وسائل الانفصال الاجتماعي

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية 

 إن الصورة لهي تعبير عن حالة من الانفصال بين كل أفراد المجتمع الصغير والكبير داخل البيت الواحد والأسرة الواحدة، وكذلك الانفصال عن باقي المجتمع ككل، فكل من في الصورة يهرب إلى عالم لا مسؤولية فيه يتحدّث من خلف الستار حيث لا مراجعات ولا حدود للكلام ولا قيود تحكم تصرفاته ما بين علاقات مشروعة ومشاهد مباحة وغير مباحة وعبارات خارجة أو مزيفة، عالم غير محدود يستقي منه معلوماته ويبني فيه علاقاته ويتمنى فيه أحلامه ويفرغ فيه شحناته وغرائزه ويعبر فيه عن أفكاره وغاياته ومقاصده، انتهى دور الوالد القدوة فلا قدوة ولا التزامات ولا مسؤوليات بل ويتوفر لديه كل ما يريد من المعلومات الآنية اللحظية على مستوى العالم وكذلك عنده المصادر لكل المعلومات والمفردات وكأنه عفريت المصباح ما عليك إلا أن تخبره بما تريد ويحققه لك، ومن منا لا يريد ذلك في حياته وما يجده منتقص في حياته اليومية يتوفر لديه في هذه الشاشة الصغيرة التي تشكل كل حياته وعالمه الذي يهرب إليه.

 وكذلك بالنسبة للأنثى فهو يحقق لها كل ما تتمناه وكل ما تحتاجه وفق آخر الصيحات والتحديثات في اللحظة ذاتها وبضغطة ذر واحدة تستطيع أن تطلب ما تريد وعلى شركات التوصيل تولي باقي المهمة...

 غير أنّ الفتاة المسكينة سرعان ما تجد نفسها محاطة بكل أنواع الذئاب والمغرضين، وما أن يعرفوا أن الجنس أنثى حتى يأتي كل صاحب مرض أو مطمع ويداعب المشاعر بالكلمات والتعبيرات غير المناسبة باسم الدين تارة، وباسم العلم تارة أخرى، وما أكثر مداخل الإقناع وهي ما بين الاستجابة للأغراء واللعب بالمشاعر فتتقلّب بشكل مستمر، فهي تحاكي وتتحاكي وتباهي وتتباهي أو أنها ودون أن تقصد تظهر صورة البيت الداخلية على المشاع لتصبح متاحة للجميع ولمن أراد أن يعرف ماذا نأكل؟ وكيف نطبخ؟ وكيف نعيش؟ بل قد يعرف الحالة النفسية والاجتماعية التي تسود البيت.

 ونأتي هنا للأولاد الذين يعيشون ما بين الإفراط والتفريط في التربية والاهتمام والرعاية، والانشغال عنهم، أو انشغالهم بالألعاب والبرامج التي هي أيضا تخطط وتبرمج عقلياتهم وتساهم بصورة كبيرة في تشكيل شخصياتهم المستقبلية. فيهربون إلى عالم خفي طيب في ظاهره مرعب في باطنه؛ تتولى إدارته مؤسسات عالمية تستفيد من كل هذه المعلومات لتحدد الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية وحالتهم النفسية، وبناء عليها تحدد نوع السلوكيات التسويقية والاجتماعية والفكرية والسياسية وتقوم بتحديد المجموعات وفق هذه التقسيمات المحددة، ثم تقوم وفق هذه التقسيمات بالتغذية المستدامة وفي صور خفية مبسّطة تسمى بالرسائل الضمنية، وتبعث لكل فئة نفسية وفق هذه التقسيمات ما يناسبها من رسائل وبرامج.

 فهي تحدد لهذه الشرائح المجتمعية شخصيتها ومتطلباتها واحتياجاتها، وتفتح قنوات أخرى وشبكات خفية كبرى تجسسيه على هذه المجتمعات؛ لتقوم بتجميعها وتخزينها وتحليلها وتشفيرها والخروج بالتقارير للجهات المخابراتية العالمية ذات الاهتمام.

 فهذه الأجهزة الذكية تخدمهم أكثر من الجواسيس والعملاء أصحاب الطريقة التقليدية القديمة فقد أصبحت مهمتهم ثانوية هذه الأيام، حيث يوجد جاسوس في جيب كل مواطن، وداخل كل أسرة وفي كل منطقة وكل مدينة وكل دولة فما حاجتهم بعد ذلك للعملاء والجواسيس؟!

 إنه الخطر الأعظم الذي يغفل عنه مستخدمي هذه الاجهزة وهذه البرامج المجانية، وبقصد أو بغير قصد تضعها المؤسسات المشبوهة في متناول الجماهير والجماعات وكافة الفئات؛ لتتيح الفرصة للقراصنة في السطو على عقول وإرادة ووعي ولا وعي الجماهير؛ وهذا ما يفسر السلوكيات الأخيرة للتغيرات التي طرأت على الشعوب حيث أن هذه البرامج والتي تتوفر مجانًا في الميديا بكل أنواعها بدأ من التليفزيون والسينما، والآن بين يدي كل فرد في الأسرة قادر على حمل الجهاز وفتحه فقط وهم يتولون بعد ذلك إدارة المشهد داخل الدماغ وداخل الدول والمجتمعات.

 فلابد لهذه الأمة من وعي مضاد لما يحاك لها من مؤامرات، عليه يجب أن تقدمّ البرامج التي تقوم على صناعة الوعي بدءا من كشف هذه الألاعيب وانتهاء ببناء برامج خاصة بها، لها أهدافها واغراضها التي تحقّق الرقيّ الفكري المطلوب. ومن ثمّ العودة بهذه الأمة إلى رشدها وحمل رايتها وتولي قيادتها من جديد ولعلنا في قادمات الأيام نكون قد امتلكنا أزمة الإعلام والإعلان وما ذلك على الله بعزيز.

وسوم: العدد 781