طه حسين كبيرهم الذين علمهم السحر

 تبدأ حكاية السحر مع المستشرقين (Orientalists) صانعي "السحر الأسود" وهم الباحثون الغربيون الذين توجهوا لدراسة الحضارات الشرقية، ولاسيما الإسلام، فقد حفلت دراساتهم وبحوثهم بالحقد والتحامل على كل ما هو إسلامي، وقد أدركوا أن أفكارهم وشبهاتهم ضد الإسلام لن تجد لها سوقاً بين المسلمين باعتبارها بضاعة أجنبية، ففكروا بأن يحمل عنهم هذه البضاعة واحد من المسلمين ليكون مقبولاً من المسلمين، وقد وجدوه في طه حسين (1889 – 1973) الذي كان يدرس في السوربون بباريس، فقد وجدوا فيه ضالتهم، إذ وجدوه لا أعمى بصر فحسب، بل أعمى بصيرة أيضاً، فقدموا له الطُعم، فالتقطه دون مناقشة، وتبنى طروحاتهم ومقولاتهم بأكثر مما توقعوا، كما نجده مثلاً في الدعوة إلى السير على دربهم بلا تحفظ، حيث قال : (علينا أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يُكره، وما يُحمد منها وما يُعاب) انظر كتابه : مستقبل الثقافة في مصر ، ص 41 .

 ولم يكد طه حسين يعود إلى الوطن حتى بدأ نشر شكوك المستشرقين حول التراث العربي الإسلامي؛ فنشر كتابه سيء السمعة ( في الشعر الجاهلي) عام 1926 الذي أثار فيه الشك بحقيقة الشعر الجاهلي، ليثير من خلاله الشك بالتراث الإسلامي، متبعاً في هذا "مبدأ الشكّ" الذي ينسب إلى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596 - 1650) وقد بنى طه حسين شكه بالشعر الجاهلي على عدم وجود مخطوطات تثبت حقيقة هذا الشعر، وأنه شعر يشابه لغة القرآن الكريم، مما يدل – حسب طه حسين – أنه شعر كتب بعد الإسلام، وليس شعراً جاهلياً، وبهذه الشكوك وغيرها أثار طه حسين الشكوك حول التراث، فزرع البذور الشيطانية الأولى في الشك بالتراث، وشجع التلاميذ الذين جاؤوا من بعده لكي يزرعوا المزيد من هذه البذور، ويخلعوا المهابة والتقدير لتراث أمة بني على كتاب الله وسنة نبيه .. تراث اعترف البعيد قبل القريب بعظمته وثرائه وفضله على التراث العالمي الذي استقى منه الكثير !

 واليوم .. بعد رحيل طه حسين .. نجد أعماله تغري حفنة من الجهلة والمغرضين فراحوا يحتذون حذوه، في إثارة الشك بالتراث، تارة تحت ستار الحداثة والعلمنة، وتارة تحت دعاوى تجديد الإسلام؛ مؤكدين بهذا الاتباع لطه حسين أنه كبيرهم الذي علمهم السحر !

 وإذا كان طه حسين قد بنى شكه بالنصوص الجاهلية على عدم وجود مخطوطات تثبت حقيقة تلك النصوص، فإن الشاعر السوري "أدونيس" تجاوز قضية المخطوطات وانتقل مباشرة إلى الشك بالنصوص نفسها في عام 1973 في كتابه (الثابت والمتحول) الذي فجر فيه ألغام طه حسين جملة واحدة ؛ فأدونيس لم يشك بمخطوطات النصوص، بل شك بالنصوص نفسها، رافضاً اتباع النصوص جملة وتفصيلاً، بحجة الإبداع، مدعياً أن الثقافة العربية، بشكلها الموروث السائد - يعني الإسلامي - ثقافة لا تكتفي بالاتباع وعلله، وإنما ترفض الإبداع وتهينه، ومن هنا يرى أن هذه الثقافة عاجزة عن تحقيق أي تقدم حقيقي، وأن العربي لا يمكن أن يبدع ما لم تتهدم البنية التقليدية السائدة للفكر العربي !

 وبهذا العمل الذي بدأه طه حسين بالشك في النصوص، وأكمله أدونيس بالخروج على النصوص، تمت دائرة السحر الأسود الذي أسسه المستشرقون، وراح هذا السحر يواصل تخريبه بإثارة الشكوك حول كل ما هو إسلامي؛ واستمر تفريخ السحرة الصغار أدعياء الفكر والثقافة ليكملوا هدم ما لم يسمح العمر لطه حسين أن يهدمه، فظهر مؤخراً تلميذ الشيطان "يوسف زيدان" الذي طرح سلسلة من الشكوك بثوابت الإسلام القطعية بدأها بالشك في قصة الإسراء والمعراج الثابتة بنصوص قطعية في القرآن الكريم والسنة، ولم يتوقف عند هذه السقطة المدوية، بل تابع شكوكه وأوهامه، فشكك بحقيقة المسجد الأقصى، مقدماً بهذا الشك هدية مجانية للكيان الصهيوني !

 وهكذا نجد طه حسين قد فتح للمغرضين وطالبي الشهرة ثغرة واسعة، مازالت تتسع يوماً بعد يوم، مستفيدة من الدعم غير المحدود الذي تقدمه الأنظمة العربية العميلة للحداثة الغربية المعادية للإسلام !

وسوم: العدد 801