هل يجب على السياسي أن يكون ضَبّاً، يَدخل من القاصِعاء ، ويَخرج من النافقاء؟
تروى طرفة ، عن أحد الحُجاج ، أنه رجَمَ إبليس ، ملثّماً ! وحين سُئل عن السبب ، قال: لاأحبّ أن يعرفني ، فقد أحتاجه ، يوماً ما !
ويقال : فلان يَحفظ خطّ الرجعة !
ويقول أحد الشعراء ، عن الرجل المصمّم :
أمّا الطُرفة ، الواردة ، أعلاه ، فلا تخرج ، عن كونها طرفة ، تعبّر عن نفسيات بعض الناس، وعن طرائق تفكيرهم !
لكن السؤال ، هو : هل ثمّة تناقض ، بين حفظ خطّ الرجعة ، وبين التصميم ، الوارد في بيت الشاعر، لدى الرجل ، الذي لا يبالي بالعواقب ؟
والجواب ، ببساطة ، هو: لا ؛ فلكلّ حالة لبوسها ! حفظُ خطّ الرجعة ، من الحكمة ، أو الحصافة ؛ إذا لم يكن فيه نفاق ، أو إيذاء لأحد ، أو إخلال بخُلق نبيل !
وتنحية التفكير بالعواقب ، في حالة التصميم ، على فعل ما .. تُعَدّ ، كذلك ، من الشجاعة ، التي لايشوبها تردّد ، أو تفكير : بالهزيمة ، أو بالتراجع ، أو بالخوف ، الصارف عن تحقيق الهدف !
وما ورد ، كلّه ، لا صلة له ، بالتلوّن السياسي ، وارتداء الأقنعة المختلفة ، ومواجهة كلّ شخص بقناع ، والتسلّح بألسنة كثيرة ، والحديث في كلّ موقف ، بلسان يُعجب السامع .. والتراجع ، عن التصريحات المثبتة ، في وسائل الإعلام ؛ حين تثير ردّة فعل غاضية ، لدى جهة ، ذات وزن .. وادّعاء : أنّ التصريح ، فُهم على غير وجهه .. أو: ثمّة خطأ ، في ترجمته .. أو غير ذلك ، من الأعذار، التي تدفع الحرج ، عن السياسي !
فهذا ، كلّه ، يُعَدّ ، من أبواب النفاق ، ولا صلة له ، بالحديث الشريف ، المتضمّن : الحكمة، والحصافة ، وحسن معاملة الناس : خاطِبوا الناسَ على قدر عقولهم ..!
أوّل ماظهر النفاق ، في مواجهة المسلمين ، ظهر في المدينة المنوّرة ، لدى بعض الأفراد، الذين تأثّروا باليهود ، نتيجة للمجاورة الطويلة ، والمعاملة الكثيرة !
وقد كشف الله ، أساليب اليهود ، في معاملة المسلمين ، ومنها :
( وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمِنوا بالذي أُنزلَ على الذين آمَنوا وجهَ النهار واكفُروا آخرَه لعلّهم يَرجعون ) !
كما كشف القرآن ، أساليب المنافقين ، في التعامل مع المسلمين ، تعاملاً ، هو أقرب ، إلى الحرب ، منه ، إلى التعامل الاحتماعي الصحيح ، مع أنّهم يدّعون الإسلام ، ويتظاهرون به؛ فتعاملهم ، كله : نابع ، من الحقد والبغضاء ، ومشحون بالدسّ ، والتآمر الخبيث ، ونشر الأكاذيب .. والإرجاف بين المسلمين ، وتثبيط عزائمهم !
وقد وردت تسمية المنافقين ، بهذا الاسم ، في القرآن الكريم ، وفي الحديث الشريف .. كما ورد الكلام ، عن بعض أفعالهم ، وصفاتهم !
ويبدو، أن ساسة اليوم ، في العالم ، قد تتلمذ أكثرهم ، على شيخ المنافقين ، عبدالله بن أُبَيّ ين سلول ! بَيدَ أن منافقي اليوم ، يملكون ، من أدوات نشر النفاق ، ووسائله ، مالايملك القدماء.. ولديهم ، من الأساليب ، ماليس لدى متقدّميهم ، وأساتذتهم !
ويبقى أن نشير، إلى معنى القاصعاء ، ومعنى النافقاء ؛ فنقول : القاصعاء هي البوّابة الأولى، الأمامية المعروفة ، للضبّ ، التي يدخل منها ، إلى جحره .. والنافقاء : هي البوّابة الثانية، الخلفية ، غير المعروفة ، التي يخرج منها ، حين يتعرّض ، لخطر المداهمة ، ومن هنا ، جاء مصطلح النفاق !
ومعلوم ، أن النفاق ، بين الناس ، لايكون من المكر الحسن ، أبداً ، فهو : من المكر السيّء، في سائر أحواله ! والمكرُ السيّء لا يحيق ، إلاّ بأهله ! أمّا سلوك الضبّ ، في اتّباع الأساليب، التي يحقظ بها حياته ، فهو من الغريزة ، التي وضعها الله ، فيه .. وهو من المكر الحسن ، إذا صحّت تسميته مكراً !
وسوم: العدد 804