الحلقة العاشرة من.. المدينة الحُبّ الذي يسكن فِينَا.. وذكرياتها الجميلة..
بعض أسواق المدينة القديمة
المدينة المنورة
الحمد الله وحده .. والصلاة والسلام على من لانبي بعده ....
يطيب للمرء أن يستعيد ذكريات أرض أحبها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسكنها ودُفِن في أرضها .. تعطر ترابها بوطىء أقدامه .. وطاب هواؤها من طيب أنفاسه .. وعمّ الخير أرجاءها بدعوته و دعائه ..
نعاود اليوم الركض على ضفاف ماضيها الجميل .. نستلهم العبر .. ونستعيد المجد .. ونستدل منها الطريق .. نتابع الحديث عن أسواقها القديمة البهيّة فما زال عنها للحديث بقيّة .. و بعد أن تحدثنا عن شارع العينية .. نتحدث في هذه الحلقة عن سوق آخر كان له في المدينة شعبيّة وجاذبيّة إنه :
سوق سويقة
نتعرف بداية .. عن موقع ذلك السوق العتيق حيث كان يقع في الجهة الغربية للمسجد النبوي الشريف .. وملاصقا لشارع العينية السابق ذكره من الجهة الجنوبية .. ويمتد هذا السوق من سوق باب المصري وينتهي بساحة باب السلام .. وهو أيضأ أحد الطرق الرئيسة إلى الحرم النبوي الشريف .. وكان عرضه ليس بالكبير بل عدة أمتار فقط .. وكانوا يُسمّونه اهل المدينة بأكثر من إسم .. إضافة إلى سويقة حيث كانوا يُسمّونه ( جُوَّة المدينة ) و ( سوق القَمّاشَة ) حيث يصطفُّ على جانبيه من بدايته حتى نهايته .. محلات ومتاجر ودكاكين كان الكثير منها لبيع الأقمشة .. وأيضا بيع العطارة والمجوهرات والساعات وغيرها .
دعونا نبدأ نتجول في هذا السوق .. الذي كان بمثابة مركز تجاري لأهل المدينة لا يقل أهمية عن شارع العينية .. فمن بدايته من جهة باب المصري .. أتذكر محل العم عبدالهادي أبو عوف رحمه الله للمكسرات .. ومن الجهة المقابلة مركز شرطة في مبنى حجري .. وبعده منفذ طريق يؤدي إلى سوق الشروق ومن ثَم إلى شارع العينية .. أتذكر دكان العم عِبيّد الجربوع الرجل الطيب حفظه الله .. لبيع الملايات والعباءات النسائية في أول سوق الشروق .. ومن الجهة اليمنى من سويقة محل عطارة كبير .. للعم أمين صالح خشيم رحمه الله وكان من أكبر العطارين .. عرفت ذلك الرجل عن قرب لصلة الرحم التي تربطنا به .. فقد كان محبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتر لسانه من ذكر الله و الصلاة على رسول الله .. وأمامه محل شقيقه ذلك الرجل الطيب الهادئ المبجّل العم مصطفى خشيم رحمه الله للعطارة أيضأ .. وبعدهم محل عطارة العم صالح حسين سنوسي رحمه الله وكان من خيرة الناس .. وعلى امتداد سويقة نجد على اليمين محل قماشة للعم رشيد طرابيشي رحمه الله .. يليه محل كبير لبيع الأقمشة لصاحبه العم حمزة عبدالرحمن عويضة رحمه الله وكان ( شيخ القماشين ) في المدينة في ذلك الوقت والعم حمزة هو ابن عم الوالد رحمه الله .. وأحد رموز أسرتنا .. آل عويضة .. يليه محل ابن الخال العزيز خالد عبدالرحيم عويضة حفظه الله .. للأقمشة أيضا .. وفي المقابل مجوهرات العم عبدالرحمن فضل ذلك الرجل الطيب خفيف الظل رحمه الله ويجاوره محل العم أحمد خاشقجي للأقمشة ذلك الرجل المهذب رحمه الله .. وأتذكر أيضا محل العم حمزة أبو عجوزة وابنه عبدالهادي رحمهما الله للفضيّات .. يليه محل مجوهرات عَمّي حسن أحمد عربي حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية وهو جَد أولادي .. وأمامه الحركان للعطور .. وهناك في الجهة اليمنى طريق ضيق يسمى ( الشُونَة ) يؤدي إلى مبنى البلدية القديم القريب من درب الجنائز وسوق الحراج .. وعلى امتداد سويقة أيضا .. محل العم محمد علي لاذقاني للأقمشة هذا الرجل أعرفه بحكم الصداقة التي كانت تربطه بسيدي الخال عبدالرحيم عويضة .. كان في قمة الأدب قليل الكلام .. طيب الأفعال .. وفي الجهة المقابلة دكان مجوهرات العم مهل جودالله الرحيلي رحمه الله والد الزميل و الصديق العزيز عبدالرحمن مهل رجل الأعمال و رئيس الغرفة التجارية بالمدينة سابقا .. وقد عرفت العم مهل عن قرب كان يتمتع بدماثة الأخلاق وحُسن الكلام وطيب المعاملة .. يليه محل العم محسن عبدالعال حفظه الله للأقمشة وهو من أخيار الناس ويشاركه في المحل إخوانه عبدالله ومحمد رحمهما الله .. وعلى امتداد السوق على اليمين نجد محل العم عبدالحكيم الشامي رحمه الله والعم طالب سلامة لبيع مستلزمات الخياطة .. وفي نهاية السوق قبل ساحة باب السلام نجد مبنى مسلح .. يشغل مستوصف طبي حكومي يسمى مستوصف السلام يخدم تلك المنطقة وماحولها .. وقبل المستوصف يوجد حوش غير نافذ تسكنه بعض الأسر .. يسمى إذا ماخاب ظني حوش الزرندي .. وهناك أيضأ محلات كثيرة منتشرة على جانبي هذا السوق لبيع الأقمشة والعطور والساعات غابت أسماء أصحابها الكرام عني فأرجو المعذرة .
هذه صورة تقريبية لسوق سويقة الذي كان يُمَثّل واجهة تجارية تسويقية مهمة لأهل المدينة المباركة .. ومما كان يبعث للنفس السرور من هذا السوق .. أن كل أصحاب هذه المحلات التجارية في هذا السوق هُم أهل المدينة الأجلاء .. فقد كان هو مصدر رزقهم .. ومما يزيد النفس سرورا .. أنهم كانوا طيببن خَيّرِين مباركين .. كانوا حريصين على أداء أكثر فروضهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كما أنهم كانوا على معرفة وتواصل فيما بينهم .. تجمعهم المحبة والألفة والاحترام المتبادل والإيثار وحب الخير فيما بينهم .. ونقاء القلب وصفاء النية .. يرتبط أكثرهم بروابط الرِحِم والجيرة والقرابة والصداقة والأخوة .. لا غرابة ولا مفاجأة في ذلك .. هل نسيتم مَنْ هُمْ ؟ إنهم أهل الجوار .. إنهم مِن نَسل المهاجرين والأنصار .. ومن نسل من جاءها و سكنها حُبّا وعِشقا من كل المدن والأمصار .. ليحظى بمجاورة المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ماتعاقب الليل والنهار .
وللحديث بإذن الله بقية
وللجميع كل التحية
حسين بن حمزة عويضة
المدينة المنورة
٩/ ١/ ١٤٤٠ هج
وسوم: العدد 791