الإسلام في أفريقيا الحلقة (42)
العبيديون يبسطون نفوذهم على المغرب قاطبة ويفتحون مصر ويستقيم لهم الأمر
في بلاد الشام والحجاز
توفي القائم بأمر الله في (الثالث عشر من شوال سنة 334هـ/18 أيار 946م)، فكتم خليفته المنصور بالله موته ولم يظهر عليه حزناً، خوفاً من أن يتصل ذلك بأبي يزيد، وهو بالقرب منه، فأبقى الأمور على حالها وأكثر العطايا والصلات. واستفتح أمره بإطلاق المحبوسين الذين حبسهم أبوه بسبب القدح في الدولة. فلما كانت سنة (336هـ/937م) أظهر المنصور موت أبيه بعد أن تمكن من القضاء على أبي يزيد الخارجي. حيث بنى في موضع الوقعة التي انتصر فيها على أبي يزيد مدينة سماها (المنصورية)، فاستوطنها وبنى بها قصراً، ثم خرج في (شهر رمضان سنة 341هـ/كانون الثاني 953م) من المنصورية إلى (جلولا) يتنزه بها ومعه حظية كان مغرما بها، فأمطر الله عليهم برداً كثيراً وسلَّط عليهم ريحاً عظيماً فأوهى جسمه ومات أكثر من كان معه، فعاد إلى المنصورية فاعتل من تلك الريح ومات (يوم الجمعة آخر شوال سنة 341هـ/19آذار 953م)، ودفن بالمهدية.
وقام بعده ولده أبو تميم معد.. الملقب بالمعز لدين الله.. بتسلم مقاليد الأمور، وتمكن من المغرب قاطبة حيث دخلت سائر البلاد في طاعته، ثم جهز غلامه (جوهر) ومعه جيش كبير لفتح مصر في (الرابع عشر من ربيع الأول سنة 358هـ/27 شباط 969م). وكان بمصر في تلك السنة غلاء عظيم ووباء، حتى قيل إنه مات من المصريين في تلك السنة نحو (600,000) إنسان. فتسلم جوهر مصر في (الثاني عشر من شعبان 358هـ/1تموز 969م)، ثم بنى القاهرة، وقام باستدعاء المعز إلى مصر بعد أن استقام الأمر له في مصر والحجاز والشام، وإقامة الدعوة له بتلك الديار. فخلَّف المعز على إفريقية (بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي)، وخرج متوجهاً إلى مصر في (شهر شوال سنة 361هـ/تموز 972م) وقد حمل معه الأموال الهائلة.
أقوال بعض الفقهاء والشعراء في العبيديين
قال (السيوطي) في كتابه (تاريخ الخلفاء): إن أكثر الخلفاء العبيديين زنادقة خارجون عن الإسلام منهم من أظهر سب الصحابة والأنبياء، ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسجود له، والخيّر منهم خبيث لئيم يسب الصحابة، ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة، ولا تصح لهم إمامة.
ويقول القاضي أبو بكر الباقلاني (نقلاً عن كتاب الخلفاء): كان المهدي عبيد الله باطنياً خبيثاً حريصاً على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه أباحوا الخمر والفروج وأشاعوا الرفض.
وقال (الذهبي) (نقلاً عن كتاب الخلفاء): كان القائم بن المهدي أشرُّ من أبيه زنديقاً ملعوناً، أظهر سب الأنبياء، وقال: وكان العبيديون على ملة الإسلام أشر من التتر.
وقال أبو الحسن القابسي: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت، فيا حبذا لو كان رافضياً فقط، ولكنه زنديق.
وقال القاضي عياض: سُئل (أبو محمد القيرواني) والكثير من علماء المالكية ممن أكرهه ابن عبيد على الدخول في دعوتهم أويقتل؟ قال يختار القتل، ولا يعذر أحد في هذا الأمر.
وقال (يوسف الرعيني): أجمع علماء القيروان على أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة، لما أظهروا من خلاف الشريعة.
وقال (ابن خلكان): قد كانوا يدعون علم المغيبات وأخبارهم في ذلك مشهورة، حتى أن العزيز صعد يوماً على المنبر فرأى ورقة مكتوب فيها:
بالظلم والجور قد رضينــا … وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أُعطيت علم الغيب … بين لنا كاتب البطاقـة
وكتبت إليه امرأة رقعة مكتوب فيها: بالذي أعز اليهود (بمنشأ) والنصارى (بابن نسطور) وأذل المسلمين بك، إلا نظرت في أمري، وكان قد ولى منشأ اليهودي عاملاً على الشام وابن نسطور النصراني على مصر. وكان هو وأسلافه بمصر يدّعون الشرف ويقولون: نحن أولاد فاطمة وأبونا علي بن أبي طالب.
وكان (الحاكم) في كل سبعة أيام يقول ذلك على المنبر فرفعت إليه رقعة مكتوب فيها:
إنا سمعنا نسباً منكـــرا … يتلى على المنبر في الجــامع
إن كنت فيما قلته صادقـاً … فانسب لنا نفسك كالطـائع
أو كان حقاً كما تـدعي … فاذكر أباً بعد الأب السـابع
أو لا فدع الأنساب مستورة… وادخل بنا في النسب الواسع
فإن أنساب بني هاشــم … يقصر عنها طمع الطــامع
قول الشعراء في آل عبيد:
هجا الشاعر (أبو القاسم الفزاري) العبيديين بقصائد كثيرة منها قوله:
عبدوا ملوكهم وظنوا أنـهم … نالوا بهم سبب النجاة عموما
وتمكن الشيطان من خطواتهم … فأراهم عوج الضلال قـويما
رغبوا عن الصديق والفاروق في … أحكامهم لا سلّموا تسليما
واستبدلوا بهما ابن أسود نابحـا … وأبا قدارة واللعين تميمـا
تبعوا كلاب جهنم وتأخـروا … عمن أصارهم الإله نجوما
عبدوا ملوكهم وظنوا أنـهم … نالوا بهم سبب النجاة عموما
وتمكن الشيطان من خطواتهم … فأراهم عوج الضلال قـويما
رغبوا عن الصديق والفاروق في … أحكامهم لا سلّموا تسليما
واستبدلوا بهما ابن أسود نابحـا … وأبا قدارة واللعين تميمـا
تبعوا كلاب جهنم وتأخـروا … عمن أصارهم الإله نجوما
يا ليت شعري من هم إن جهَّلوا … دنيا، ومن لهم إن عددت صميما!
امن اليهود ؟ أم النصارى ؟ أم هم… دهرية جعلوا الحديث قديمــا
أم هم من الصّابين أم من عصبة … عبدوا النجوم وأكثروا التنجيما؟
أم هم زنادقة معطلـــة رأوا … أن لا عذاب غدا ولا تنعيمـا؟
أم عصبة ثنيوية قد عظّمــوا … النورين عن ظلماتهم تعظيمـا؟
من كل مذهب فرقة معلومـة … أخذوا بفرع وادعوه أرومــا
سبحان من أبلى العباد بكفرهم … وبشركهم حقباً وكان رحيما
يارب فالعنهم ولقذِ لعينهــم … بأبي يزيد من العذاب أليمــا
وقال فيهم الشاعر سهل الوراق:
الطاعنين على النبي محمـــد … والقائلين بأسخف القـالات
إن الإمام هو النبي وإنــــه … رب تعالى الله ذو العظمـات
فُتنوا بأحمق من عليها، كيف لو … عَلِقُوا بذي لبٍّ وذي إخبات؟
هدم المساجد وابتناها منزهــا … لمضارب العيدان والنايـات
وأحل دار البحر في أغلالــه … من كان ذا تقوى وذا صلوات
مستحمق بادي العوار مهوس … نكد قليل الخير والبركــات
فعليه ما لبيَّ الحجيج وطوّفوا … وعلى ذويه، خوالد اللعنـات
وسوم: العدد 795