لسنا شعوبا عنصرية ولا طائفية ..بل نحن الأكثر تسامحا، ولكن الهرم لا يستقر على رأسه

تنويه 

ليس من أهداف هذا المقال إدانة الأقليات السورية بكل خلفياته . وليس من أهدافها تحميلها مسئولية ما يجري . واللعبة القذرة في قلب الهرم السوري على رأسه يشترك فيها كل الأشرار والانتهازيين من الأكثرية والأقليات على السواء . إيماننا الأساس بالمجتمع المدني الموحد الذي يستقر على قاعدته العامة كما في كل بلاد خلق الله . وبعد..

تطلق كل الجبهات على حضارتنا ، وعلى شعوبها ؛ أنواعا من الاتهامات الظالمة الزائفة الباطلة . الأعجب ، في الأمر ،  أن يشارك في هذه الحملات الهادفة المنظمة  بعض بني قومنا بدوافع وخلفيات مختلفة ، أغربها وأعجبها خلفية التلذذ ( بجلد الذات ) ، التي يستعر أوراها بشكل أكبر في زمن الانكسارات .

ومن أكثر التهم انتشارا ورواجا التي تلصق بحضارتنا وبشعوبها ، تهمة التعصب والانغلاق على الخلفيات العنصرية والدينية والمذهبية والعشائرية أيضا . وتهمة رفض العيش المشترك والتعددية ونبذ الآخر ؛ ومن غير نكران لجزء من الحقيقة التاريخية التي لا يمكن  لمنصف أن يتجاوزها ؛ نؤكد أن القول الفصل فيما نحن فيه إنما يرجع إلى الدراسات الحضارية المقارنة  المؤسسة على غير طريقة البرامج الإعلامية القائمة على الهذر والادعاء .

إن شهادة الواقع التاريخي الحضاري والديني والسياسي والاجتماعي بكل أبعاده لهي الفيصل الحقيقي في إثبات الحقائق ، وتفنيد الادعاءات .

وفي ظل شهادة الواقع القائمة على الحقائق يتأكد أن شريعتنا ودولتها ، في مجاليها المختلفة ، وكذا مجتمعاتنا كانت الأكثر قبولا بالتعددية والانفتاح على الآخر بكل خلفياته .. من كل ما عرف التاريخ  في ظل الحضارات والمجتمعات ..

لندرس ونتعلم ونقارن الزمان بالزمان ، والدولة بنظيرتها ، والتاريخ بالتاريخ .

كل الحروب الدينية في الغرب الأوربي في قرونه الأخيرة لمن لا يعلم ،  كانت مسيحية – مسيحية. 

جيوش الفرنجة الذين نعتوا أنفسهم بالصليببن ، وحملوا الصليب على صدورهم ، يوم دخلوا القدس ، خاضت خيولهم في دماء أهلها إلى الركب هذه شهادتهم ؛ ولكن عندما استعادها صلاح الدين أطلق لأفرادهم خيار البقاء أو الخروج مع ما يملكون من أموال ..!!

هذه مقارنة حال بحال ، ومنهج بمنهج ، وسياسة بسياسة ، ودين قوم أو فهمهم لدينهم بدين آخرين ..

الملوك الاسبان الذين انتصروا على المحتلين ( العرب والمسلمين ) لم يطيقوا بقاء أقليات دينية لا يهودية ولا إسلامية بين جنبيهم وكان الاستئصال وكانت محاكم التفتيش ..

لن نفيض في ذكر الأمثلة ، وإنه لموضوع مهم أن تدرس الوقائع برؤية تاريخية مقارنة ، كيف كان الحال في الشام في القرنين السابع و الثامن للميلاد في عصر بني أمية وكيف كان الحال في نظائرها من البلدان ..

يقول المؤرخون : وظلت النواقيس تقرع في دمشق ليلا حتى أرقت معاوية ومنعته من النوم ، ولا يفعل حيالها شيئا . وظل المسلمون يصلون في ناحية الكنيسة الأم حتى اشتراها الوليد بن عبد الملك وحولها إلى مسجد بني أمية الكبير ..

ويبقى السؤال المهم في السياق : ما سبب اشتداد حالة السعار الطائفي والعرقي المتأجج بين الناس اليوم ؟! هذا السعار الذي يلقي بظلاله على المواقف والسياسات وألوان الخطاب ، حتى أصبح المتعالي عليه هو الملام ، وهو المنكر عليه ، وهم المتحمل لكل أسباب ما تعانيه الأمة من ذلة وهوان ؟!

نعم إن وراء الأكمة ما وراءها ، ولندرك ما ومن وراء هذه الأكمة  ، نحب أن ننوه أن من يذكون نار هذا السعار هم أكثر الناس تظاهرا في التبري منه وإنكاره ، والتشنيع عليه ..

ولو كشفنا ما وراء الأكمة لرأينا دولا ووزارت دفاع وأجهزة مخابرات ومؤسسات عابرة للقارات كلها تعمل وفق مناهج وبرامج ومخططات لتغذية هذا السعار ، ولدفع ضحاياه إلى التخبط أكثر في حمأته ..

إن سياسة تسليط الأقليات على الأكثريات حيثما كان ذلك متاحا في بلاد المسلمين، وتمكين بعض الأقليات وبعض البعض من منتسبيها من ارتكاب كل الموبقات ممارسة وسياسة وخطابا لا بد أن يكون لها ثمرات..

بشيعة إيران الذين يشكلون 10% من مجموع أمة الإسلام ، يستخدم بعضهم البنتاغون  والسي أي إيه لاستفزاز 90% من المسلمين على محور طنجة – جاكارتا ، وتعبر ميليشياتهم الدول ، من لبنان إلى سورية وكذا من العراق ومن إيران ومن باكستان وأفغانستان تحت سمع العالم وبصره ...وحتى قانون المقاتلين الأجانب الصادر عن مجلس الأمن يُعفون من تبعاته ..

تصريحات بطرك الكنيسة الروسية ولافروف الأرثوذكسي ضد شعب سورية الطائفية الوقحة  ( لن نسمح بقيام حكم سني في سورية ) تصريح مبخر ببخور الكنيسة لوزير خارجية دولة عظمى منذ 2012 ، قبل تصنيع البغدادي وشركاه. ولن نذكر في السياق أحاديث الصغار من كهنة ورجال دين وساسة تسامحوا مع جريمة ميشيل سماحة الذي كان يريد قتلهم ، وما زالوا مدافعين عن صاحب قرار الجريمة التي استهدفتهم ..

إصرار أوباما من قبل ومن بعده على ما يسمونه ( الحل السياسي ) والذي ما زال هؤلاء المتشاكسون  يسعون إليه بالغازات والغارات والقاصفات والراجمات لينشئوا حلا سياسيا بين شعب يريد أن يتحرر، وزمرة من القتلة والمجرمين والفاسدين والمفسدين ، كل ذلك هو جزء مما وراء الأكمة التي عنها يتحدثون ..

الخلفيات الأقلوية ليست دينية ( إسلامية – مسيحية ) فقط ، بل هي مذهبية تارة وعرقية وثالثة ، ولن نزيد في ضرب الأمثال .

هذا ليس إدانة لمجاميع المواطنين من أبناء الأقليات فاللعبة في حقيقتها أكبر منا ومنهم ، ولكنه دعوة إلى التسامي الحقيقي عن دعوات كراهية الذات . ولاسيما في لحظات المرض والارتكاس . ولكن في الوقت نفسه هذه حقائق لا يلغيها بعض المتسامين المتطهرين من أبناء هذه الأقليات . التعميم مرفوض ، والقاعدة القرآنية ( ليسواء سواء ..) تظل حاضرة ، ولكن حين تنغمس طوائف بثقلها العام في معركة ، من الصعب أن يلتمس لها البراءة لأن أقل من القليل فيها قال : للمؤامرة : لا ...

لا ...أيها السادة لسنا شعوبا متعصبة ولا منغلقة ولا رافضة للآخر ، ونحن الذين رسخنا  قواعد قبول الآخر وشرعناه وكفلناه وحميناه ؛ ولكن الأهرامات المجتمعية إنما تستقر على قواعدها ..ولم يستقر هرم على رأسه ، ولن يستقر .....

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 782