رؤية سياسية، العمل السياسي بين نظريتين
يتوهم كثيرون تدفع بهم ظروف معينة إلى العمل في الشأن العام وشغل مواقع وصفات متقدمة انهم جديرون بالعمل السياسي وأهل لقيادته .
ويستوجب الحدث الذي جرى في مدينة الباب السورية يوم 17 / 7 ومستوى الوعي السياسي الشعبي في تعبيره ضد موقف هيئة التفاوض والائتلاف من اللجنة الدستورية التي تعني من وجهة نظرهم الخنوع للمحتلين وشرعنة للمجرمين وإهانة لدماء الشهداء ؛ تسليط الضوء على رؤيتين سياسيتين ظهرتا وفريقاهما بوضوح صارخ :
- رؤية كانت تطل برأسها رويدا رويدا منذ بداية الثورة السورية حتى تمكنت في الرياض 2 ، وهي تغلب الخارجي على الداخلي من حيث الأهمية ، وتؤمن بالحالي دون المستقبلي ، وتضعف أمام القوة العسكرية وجبروتها متناسية الارادة الشعبية وقوتها .
ونطقت الألسنة وانطلقت الأقلام مضطرة في دعم هذه الرؤية ومساندة أصحابها ، مرة بدعوى ضرورة الالتفاف حول القيادة حفاظا على رموزنا وصورتنا أمام الدول ، وأخرى بدعوى الرقي اللفظي والاختباء تحت عباءته ، وثالثة بدعوى الوطنية والتاريخ الحافل .
وهي رؤية موجودة ومدعومة ومبررة عند اهلها مهما اشتد الظلم واتسع الاجرام وتغيرت الأزمان واختلفت الأماكن .
- ورؤية أخرى ترفض الخنوع وتابى الاستسلام ، ولا تؤمن بالتنازلات ولا تهادن بالقضايا المصيرية ، والواقع مهما كان قاسيا أو مازوما أو مسدودا فإن القبول به كما هو ليس حلا ، ويجب البحث عن مخرج سوى الرضوخ .
وأصحاب هذه الرؤية يرون كل التبريرات التي يسوقها أصحاب الرؤية السابقة وداعموها تتناقض مع المواقف الثابتة وتهدر الكرامة وتفرط بالتضحيات .
وقصة الرقي اللفظي والتمسك بالوطنية هي مجرد أقنعة للرضوخ والانهزامية والانتهازية وتسول المواقع ونهم السلطة .
ويقع هؤلاء بخطأ كبير على شاكلة المستبدين في المنطقة من حيث ان العلاقة مع الإقليمي او الدولي بعيدا عن الشعب وطموحاته كفيلة لهم بقيادة مجتمعاتهم .
ومناسب جدا تذكيرهم بحدث مفصلي وليس ببعيد يلخص بكلمات ويشرح بمجلدات ، وهو أن ايدن رئيس وزراء بريطانيا انهى عهد الإمبراطورية حينما اعتمد على الولايات المتحدة الأميركية في الرد على الإنذار السوفيتي ، وفي آخر يوم له ولامبراطوريته هاتف الرئيس الأميركي ايزنهاور 16 مرة وكان يحصد في كل مكالمة خيبة أمل تفوق سابقتها .
ربما تكون الثورة السورية قد خسرت جولة في مسيرتها التغييرية الكبرى ، لكنها ربحت في كثير من الملفات المحلية والإقليمية والدولية ، ولم تهزم .
وربما يكون الأميركي والروسي وادواتهما الإقليمية قد ربحوا جولة على الشعب في تأخير الانتقال السياسي عنه ، لكنهم خسروا الكثير من هيبتهم وسطوتهم واقتصادهم وقيمهم المدعاة ، ولم ينتصروا لأن الشعب السوري يتوعدهم بمزيد من الخسائر .
فليحكم كل منا اي الفريقين أحق أن يتبع
وليختر كل منا اي الرؤيتين سيتبنى .
وسوم: العدد 782