في المعرفة والثقافة والاجتماع

مقدمة

لماذا نكتب؟ وماذا نريد؟

نحن نعيش في عالم لم يتم اكتشافه بعد، حتى الذين يزعمون أنهم يملكون مفاتيح ومحركات حركته وسيرورته فإنهم يظهرون عاجزين في أحيان كثيرة عن تفسير بعض ظواهره، أو التنبؤ ببعض الأحداث والتغيرات المجتمعية قبل وقوعها، بل وعاجزين عن الاتفاق على الحلول والمعالجات السليمة للكثير من الظواهر والحوادث..

ومع ذلك فإن ما عندنا نحن - كأمة ومجتمعات - من قدرات وأدوات تعيننا على مجرد فهم هذه الظواهر ولو بعد وقوعها، قليلة أو تكاد تكون معدومة، ناهيك عن قدرتنا على استباق أو اجتراح الحلول كما تفعل الأمم الأخرى ذات الحيوية والفعل الحضاري. ذلك أننا دخلنا كأمة في نزول حضاري منذ منتصف العصر العباسي، ولم تسعفنا الجرعة التي نلناها بظهور الدولة العثمانية في استعادة نسقنا الحضاري، وسرعان ما عدنا إلى حالة النزول الحضاري الذي قادنا إلى مرحلة الركود ثم الجمود الحضاري، في القرن الثامن عشر الميلادي، وهذا قادنا إلى مرحلة الانقطاع الحضاري بدءا من منتصف القرن التاسع عشر والتي انتهت بسقوط الدولة العثمانية بدايات القرن العشرين.

وإذا كان فلاسفة وعلماء الغرب يحذرون من أن العالم مقبل على فوضى أخلاقية وقيمية غير مسبوقة، وهم الذين لا يعانون ما نعانيه اليوم من فوضى في الأفكار والانتماءات والهويات، والاقتتال وسفك الدماء... فكيف سيكون حالنا نحن إذن؟ وكيف سنستطيع إن نحصن أنفسنا وأبناءنا وأجيالنا المستقبلية بينما نرى أن قدرتنا على المقاومة، ناهيك عن التحكم بالمدخلات والمخرجات الفكرية والاجتماعية تضعف عندنا شيئا فشيئا، وبات غيرنا هو الذي يشكل أخلاق وفكر وثقافة وسلوكيات أبنائنا من خلال امتلاكه للوسائل والأدوات والنتاج الفكري السريع والدائم التجدد؟! خصوصا ونحن - عدا استثناءات قليلة - لا زلنا ندور في حرم الأفكار والرؤى والاجتهادات التي ظهرت لأزمنة ربما لا تلتقي مع زماننا إلا بمساحات قليلة وإن كنا امتدادا لها على أصعدة الثوابت والقيم والأنساب.

لذلك علينا أولا أن نعرف زماننا، كيف تشكل؟ وعلى أي فلسفات ونظريات قام؟ وما مدى عمق جذور الجبل الذي نرى الحوادث والظواهر على الجزء الصغير الظاهر منه؟

إننا إن اكتفينا برؤية الحوادث والظواهر فلن نهتدي يوما الى وضع رؤيتنا الخاصة ولا حتى معالجاتنا الجذرية، وما لم نعط وقتا أكثر لفهم الأسباب والدوافع التي رسمت مشهد عالمنا الحديث والمعاصر على حساب الوقت الذي نعطيه لمناقشة الأحداث والظواهر فستتوالى إخفاقاتنا، مع عدم إغفالنا لحالة العبثية والهروب من المسؤولية واللاأبالية التي يعيشها بعض أبناء الأمة اليوم في كل مستوياتها، بل قد نخفق حتى في معالجاتنا البسيطة.

للغوص في عالم الأسباب والدوافع فإن علينا تفكيك المشهد وفهم خيوطه كلا على حدة ثم إعادة النظر إليه كنسيج متكامل، حيث يراد له اليوم أن يكون ثوبا يتلبس به الجميع عن رضا وقناعة أو عن غصب واضطرار، بلا مراعاة لمتغيرات الأحجام والألوان والبيئات المختلفة. هذا يحتم علينا قراءة الفلسفات والأفكار والنظريات الأكثر تأثيرا في عالم اليوم قراءة متأنية وعميقة، لأن كل محاولاتنا ومعالجاتنا قبل فهمها ستكون عبثية - غالبا - أو ترقيعية في أحسن الأحوال، أو معالجات لآثار الأمراض وليس إلى أصولها، وما سيسببه ذلك من خسارة في الوقت والجهد والموارد والفرص، والمستقبل عموما.

والله من وراء القصد.

#المعرفة_الثقافة_الاجتماع

وسوم: العدد 780