيتهم أيضا على أساس النيل من الصحابة الذين يسفه ما نقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمانيتهم المنكرة للإسلام والمنادية بتعطيله لتقيم سلطانها في البلاد على حسابه ، ولتتحكم وحدها في رقاب العباد ، وتعبث فسادا في البلاد ،وتهلك الحرث والنسل .
ويتلوذن مستهدفو الصحابة تلوّن الحرابي ـ جمع حرباء ـ ويلبسون مختلف الأقنعة للتمويه عن غرضهم الخسيس وهو النيل من دين الله عز وجل . وإذا كان الشيعة الروافض يجاهرون بالنيل من الصحابة طعنا، وشتما، ولعنا ،وقذفا، ولا يخفون ذلك ، فإن غيرهم من العلمانيين وأمثالهم يموهون على استهداف عدالتهم تحت شعار البحث العلمي، والدراسة الموضوعية ، ومراجعة التاريخ... وهلم جرا . وهكذا يجمع الفسوق هؤلاء العلمانيين وأضرابهم بالشيعة الروافض في استهداف عدالة الصحابة ، وإن حاولوا التنكر لذلك ،وادعاء الانتماء إلى أهل السنة والجماعة، وأنهم على مذاهبهم . وهكذا لا نجد على سبيل المثال لا الحصر فرقا بين ما يقوله الشيعي الرافضي الكويتي المدعو ياسر الحبيب في الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه ،وبين ما يقوله المدعو عدنان إبراهيم الذي يدعي أنه سني شافعي المذهب ، فمعاوية رضي الله عنه ـ وحاشاه ـ عندهما معا شارب خمر ، ومراب ، ومسمم وقاتل الحسن بن علي رضي الله عنهما ...إلى غير ذلك من التهم الملفقة التي لا يصح منها شيء عند أهل العلم والتحقيق ، وإنما هي من بهتان الروافض . ولقد سمعت العلامة الموريتاني محمد الحسن ولد الددو يتحدى عدنان إبراهيم وهو ينال من معاوية رضي الله عنه بسؤالين هما : أأنت خير أم معاوية ؟ فإن أجاب : أنا خير ،قيل له إن كبرياءك لا يختلف عن كبرياء إبليس اللعين كما جاء في الذكر الحكيم : (( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))، وإن قال هو خير مني قيل له إذن أنت أسوأ مما تقول فيه .
ولا ندري ما محل ما يقولوه فساق اليوم على اختلاف مشاربهم في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإعراب كما يقول النحاة وهم أمة قد خلت والله عز وجل يقول : (( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كان يعملون )) وقد بكّت بهذا سبحانه وتعالى اليهود والنصارى الذين كانوا يذكرون إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم أجمعين بغير ما هم أهل له ، وبهذا يبكّت أيضا الذين يستهدفون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقعون في أعراضهم ، فهم أمة قد خلت لا يسأل من يستهدفهم عما كانوا يعملون، فما الفائدة من ذكرهم بسوء إلا أن يكون ذلك فسوقا بواحا ؟
ألا يجدر بالذين يستهدفون الصحابة الكرام والأئمة الأجلاء والعلماء الفضلاء أن يشتغلوا ، ويهتموا بالأمة الي لم تخل بعد ، وهم منها وفيها، والتي سيسألون عمّا كانت تعمل خصوصا وأن فيها طغاة، ومستبدون ظالمون، وفاسدون مفسدون، يسفكون الدماء ، ويهتكون الأعراض ، ويأكلون أموال الناس بالباطل ، ويرتكبون الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ؟
ألا يعود الفساق الواقعون في أعراض السلف الصالح عن فسوقهم قبل أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر كما أخذ من كان قبلهم من أهل الفسوق، وقبل أن يردوا إلى عالم الغيب والشهادة فينبئهم بما كانوا يعملون ؟
وسوم: العدد 775