على هامش تصعيد النظام على مناطق المعارضة في إدلب
مثلما هي فصائل المعارضة مأزومة في منطقة الشمال، فيما باتت تعرف اختصارًا بـ ( إدلب )، فإنّ النظام هو الآخر يعيش ذات الأزمة، فهو محرج أمام حاضنته الشعبية، التي تنتظر منه أن يترجم كلام الرئيس الأسد على الصعيد العملياتي، فهو قد صرح عقب انقشاع غبار السيطرة على الجنوب، بأن إدلب ستلحق بأختها درعا في القريب العاجل.
غير أنّ هذه التصريحات قد وجدت حائط صدّ كبير، إنْ من جهة التفاهمات الدولية و الإقليميّة في جعل إدلب منطقة خفض تصعيد، مرشّح ليغدو وقف إطلاق نار دائم، و قد برز هذا في اجتماعات ( أستانا 10 )، التي استضافتها سوتشي الروسية آواخر شهر تموز المنصرم، حيث مالت الأطراف الثلاثة المجتمعة إلى عدم التصعيد، لابلْ أرسلت رسائل ذات مضمون واضح إلى النظام، بأنّها لن تذهب معه في رغبته تلك.
أو من جهة النظام نفسه، التي لم تعد إمكاناته اللوجستية، تسعفه في القيام بأيّ مسعى عسكريّ، من غير أن تؤازره حليفتاه ( روسيا، و إيران )، و هو ما أثبتته الوقائع، فليس بمقدوره أن يصعّد عسكريًا في أية منطقة من دونهما.
هذا فضلاً على أنّ جلّ المراقبين يرون أنّ الطريق إلى إدلب لن تكون ممهدة، بالشكل الذي يجعل مثل هذا التصعيد العسكري لدى أيّ من طرفي الأزمة، بلا حسابات استراتيجية معقدة.
و بذلك فإنّ التصعيد يوم الجمعة: 10/ 8، من أورم الكبرى إلى مناطق المعرة، إلى أرياف حماة، و قام به النظام ( منفردًا على ما يبدو )، لا يتعدّى ردّة فعل نزقة على المظاهرات التي شهدتها عدة مناطق في الشمال المحرر، نادت فيها حشود المتظاهرين بتدخل أوسع لتركيا في المنطقة، من خلال تفعيل نقاط المراقبة ( 12 )، و السعي لبسط سيطرتها، عوضًا عن حالة الانفلات غير المبررة، و كسر حالة الجمود في التي تشهدها مختلف البلدات و القرى، بشكل لامست فيه منطقة تحت الصفر، بمستويات قياسية.
و ذلك بعدما فشلت الحالة الفصائلية في الخروج من هذا المأزق، الذي بات الحديث فيه ضاغطًا على تركيا، كطرف ضامن، و على الفصائل، ولاسيّما هيئة تحرير الشام، كطرف ممسك بالمؤسسات الرسمية و المعابر و المفاصل المعاشية الأخرى.
لدرجة جعلت هذه الجموع من المتظاهرين، تحمل هذه المطالب، في تظاهرات لا تقلّ حماسة عن نظيراتها التي كانت بوجه النظام في مراحل الثورة الأولى.
و قد بات الحديث عن المهلة الممنوحة لتركيا، قبيل اجتماع الرباعية ( فرنسا، ألمانيا، تركيا، روسيا ) في: 6/ 9/ القادم، لإيجاد حلّ لمشكلة إدلب، ممثلًا في إنهاء حالة الاستعصاء التي تعيشها، في ظلّ إمساك الهيئة بها، بات حديث السوريين، و من غير كثير من التوجسات من الأطراف المعنية، التي كانت ترى أنّ ذلك ( حديث المحرمات ).
و يشار في هذا الصدد إلى مسارعة الأطراف الضامنة إلى التهدئة، حتى لا تذهب الأمور إلى غير ما تريد، ولاسيّما في ظلّ انقسامات حادّة تشهدها العلاقات الدولية لدى كلٍّ منها؛ فروسيا، و إيران، و تركيا، كلّها باتت في مركب واحد، تقاوم فيه التجديف الأمريكي، الذي يدفعها نحو أزمات اقتصادية حادة.
و هي بالتالي بحاجة إلى تماسك تفاهمات أستانا ( على ضحالتها )، و لا تريد أن ينفرط عقدها في هذه المرحلة، لأسباب أخرى غير العلاقة مع أمريكا، متعلقة بالملف السوريّ أساسًا؛ و عليه تمّ التواصل سريعًا فيما بينها لاحتواء الموقف، حيث عاد الهدوء إلى الشمال السوري بعد استمرار التصعيد العسكري فيه لأكثر من ست ساعات، تخللتها غارات جوية للطيران المروحيّ والحربيّ من النظام، وردّ بقصف مدفعيّ وصاروخيّ من الجبهة الوطنية للتحرير.
وأفادت مصادر عسكرية مطلعة، أن التهدئة حصلت بعد طلب روسيا للوساطة التركية، من أجل وَقْف الجبهة الوطنية قصفها على الثكنات العسكرية غربيّ حلب، و نبل و الزهراء في شمال حلب، و ريف حماة حيث الخزان البشري الموالي للنظام، و ذلك في مقابل الضغط على النظام لوَقْف غاراته.
وعلى ما يبدو فقد نجحت الوساطة، فغاب الطيران عن أجواء الشمال السوريّ في منتصف ليل أمس الجمعة: 10/ 8، وصمتَتْ وحدات المدفعية والصواريخ التابعة للجبهة الوطنية للتحرير.
وسوم: العدد 785