البشَرُ العقلاءُ ، جميعاً ، عُمَلاءُ ، ولكلٍّ أجرُه ، بحسب شخصهِ وعَمله !
مصطلح (عميل) : هو مصطلح تجاري ، في الأصل ، وهو مرادف ، أو مشابه ، لمصطلح زبون ! الناس عملاء (زبائن) بعضهم لبعض : الخبّاز عميل للحلاّق ، والحلاّق عميل للحّام، واللحّام عميل للحدّاد ، والحدّاد عميل للنجّار.. وهكذا ! ولا يستغني أحد ، عن العمالة لغيره؛لأن حاجات الناس كثيرة ، وكلّ منهم مختصّ ، بتلبية بعض هذه الحاجات ؛ إذ لايمكن لواحد، أن يقوم بسائر الأعمال ، التي تلبّي حاجات الناس المتنوّعة !
وقد قال أحد الشعراء :
والأصل هو، أنّ كلّ امرئ يعمل ، من أجل نفسه : يقدّم خدمته ، للآخرين ، مقابلَ مال ، أو منفعة له ! إلاّ العبد المملوك ، الذي يعمل ، دون أيّ أجر، سوى الإبقاء على حياته ، أو حماية نفسه من التعذيب ، على يدي سيّده ، فيما لو قصّر في عمله ، أو حاول الهرب من سيّده! ويسمّى ، عندها ، أبقاً ، وله عقوبات شديدة ! ذلك ، أيّام كان الاستعباد شائعاً ، ومتعارفاً عليه بين الناس ! وقد ألغيَ ، من سنين طويلة .
حتى المؤمن ، نُدبَ للتجارة ، مع ربّ العالمين ؛ إذ جاء في القرآن الكريم :
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيم * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(.
فقد سماها الله ، عزّ وجلّ ، تجارة ! وهي للعبد ، نفسه ، لا يحصل الله منها ، على أيّة منفعة، لأنه غنيّ عنها ، وعن صاحبها ، وغنيّ عن العالمين !
وقد دخل مصطلحُ (العمالة) ، من سنين عدّة ، في العمل الاستخباري ؛ فصار الجاسوس ، لدولة ما ، يسمّى (عميلاً) ! كما دخل المصطلح ، في عالم السياسة ؛ فصار بعض حكّام الدول ، عملاء ، لدول أخرى !
واكتسب مصطلح (العمالة) قيمة خلقية ، في بعض الحالات ! وذلك ؛ حين يكون حاكم دولة ما، خاضعاً ، لدولة أخرى ، تدعمه ، في تولّي السلطة ، في بلاده .. أو في المحافظة ، على سلطته من السقوط ، بأيدي خصومه ، أو شعبه ! والعميل - في هذه الحالة – إنّما هو عبدٌ، بمعنى ما؛ لأنه يقدّم خدمات ، لداعميه ، من حساب دولته ، ليقبص ، لقاء ذلك ، بقاءه في كرسيّ الحكم، كالعبد المملوك ، الذي يخدم سيّده ، ليبقيه على قيد الحياة ! فالعبد اشتراه سيّده بماله ، والحاكم اشتراه سيّده ، بدعمه ، في سرقة السلطة ، على شعبه ، من أصحاب الحقّ ، قيها !
وإذا كان العمل التجاري ، أو الخدَمي ، يكون مبادلةَ شيء بشيء : فالتاجر، أو الصانع ، إنّما يقدّم من حسابه ، ليقبض لحسابه ، والحاكم المخلص ، يقدّم من حساب دولته ، ليقبض لحسابها! أمّا الحاكم الخائن ، فيقدّم من حساب دولته ، ليقبض لحساب نفسه ، مثل : إبقائه في كرسي الحكم ، وتقديم معلومات استخبارية ، له، تدلّه على خصومه، الذين يتربّصون به، داخل بلاده !
وقد سمّت العربُ ، الخادمَ الذي يعمل لقاء طعامه ، فقط : (عُضروطاً)! ويمكن أن يقاس عليه، الحاكمُ الذي يقدّم الخدمات ، لدولة ما ، من حساب دولته ، لقاء بقائه في كرسي الحكم ؛ فيسمّى: (عضروطاً) ؛ مادام قد وضع نفسه ، في هذا الموضع .. والمرءُ حيث يضعُ نفسَه !
وسوم: العدد 779