التومان الإيراني ورحلة السقوط الحر
عادت الأزمة إلى التومان وسوق الذهب من جديد ؛ بالأمس وصل الدولار عند حدود 13 ألف تومان ، وتخطى سعر اليورو من حاجز ال14000 تومان ، ووصلت مسكوكة "بهار آزادي" الذهبية إلى حوالي 4,5 مليون تومان.
من ناحية أخرى ، صرح "بهرام قاسمي" المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية : لم تحقق الدول الأوروبية بعد آمال إيران للحفاظ على الاتفاق النووي. وقال أيضا: لقد تشاورت إيران مع الأطراف الأوروبية حول مختلف المجالات المالية والمصرفية ، وقال " أن هناك بعض الاقتراحات والنقاشات وحدثت بعض الدراسات والمباحثات وطرحت بعض الاقتراحات التي في الحقيقة يتم دراستها ومتابعتها داخل أوروبا نفسها. يجري النظر في الخطط داخل إيران ، لكننا لم نصل بعد إلى المرحلة النهائية كما ينبغي، وربما كما كنا نتوقع ذلك ، وآمل أن نصل الى الاتفاق اللازم خصوصا حول تلك القضايا في الوقت المتبقي وفي الفرص القادمة. وان تستطيع أوروبا اجتياز هذا الاختبار الكبير.... " وأضاف : "بالنسبة للاتحاد الأوروبي والدور الذي يريد ان يلعبه في عالم اليوم ، ليستطيع الخروج هذا الاختبار بفخر ويمكنه فعلاً أن يؤدي دوره التاريخي وأن يؤمن رضا وتأييد الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وأن يزود إيران بالضمانات والاعتبار الضروريين"انتهى الاقتباس .
بالمقابل بقي شهرين فقط على بدء الجولة الجديدة من العقوبات الأمريكية ضد إيران، والتي ستطبق في 3 نوفمبر قبل نهاية هذا العام ، وهي العقوبات التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية، وصولاً إلى تصفير تصدير النفط ، ومع ذلك ، وعلى الرغم من مغادرة شركات النفط الكبرى لإيران، إلا أنه من المتوقع أن يواصل كبار عملاء النفط الإيرانيين مثل الصين والهند استيراد النفط من إيران ، كما أعلنت عن ذلك ، وتعهدت به.
تواجه إيران تحدياً كبيراً في في هذه الأيام مع فرصة شهرين فقط على بدء الجولة الجديدة من العقوبات الأمريكية على تصدير النفط ، وفرض عقوبات على شركاتها الملاحية ، وشركات الطيران الراعيتان الرسميتان لنقل المرتزقة والسلاح إلى سوريا واليمن وعموم المنطقة .
المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن صادرات النفط الإيرانية قد انخفضت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، على الرغم من إعلان الصين المشتري الرئيسي للنفط من إيران – كما ذكرنا سابقاً - انها ستستمر في استيراد النفط من إيران، فإن دولاً أخرى في الشرق الأقصى تتبع سياسات الولايات المتحدة ، مثل كوريا الجنوبية، فعلى الرغم من أنها واصلت شراء النفط من إيران حتى يوليو الماضي ، لكنها خفضت وارداتها النفطية بنسبة 40٪ عن الأشهر السابقة. لكن الأنباء المخيبة للآمال بالنسبة لإيران هو رحيل الشركات اليابانية ، المنفذة لعمليات توزيع النفط الإيراني، فحسب تسريبات إعلامية إيرانية : " ستغادر الشركات الموزعة للنفط في البلاد سوق النفط خوفا من فرض عقوبات أمريكية قبل 5 نوفمبر مع بدء جولة العقوبات الجديدة" ، على الرغم من أن النفط الإيراني رخيص بالنسبة لهذه الشركات ، إلا أنها لم تقبل أن تخاطر بتحمل فرض عقوبات أمريكية بسبب الأسعار في السوق الإيرانية. خروج هذه الشركات من إيران يمكن أن يؤدي إلى تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد الإيراني ، و يتزامن في نفس الوقت الذي تبدأ فيه الجولة الجديدة من العقوبات على النفط والغاز ، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق سياسة ايصال صادرات النفط الإيراني الى الصفر ، في الوقت الذي تكافح فيه إيران لإبقاء عملائها النفطيين لكن فعلياً ما الذي أدى إلى مزيد من السقوط الحر للتومان الإيراني ؟ وهل سيستمر ذلك ؟ لا شك بأن ارتفاع قيمة العملة الأجنبية ، مقابل انخفاض قيمة التومان ، ليس فقط بسبب تأثير السياسات الأميركية فقط ، فسياسات المتخبطة لمسئولي النظام الإيراني ، وتصريحاتهم وتحذيراتهم المتكررة قد خلق حالة من الهلع غير المسبوقة ، ما جعل الاوضاع في إيران تتجه الى الاسوأ ، بالاضافة إلى ذلك فإن هناك عوامل أخرى لها تأثير على وضع سوق الصرف الأجنبي وعدم الاستقرار هذه ، يأتي في مقدمتها التقارير الخاصة بتراجع صادرات النفط الإيرانية ، والتي يبدو أنها انخفضت إلى حوالي مليوني ومئة ألف برميل لأول مرة ، الأمر الذي أثار الكثير من الشكوك حول مستقبل صادرات النفط الإيرانية ، التي تشكل المصدر الرئيسي لإمدادات الاقتصاد الإيراني من العملة الأجنبية، خاصة بعد تخيفض كوريا الجنوبية لصادراتها النفطية ، وخروج الشركات اليابانية . العامل الثاني هو تصريح رئيس البنك المركزي الإيراني "عبد الناصر همتي" ، الذي قال إننا نعتبر ان احتياطيات النقد الأجنبي هي عرض البنك المركزي ، وأن البنك المركزي لن يسعى إلى ضخ العملة في السوق ، خاصة مع وجود التزام لدعم بعض السلع الأساسية ، وتسعير الرسمي للدولار ب 4200 تومان ، أما العامل الثالث هو أن المدخرين الإيرانيين خائفون بالفعل ، وتزاحموا لتحويل من المدخرات في سوق العملة إلى الدولار واليورو والدرهم الإماراتي ، وحتى أي عملة أخرى متداولة هروباً من انهيار التومان ، مما يزيد الطلب، وبالتالي يزيد سعر العملة
هذا عدا عن أن التجار يريدون حماية رؤوس أموالهم عبر تحويل أصولهم إلى دولارات أو حتى ذهب وأية عملات أخرى بسبب الخوف من مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي الذي بات في مهب الريح .
النتيجة أن صادرات النفط الإيرانية بدأت فعلياً في الانخفاض ، هذا التأثير انعكس فوراً على سعر صرف العملات الأجنبية ، هذا ما حدث الآن ، فماذا سيحدث بعد شهرين؟ من المؤكد أنه ليس لدى الولايات المتحدة السلطة الفعلية على تخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر لأن هناك دولا ستواصل شراء النفط الإيرانيفي نهاية المطاف . لكن الفرضية الأكثر احتمالا هي أن صادرات النفط الإيرانية ستنخفض إلى النصف من المستوى الحالي ، كما أنه من الصعب أيضا الحصول على المال من النفط المباع ، حتى في بقية صادرات الدولة ، بسبب العقوبات التي ستفرض على النظام المصرفي الإيراني ، وهو ما سيضغط بشكل طبيعي على الاقتصاد الكلي في إيران ، وسيؤدي بالتأكيد إلى انهياره ، لأن طهران باتت تعاني حرباً نفسية غير مسبوقة ، باتت تلقي بآثارها المدمرة على جميع مناحي الحياة هناك ، والأيام حبلى بالتطورات .
وسوم: العدد 788