أول خطوة نحو نهضة إسلامية حقيقية هي التخلص من وهم الشعور بالدونية
أول خطوة نحو نهضة إسلامية حقيقية هي التخلص من وهم الشعور بالدونية أمام حضارة غربية مادية مفلسة القيم
غالبا ما يخوض مفكرون وعوام في حديث صار ممجوجا ،وكل يدلي فيه بدلوه ، ولكنهم جميعا يدورون حول قضية واحدة وهي التعبير عن الشعور بالدونية أمام حضارة الغرب التي يطيلون في الثناء على تطورها المادي والتكنولوجي ، ويمرون مرور الكرام على إفلاس قيمها .
ومن كثرة ترديد وتكرار الحديث عن الشعور بالدونية أمام الحضارة الغربية لدى الإنسان المسلم خصوصا الذي يعيش فوق رقعة العالم العربي ركبته عقدة مستعصية على الحل حتى صار مستلبا مغلوبا على أمره قد نال منه اليأس ، يرى أن غاية الغايات هي أن يدرك شيئا من التطور المادي والتكنولوجي الذي أدركه الإنسان الغربي .
ويوميا يتداول الإنسان المسلم في الوطن العربي فيديوهات ورسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تكرّس شعوره بالدونية أمام حضارة الغرب المادية التي أفلست على مستوى القيم ، فيستعرض بانبهار كبير أحدث المخترعات الغربية ويرفق ذلك بالحديث عن افتقارنا إليها باستهزاء وسخرية لا يخلوان من مرارة تعكس مدى شعوره بعقدة الهزيمة.
ومع أن الواقع المعيش يثبت بشكل واضح لا غبار عليه إفلاس الحضارة الغربية على مستوى القيم ، فإن الإنسان المسلم الذي يعاني من عقدة الشعور بالنقص أمام هذه الحضارة لا يلتفت إلى هذا الإفلاس، لأنه يوجد تحت تأثير الانبهار بالجانب المادي من هذه الحضارة .
فهل يحتاج الإنسان المسلم في الوطن العربي على وجه الخصوص إلى دليل على إفلاس القيم في الحضارة الغربية بعدما سمع ورأى رئيس أقوى دولة غربية يمارس السرقة والابتزاز المكشوفين على دول الخليج البترولية متوعدا ومهددا على طريق أفلام رعاة البقر، ويصفق له مواطنوه بحرارة لأنه يعدهم بأن المسروقات الخليجية ستصنع رفاهيتهم ؟ فهل يوجد إفلاس للقيم كهذا الإفلاس في بلد متطور تكنولوجيا و لكنه متخلف أخلاقيا ؟ ولم يقف الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكي عند حد ابتزاز دول الخليج عن طريق تهديدها بل بلغ به الأمر حد السكوت عن جريمة بشعة حاول الدفاع عمن يتحمل مسؤولية ارتكابها مقابل رشوة لأن قيم الحضارة الغربية مفلسة بسبب تقديمها المصالح المادية على القيم .
ومع أن الدليل دامغ على إفلاس هذه الحضارة الغربية ، فلا زال الإنسان المسلم في الوطن العربي من خليجه إلى محيطه يردد ما يدل على شعوره بالانبهار بحضارة مفلسة القيم .
ولقد تابعت فيديو لأحدهم ربما يكون مفكرا أو داعية يلوم فيه المسلمين على انفاق وقتهم في شتم الغرب وقارن بين موقفهم هذا وموقف اليابانيين ، وزعم أن هؤلاء حين ضربوا بقنبلتين نوويتين لم يصرفوا وقتهم في شتم من ضربهم بل أخذوا يتساءلون عما ارتكبوه حتى عوقبوا ذلك العقاب ، وأنهم تساءلوا عن كيف وصل من ضربهم إلى صنع القنبلتين ، وأنهم صرفوا وقتهم في التفكير في اللحاق بمن ضربهم بينما لا يبذل المسلمون أي جهد لإدراك الركب الحضاري بل يصرفون وقتهم في شتم ما يتفوق عليهم تكنولوجيا . لا أحد يناقش صاحب هذا الكلام في أنه لا فائدة من صرف الوقت في شتم العدو المتفوق ، وعوض ذلك يحسن التفكير في بلوغ ما بلغه للتخلص من عدوانه وتهديده . والذي أريد إثارة الانتباه إليه هو أن هذا العدو المتقدم علينا لا يدخر جهدا في وضع كل العراقيل في طريقنا لمنعنا في السير نحو نهضة حقيقية ، وذلك من خلال منعنا من اختيار قياداتنا بحرية وديمقراطية ، مع فرض أنظمة خاضعة له علينا تسوسنا وفق إملاءاته وأجنداته . وهو ما لم يفرض على اليابانيين أو غيرهم من الشعوب التي تخطت وضعيات كانت عليها تشبه ما نحن عليه اليوم .
لقد عاقب الحلفاء ألمانيا النازية كما عاقبوا اليابان ولكنهم لم يفرضوا عليهما الحصار المضروب علينا ، فاستعادتا في وقت وجيز عافيتهما بينما سدت الآفاق في وجهنا ، ونشر الغرب الخراب في بلادنا كما وقع في العراق وسوريا وغيرهما .
ومن أجل الخطو الخطوة الأولى لا بد أولا من التخلص من الشعور بالهزيمة الذي نشعر به أمام هذا الغرب المتوحش والذي يريد أن نظل على ما نحن عليه من فقدان الثقة في الذات ، والاقتناع بأن هذا الذي نحن عليه قدر لا مفر منه .
ويوم يتخلص الإنسان المسلم من عقدة الشعور بالهزيمة ، والانبهار بحضارة الغرب المادية والمفلسة أخلاقيا سيجد طريقه إلى بناء حضارته الراقية أخلاقيا والتي ستقود العالم لا محالة كما قادته من قبل أمام انهيار حضارة مادية بلا أخلاق .
وسوم: العدد 802