الحزب السياسي بين منظورين
25.02.2007
( إعادة نشر لمقال "الحزب السيا سي بين الدين والدنيا" مع بعض التعديل والإضافة )
1
ينطوي مفهوم الحزب من الناحية اللغوية على ازدواجية تشير إلى كل من التجمّع ( حزب القوم بالفتح = جمعهم أحزابا ) والتقسيم( حزب القرآن = قسّمه أحزابا) . أما من الناحية الإصطلاحية ، فإن مفهوم الحزب عامة ، والحزب السياسي خاصة ، إنما يشير إلى "مجموعة من المواطنين ، يحملون رؤية مشتركة ( موحدة أو متقاربة ) حول ماضي وحاضر ومستقبل الأمة / الدولة / المجتمع الذي يعيشون فيه ، و / أو الجماعة التي ينتمون إليها ، التقوا طواعية على الإلتزام والعمل المشترك لتعميم وتنفيذ هذه الرؤية ، وجعلها هدفا استراتيجيا لهم ، وبالتالي للحزب الذي ينتمون إليه . " . ومن الطبيعي أن تنطوي هذه الرؤية المشتركة على تلك الإزدواجية التي أشرنا إليها وبالتالي على الضدّيّة الإجتماعية ، من حيث أن أي حزب سياسي ، لابد وأن يكون مع جماعة إجتماعية معينة ، و ضد جماعة اجتماعية أخرى ، حتى في حال كون هذه الضدية من نوع " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " وإلاّ فلا مبرر لوجود التعددية الحزبية بوصفها انعكاسا موضوعيا للتعدد في الرؤى السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية لهذه الأحزاب .
2.
إن انطواء مفهوم الحزب على تلك الإزدواجية ، إنما يعود واقع الحال لأسباب موضوعية ، تتمثل أساسا في أن كل أمة من الأمم / شعب من الشعوب / مجتمع من المجتمعات / قوم من الأقوام ، عادة ماتتكون/ يتكون من أفراد تتوازعهم مجموعة من الإنتماءات الإجتماعية المتعددة والمتشابكة السابق معظمها على وجودهم نفسه ، والتي يعتبر الحزب السياسي في بعض الحالات واحدا منها.
وبما أن هذه الإنتماءات ليست على درجة واحدة من الأهمية ، ومن التأثر والتأثير على حياة كل من الأفراد والجماعات ، فإنه باستخدام ما أطلق عليه الكاتب منهج الإحالة ( إحالة العرضي( بفتح العين والراء ) إلى الجوهري ، والأقل أهمية إلى الأكثر أهمية ، والجزء إلى الكل ، والثانوي إلى الرئيسي والخاص إلى العام . والمعقد إلى البسيط ..الخ ) يمكن إحالة كل هذه الإنتماءت إلى مابات متعارف عليه ب : الإنقسام العمودي ( القبلي ، القومي ، الديني ، الطائفي، الجهوي )، والإنقسام الأفقي ( الإقتصادي ـ الطبقي بصورة أساسية). هذا مع العلم أن هذين الإنقسامين متشابكان ومتداخلان ، ويؤثر كل عنصر منهما بالآخر ويتأثر به ، كما أن العناصر المكونة لكل منهما ليست متكافئة ، ولا متساوية التأثروالتأثير،فالإنتماء القومي( الإنتماء إلى الأمة )، والدولتي( الإنتماء إلى الدولة ) مثلا يتعارضان مع الإنتماء القبلي ، ويتعارض الإنتماء الديني من جهته مع العصبية القبلية ، ومع العصبية القومية ( يايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( الحجرات 13 )، وتتعارض الماركسية بدرجة أو بأخرى ، بصورة أو باخرى مع الإنتماءات العمودية الخمسة السابقة ( أنظر الملحق فقرة 9 )، ولا سيما في نسختها المتعصبة ، الأمر الذي لابد أن يترتب عليه نظريا وعمليا التعارض بين كل من الحزب القبلي ، والحزب الطائفي والحزب القومي ، والحزب الديني ، والحزب الماركسي ، والحزب الجهوي ، وهو مانراه اليوم في كل من لبنان والعراق والسودان بأجلى صوره وأوضحها ( وهذا على سبيل المثال لاالحصر ) .
وفي رؤية سوسيولوجية رمزية ــ وعلى سبيل التغليب ــ فإنه يمكن ربط الإنقسام العمودي باسم عبد الرحمن بن خلدون ( مسألة العصبية )، وربط الإنقسام الأفقي باسم كارل ماركس ( الطبقات والصراع الطبقي )، وتصبح دراسة الواقع الإجتماعي بما في ذلك الحياة السياسية والحزبية في أي مجتمع من المجتمعات ، ولا سيما مجتمعات البلدان النامية (ومنها الوطن العربي ) تقتضي الجمع المنهجي ( على المستويين النظري والتطبيقي ) بين رؤية كل من ابن خلدون وكارل ماركس ،وبإضافة الشريعة الإسلامية إليهما ، نصبح أمام ( مثلث منهجي ) لدراسة المجتمع العربي . هذا مع العلم أن الحضور الأساسي في مجتمعات البلدان النامية التي مايزال يغلب عليها طابع الإقتصاد الزراعي الماقبل ـ رأسمالي والماقبل ـ صناعي بأبعاده الإجتماعية والثقافية والفكرية هو لرؤية ابن خلدون السوسيولوجية ( العصبية ) ، بينما تسود الرؤية الماركسية في المجتمعات الصناعية المتطورة، حيث تراجع الإنقسام العمودي هنا إلى درجة كبيرة لصالح الإنقسام الأفقي .
إن هذا الفارق في الواقع الإجتماعي والإقتصادي بين المجتمعات الصناعية المتطورة ومجتمعاتنا العربية التي ماتزال على طريق التطور والنمو إنما يجد انعكاسه الموضوعي في الفارق الجوهري في الحياة السياسية والحزبية بين هذين النوعين من المجتمعات، وذلك بعيدا عن الدخول في متاهات الجانب القيمي المتمثل، بالفارق بين مفهوم التطور، الذي يشير إلى البعد التكنولوجي الذي تحتكره البلدان الرأسمالية الصناعية ، ومفهوم التقدم الذي يشير إلى البعدالأخلاقي والقيمي الذي أطلق عليه الرسول الكريم، مكارم الأخلاق (إنما أتيت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، ولاسيما ما يتعلق بتماسك الأسرة وتعاضدها وبمنظومة القيم الإجتماعية الدينية والدنيوية التي تحافظ على التكافل الإجتماعي في المجتمعات البشرية ، والذي يبدأ بعلاقة الجيرة لينتهي بعلاقة المواطنة ، وهو ماتفتقرإليه البلدان الرأسمالية فيما يخص العلاقات الإجتماعية الحميمية بين الأفراد والجماعات .
3.
وفيما يتعلق بالدين وبالتالي بالحزب ذي المرجعية الدينية ، فإن الأمر يتعلق فيما يخص موضوعنا ، بمعنيين متداخلين ومتوازيين هما ، من جهة ، الإيمان بالله وباليوم الآخر ( البعث ) والذي يشير من الناحية السوسيولوجية إلى أن المرء مسؤول فيما يتعلق بالعبادات بصورة أساسية وأولية أمام الله وأنه إذا ماارتكب في مجال المعاملات معصية ما ، واستطاع بطريقة ما أن يفلت من عقاب الدنيا فإنه لن يقلت من عقاب الله في الدار الأخرى ، حيث ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . الزلزلة / 7، 8 ) . ويعتبر الدين من هذه الزاوية حليفا لمنظومة القيم القانونية والإجتماعية الدنيوية ( الدستور والقوانين )، والتي عادة ماتكون جذورها ضاربة في تربة الدين نفسه ، الأمر الذي يشير إلى إمكانية تعاون الطرفين ( الدين والقانون ) على بناء المجتمع المعني بناء سليماً ومتوازنا ، على قاعدة " إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا "، وحيث يجد المستضعفون سلاحهم وعزاءهم في مواجهة الظالمين والمستكبرين بلجوئهم إلى الدين وإلى العبارات المعروفة " خاف الله ، اتق الله ، أمري إلى الله ، أشكيك لله ، حسابك عند الله ...الخ " وذلك بغض النظر عن الطابع الإتكالي الذي يمكن أن تنطوي عليه مثل هذه العبارات .
إن التساؤلات الإشكالية التي تطرح نفسها هنا هي : هل إن المنافسة بين حزب ذي مرجعية دينية سماوية ثابتة ، وآخر ذي مرجعية دنيوية متغيرة ، هي منافسة سياسية عاد لة ؟ أولا يعتبر قبول الحزب الديني بالإحتكام إلى صندوق الإقتراع الذي يمكن أن يفتح صدره لكافة المواطنين ، مؤمنهم وكافرهم ، مسلمهم ومسيحيهم ، يهوديهم وبوذيهم ، خروجاً على مبادئه الإلاهية ذاتها ؟ هل هنالك من ضمانة في أن لايعطي صندوق الإقتراع في بلد ديمقراطي حاكما غير مسلم، حتى في حال أن الأكثرية في هذا البلد تعتنق الدين الإسلامي؟ وفي هذه الحال ماهو موقف الحزب الإسلامي ؟ .
4.
إن طرحنا لهذه التساؤلات ـ الإشكالية التي وردت أعلاه ، يحتم علينا كمهتمين وكباحثين اجتماعيين ، ان نبحث عن الإجابة العلمية والموضوعية لتلك التساؤلات ، وبالتالي لحل تلك الإشكالية المتعلقة بحق الجماعات الدينية ، ولاسيما الإسلامية منها ، وفي سورية بالذات ، بتأسيس أحزابها الخاصة ، وبالوصول إلى الحكم بواسطة هذه الأحزاب . إن ماينبغي قوله وتوكيده حول هذه المسالة هو ــ حسب اجتهاد الكاتب ــ بصورة أساسية مايلي :
ـــ إن قبول أي حزب بمبدأي المواطنة والديمقرطية ، سينزله بالضرورة من السماء إلى الأرض ويحوله بالتالي إلى حزب سياسي دنيوي بامتياز ، أي يضعه عمليا في خانة المؤمنين بأن الدين لله والوطن للجميع / أعط مالقيصر لقيصر ، وما لله لله ، ودون ضرورة الدخول ــ هنا ــ في متاهات مفهوم العلمانية عند كل من المرجعيتين الدينية والدنيوية .
ـــ إن الأمر الأساسي الذي يكمن وراء هذه المحايثة الإجتماعية والسياسية للحزب الديني ، ولا سيما الحزب الإسلامي ، إنما تعني - برأينا - حقه المطلق في أن يدخل حلبة التنافس السياسي معالأحزاب الأخرى ، من أجل الوصول إلى السلطة ، وبالتالي تنفيذ رؤيته الأيديولوجية الخاصة، التى يرى فيها مصلحة الأمة والشعب ، والتي تتجسد بالنظام الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والسياسي الإسلامي ، وفق ماتنص عليه الشريعة الإسلامية ، شريطة ألايتعارض التطبيق العملي لهذه الرؤية الدينية مع مبدأي المواطنة والديمقراطية السياسية اللذين حملا هذا الحزب الديني إلى سدة الحكم ، واللذين يمكن أن يطيحا به في انتخابات أخرى ، وفقا لقواعد اللعبة الديمقراطية .
ـــ إن القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية ، وبالتالي إمكانية الدخول والخروج إلى ومن سدة الحكم عبر صندوق الإقتراع ، يمثل الضمانة الإجتماعية للتطبيق السليم والأخلاقي والمقبول شعبيا لمبادئ الشريعة الإسلامية ، الموصوفة بالسمحاء ، والبعيدة كل البعد عن التعصب الأعمى لبعض الغلاة ، ولبعض الأقليات الدينية المتطرفة ، التي تخلط بين قوانين الأرض النسبية وقوانين السماء المطلقة ، وتعطي لنفسها الحق بالتالي في احتكار الدين ، وفي محاولة فرض تفسيرها الخاص لمبادئ الشريعة على كافة أفراد وجماعات الأمة والوطن ، حتى ولو بالقوة !!
ـــ إن التعددية السياسية لاينبغي أن تكون تعددية منفلتة ، ولابد أن تخضع بالتالي للقانون السوسيولوجي المعروف ، الا وهو قانون " وحدة وصراع المتضادات " ، بمعني أن هذا التضاد وهذه "التعددية " ، يجب أن تكون مشروطة ومحكومة بمبدأ " الوحدة " ، أي عدم خروج أية رؤية حزبية عن الثوابت التاريخية والإستراتيجية التي تخص كافة مواطني وجماعات المجتمع والأمة ، قبل وبعد أي فرد بعينه ، وأي حزب بمفرده . ولعل الأسماء ذات الصبغة العامة التي باتت تعطيها الجماعات والأحزاب لنفسها ( الحزب الوطني، الحزب الديمقراطي ، حزب العدالة والتنمية ، الحزب الوطني للعدالة والدستور ..الخ ) إنما تدخل في هذا الإطار .
ـــ إن التعددية الدينية ، سواء بين الأديان ، ولا سيما السماوية منها ، أو بين الطوائف التي تنتمي إلى هذه الأديان ، لابد وان تخضع بدورها لقانون وحدة وصراع المتضادات الذي أشرنا إليه ، ذلك أن قبول أي حزب ديني أو أية جماعة دينية ، بشعار " الدين لله والوطن للجميع " إنما يعني بالضرورة عدم السماح لنفسه / لنفسها أن تحتكر السلطة من بين الجميع ، وأن تتعاون مع أعداء الدين من أجل هذا الإحتكار، كما حدث ويحدث الآن في العراق . أما إذا كانت لاتقبل ولا تعترف بأن الدين لله والوطن للجميع ، فيصبح من حق المجتمع أن يحرمها من حق العمل السياسي والحزبي ، ذلك أن هذا العمل لايستقيم موضوعياً إلا مع القبول بمبدأي المواطنة والديمقراطية ، ومتضمناتهما المتعلقة بوحدة الوطن والأمة أرضا وشعبا وتاريخا ومقدسلت مجمع عليها من جهة وبالتعددية الدينية
واللغوية والقومية ضمن هذه الوحدة من جهة ثانية ، وبالقبول بحكم الأكثرية التي يفرزها صندوق الإقتراع النزيه والنظيف والشفاف من جهة ثا لثة .
5.
إن البنية الإجتماعية والسياسية لمجتمعات الديمقراطيات الأوروبية ، تشير إلى التباين الواضح بين ديمقراطية هذه المجتمعات ، التي تقوم على مبدأ التبادل السلمي للسلطة عبر صندوق الإقتراع ، الذي غالبا ما يرتكز دوره الديمقراطي على مبدأ المواطنة ، التي يتساوى في ظلها كافة حملة جنسية هذه المجتمعات امام القانون وبالتالي أمام صندوق الإقتراع ، بغض النظر عن أية تمايزات إثنية أو دينية أو لغوية أو جنسية أو حزبية بينهم ، وبين ديمقراطية البلدان النامية التي غالبا ماتكون انعكاسا مشوها لما دعوناه الإنقسام العمودي والانقسام الأفقي في هذه المجتمعات .
هذا مع العلم أن مثل هذه المساواة الإجتماعية بين كافة مواطني الدولة في ما يعرف بالديمقراطيات الغربية ، لايعني الغياب التام لتلك الفوارق والتمايزات في وبين هذه الديموقراطيات . إلاّ أن هذه الفوارق والتمايزات تظل هنا تحت عيون الصحافة الحرة من جهة وفي إطار القبول الطوعي بمبدأ الأكثرية والأقلية الذي يقع في أساس أي حكم ديمقراطي من جهة أخرى ، ناهيك عن أن طبيعة الرأسمالية الصناعية ذاتها ، تتعارض موضوعيا وذاتيا ، وبهذه الدرجة أو تلك مع الإنقسامات العمودية للمجتمع والتي هي بالأساس من مفرزات التشكيلة الإقتصادية ـ الإجتماعية لمرحلة ماقبل الرأسمالية .
أما بالنسبة للبلدان النامية عامة ، وللمجتمعات العربية خاصة ، فإن مالا تخطؤه العين هو أن غالبية ، إن لم نقل كل ، دولها وحكوماتها إنما تقوم على احتكار السلطة السياسية وإلى حد ما الثقافية من قبل أسرة ، أو قبيلة ، أو منطقة ، أو طائفة ، أو أقلية ما، ومن خلال زعماء سياسيين أو اجتماعيين أفرزتهم وفرضتهم الظروف التاريخية المرتبطة بمنظومة القيم الماقبل ظهور الدولة القومية الحديثة ،أو الذين أفرزتهم ورعتهم المرحلة الإستعمارية ، والذين عادة ما يستمرون في الحكم من المهد إلى اللحد ، ويورثون هذا الحكم لأولادهم من بعدهم ، بغض النظر عن مدى أهلية أو أحقية أو عمر هؤلاء الأولاد ، بل وحتى بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي السائد ، أكان هذا النظام أميرياً أو ملكيا او جمهوريا أوحتى جماهيريأ .
وكما ان الإبداع الفردي والجماعي لايرى النور ، ولا ينتعش ويترعرع إلا في جو من الحرية ، فكذلك الحزب السياسي فإنه لايمكن ان يكون انعكاسا صادقا وأمينا عن الحالة الإجتماعية والسياسية التي أفرزته ، إلاّ إذا كان المناخ الإجتماعي الذي يعيش ويتنفس فيه هذا الحزب هو مناخ ديمقراطي، وإلا فسيتحول الحزب نفسه إلى جزء من الإشكالية الإجتماعية السياسية التي استلزمت وجوده بدلا أن يكون جزءا من حل هذه الإشكالية .
6.
إن تجاوز الحزب السياسي لجرثومة الإنقسامين ، العمودي والأفقي ، اللذين أشرنا إليهما أعلاه ، لايمكن أن يتم ـ من وجهة نظر الكاتب ـ إلا بقبوله الطوعي ، المبني على قناعات حقيقية معلنة ومثبتة في أدبياته الرسمية في :
ــــ أن يكون حزبا وطنيا ، أي أن تكون منطلقاته النظرية ونظامه الداخلي موجها إلى كافة أبناء الأمة / الوطن /الدولة التي انبثق منها ، والتي يعيش في كنفها ، ويكون لهم حق الإنتساب و/ أو الإنسحاب إلى / من هذا الحزب ، علما أن تعبير كافة أبناء الأمة إنما يشمل كلا من الرجال والنساء على حد سواء . ومن غير هذه الخاصية يكون الحزب حزبا انعزاليا او انفصاليا أو عنصريا أو أعرجاً، وهو لايستحق بالتالي ان يوصف بالوطني والوطنية .
ـــ أن يكون حزبا ديمقراطيا ، سواء تعلق الأمر بالحياة الداخلية الخاصة بالحزب ، أو تعلق الأمر بموقف الحزب من المسألة الديمقراطية بصورة عامة ، سواء على المستوى الوطني أو القومي أو العالمي . إن مفهوم الديمقراطية الذي ينبغي على الحزب السياسي أن يتبناه في مواقفه وفي أدبياته ، لابد أن يعني ويشير دونما تاتأة أو التباس إلى مايلي :
>القبول بالرأي الآخر ، وحل كافة الخلافات السياسية والأيديولوجية معه في حال وجودها، بالحوارالسلمي ، أي بالتي هي أحسن ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ،وجادلهم بالتي هي أحسن . النحل / 125 ) . ،
>القبول بحاكمية صندوق الإقتراع ، وبالتالي بمبدأ خضوع الأقلية للأكثرية التي يوصلها الناخبون(إلى سدة الحكم شريطة أن تكون هذه الإنتخابات نزيهة وشفافة وأخلاقية ،
>التبادل الديمقراطي لللقيادات الحزبية ، ، والذي يمكن أن يكون الممر الإجباري للتبادل السلمي ـ الديمقراطي للسلطة على المستوى الوطني .
إن كافة المهتمين بالشؤون السياسية والحزبية يعرفون أن عددا من مؤسسي بعض الأحزاب العربية الوطنية أو القومية أو الماركسية قد استمروا على رأس أحزابهم ، إما حتى وفاتهم ، أو حتى وفاة أحزابهم ، أو حتى موت الطرفين معا ، بل إن بعضهم قد وّرث هذه القيادة إما لإبنه أولزوجته من بعده . كما وأن مثل هؤلاء القادة هم الذين وّرطوا أحزابهم بدعم الأنظمة الديكتاتورية في بلدانهم وربطوا مصيرهم الشخصي ومصير هذه الأحزاب مع مصير تلك الأنظمة المرفوضة من الغالبية الساحقة من أبناء الشعب بل ومن غالبيةأعضاء تلك الأحزاب التي يرأسونه .
7.
إن التعددية الحزبية في ظل الديمقراطية ، عادة ما تعني وجود حزب أو أكثر في السلطة ، وحزب أو أكثر في المعارضة ، الأمر الذي يمكن أن يترتب عليه صراع غير موضوعي ، مكشوف أو مستتر بين الطرفين ، صراع من النوع الذي أطلق عليه عالم الإجتماع الألماني كارل مانهايم ، صراع بين الأيديولوجية والطوباوية ، حيث يظل المجتمع يدور في حلقة الوعود الكبيرة لأحزاب اليوتوبيا
( أحزاب المعارضة ) والإنجازات المتواضعة لأحزاب الأيديولوجيا ( الأحزاب الحاكمة ) .
إن مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل برأينا ، الضلع الثالث في مثلث : السلطة ، الأحزاب السياسية ، مؤسسات المجتمع المدني ، إنما تمثل عملياً الثلث الضامن ، والمخرج الشعبي السليم من الأزمة السياسية والخلقية التي تعيشها سواء ديمقراطيات التبادل الشكلي للسلطة ، أو ديكتاتوريات احتكار السلطة وتوريثها .
8.
وبما ان سورية ( ذات الحزب الواحد والرجل الواحد !! ) تأتي في المقام الأول من اهتمامات الكاتب بما هو مواطن عربي سوري مشرّد ، فإنه يرى ــ من موقع الناصح ــ أن على حكام دمشق الفعليين ، أن يعيدوا النظر في سلوكهم الفئوي الذي لم يعد خافيا على أحد ، وأن يعيدوا الاعتبار للشعب ولمنظمات المجتمع المدني ولربيع دمشق الذي اغتالوه عام التوريث ، وللربيع العربي الذي يغتالونه كل يوم وكل ساعة ولا سيما بعد 18.03.2011.
إن إعادة الإعتبار لربيع دمشق وللربيع العربي السوري ،ولا سيما للحرية و الديموقراطية وكل المبادئ والقيم الكبرى التي تم اغتصابها قبل أكثر من نصف قرن من قبل حافظ الأسد وعصابته ، والتي تابعت ميغ بشار ومدفعية ماهر، وسوخوي بوتن ، وعمامة ولي الفقيه وأتباعه تدميرها والقضاء عليها .بات مطلب الأغلبية الساحقة من الشعب السوري ، بل ومن كل الشرفاء في هذا الكوكب .إن المطلوب اليوم من كافة الشرفاء في نظام عائلة الأسد نفسه ، وعلى رأسهم كبار الضباط الذين جاؤواببشار إلى الحكم ، أن يعودوا إلى ضمائرهم وإلى شعبهم وأمتهم ، وأن يلقوا بهذا القاتل والخائن في نهر قويق ، الذي وجد المواطنون السوريون فيه قرابة خمسين جثة ملقاة فيه وهي مقيدة الأيدي والأرجل .إن العين بالعين والسن بالسن هي سنة الله في خلقه ، وإن الله والشعب يمهلان ولا يهملان ، والبادئ أظلم .
9. الملحق
وسوم: العدد 799