الرسالة الحادية عشرة، الحال من بعضه يا غسان!
أسعدت أوقاتا وكل عام وأنت بخير
مشتاق إليك بحجم هذا الكون الذي يتكور علي ويخنقني، ولولا أنفاسك التي أشتمها في الصور لكنت متّ، يا أجمل وأنقى وأشهى امرأة تنام على ساعديّ. أتنفسك في كل حين؛ في صحوي وغفوتي. كم تخيلتك تتقاسمين معي شهوة العيد. هذا العيد الذي مر سيئا كالعادة، لا شهية لديّ لفعل أي شيء.
لم أقرأ شيئا منذ أكثر من أسبوع، ينتابني الحنين لضحكتك الشفافة ورائحتك الحلوة وحديثك اللطيف. يمر الوقت صعبا للغاية، أحاول أن أزجيه بسماع الأخبار. كأنه ينقصني وجع جديد. أخبار العالم لا تسر، مسلسلات القتل والعنف ما زالت متتابعة وتزداد حدة، الإرهاب يزداد، والإلحاد كذلك يشتد، والتشدد يتصلب، والعالم يموج في غربته المجنونة، لا أحد يدري ماذا يفعل، الكل بائس وموجوع. لا شيء يخفف هذا الوجع مثل حديث الأصدقاء، وتهنئتهم بالعيد على الرغم من كل ما يتلبد في الفضاء من غيوم شرسة.
تقودني رغبة دفينة لأعيد قراءة رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان. أراه ذلك العاشق الموجوع الذي تورط في الحبّ دون أي أمل، نتشابه كثيرا يا جميلتي غسان وأنا، أنت وغادة السمان ولكن ثمة فروق أيضا. هذه هي المرة الثانية التي أقرأ فيها رسائل غسان، تلك الرسائل التي لا ينتهي الكتاب عن الإشارة إليها، وإلى ما فيها من جمال الألم. وبهاء الكاتب المناضل الإنسان.
عذب الحب قلب غسان كنفاني إلى درجة أنه في إحدى رسائله لها يحيها بأن يسب دينها، نعم لقد بدا غاضبا جدا، لأنها تكتب للكل ولا تكتب له، وأنت كذلك أيضا، دون أن أتجرأ على تحيتك بمثل تحية غسان، يعذبني هذا الحبّ كثيرا، لا أعرف له نهاية قبل أن يقضي عليّ أو يترك فيّ عاهة مستديمة غير ما فيّ من نحول وأسقام وعاهة خلقية مزمنة. فالحال من بعضه يا غسان، وها هي غادة أخرى تعود للمرواغة من جديد.
الرقيقة التي لا ترق:
أعرف أن الحب طاقة مدمرة إن جاء في غير زمانه، ولكن علينا أن نخفف من آلامه قدر المستطاع، علينا أن نحترق قليلا لنستطيع التصالح مع هذا الجنون الذي نحن فيه، أو ربما أنا من غارق فيه وحدي. هل تعانين من آلام الحب كما أعاني؟ هنا أيضا أنا أتشابه مع غسان كنفاني وأنت مع غادة السمان. غسان الذي رحل وخلف شواهده العشقية في رسائله، لتدل علينا أيضا. وعلى كل عاشق مبتلى بمثل هذا الحب المستحيل.
لماذا لم نعد صالحين للحبّ؟ هل باستطاعتك الإجابة عن هذا الوجع القدري الطويل العمر؟ فكرت طويلا بحالتي التي ليس لها من شفاء على ما يبدو! أنسيت الحبّ؟ هل تشبع خاطرك مني فمللتني حد القرف والخزي من أن يكون لك بي صلة ما؟ هل أصبحت مجروبا تخافين من عدوى ما؟ يا لك من تتقن نزع الروح بهدوء مقيت.
رسالتك الأخيرة كانت قصيرة وقاسية جدا، أبعد هذا الصمت الطويل، يكون ردا مستفزا إلى هذا الحد؟ "أتذكر كل شيء، وإن تناسيت فهذا يعود لي". أي غاية لك من هذا العذاب؟ أيعقل أن تكوني شاعرة وشفافة وقاسية حد التلاعب والاحتقار والإهمال المتعمد؟ يا لها من مفارقة مؤلمة.
بالأمس كنت أقرأ في أحد دواويني البائسة، كهذا الحبّ الخائب، صادفتني جملتك التي قلت فيها ذات يوم "وهل أنا ناكرة للجميل لأترك من يكن لي كل هذه المشاعر؟" ماذا تسمين هذه الحالة التي تسود بيننا؟ أليست مللا؟ أليست جفاء؟ أليست هجرا غير جميل؟ كنت أفكّرُ بالتوقف عن كتابة الرسائل لكن شيئا ما في داخلي يدفعني للهذيان والثرثرة. إنها اللعنة الأبدية التي تلبستني لأظل رازحا تحت أوهام حب لا يعرف الرحمة، ولا تريد صاحبته أن تعرف الرحمة.
أشتاق إليك حد الرغبة العارمة، حد الجنون المفضي إلى الموت الرحيم. ترفقي بشخص يحبك، ولا يرى للعيد طعما دون بسمة ثغرك، وعذوبة أنغام صوتك.
المشتاق إليك دائما
فراس حج محمد
وسوم: العدد 786