احتفال البشرية باليوم العالمي للغة العربية
احتفال البشرية باليوم العالمي للغة العربية يجب أن يكون بمناسبة حلول اليوم الذي نزلت فيه أول آية من الرسالة السماوية الخاتمة الموجهة إليها
هل كان على لغة القرآن الكريم أن تنتظر قرونا طويلة إلى أن حل يوم الثامن عشر من شهر دجنبر سنة 2012 ليصير يوما عالميا خاصا بها ؟
إن الذين قرروا ذلك اليوم يوما عالميا للغة العربية ما قدروها حق قدرها ، وقد رفع الله عز وجل من شأنها ،وشرفها إذ جعلها اللغة الناقلة لرسالته الخاتمة للعالمين . وكان من المفروض أن يكون اليوم الذي يحتفى فيه بها كلغة عالمية ،هو اليوم الذي نزلت فيه أول آية من القرآن الكريم، لأن ذلك كان بمثابة شهادة من الله عز وجل على أن هذه اللغة قد اختارها سبحانه وتعالى لمخاطبة الناس كافة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم . وما اختار الله عز وجل اللغة العربية لنقل رسالته الخاتمة للبشرية إلا لأنها وحدها المؤهلة لنقل كلامه سبحانه وتعالى نقلا دقيقا أمينا خصوصا وأن رسالته في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة للعالمين ،ذلك أن فهمها واستيعابها باللغة التي نزلت بها ضرورة ملحة لحسن تطبيق ما فيها من توجيهات إلهية تتوقف عليها سعادة أوشقاء البشر في عاجلهم وآجلهم .
لقد كانت اللغة العربية قبل حلول موعد الرسالة الخاتمة لغة أهل بداوة حياتهم في غاية البساطة، لا تتطلب معجما طويلا عريضا ليلم بما في تلك الحياة التي كانوا يحيونها ،علما بأنه لم يكن فيها من الأشياء والأمور ما يقتضي كثرة المفردات والتعابير ، لهذا كانوا يعددون أسماء الشيء الواحد ،فيسمونه حسب ما يكون عليه من أحوال مختلفة ، وهو خاصية من خصائص لغتهم . ولعلم الله عز وجل بما فيها من خصائص اختارها لتنقل للناس كافة كلامه ، وهو أجل وأشرف كلام لا يمكن أن تبلغه لهم إلا لغة في مستوى شرفه وجلاله ، وهي اللغة التي اختارها الله عز وجل لذلك .
ولما صارت اللغة العربية لغة الرسالة الخاتمة للعالمين، انتقلت من لغة قوم أهل بداوة إلى لغة عالمية تخاطب الناس كافة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم. ولقد أضفى كلام الله عز وجل عليها من الخصائص ما لم يصل إليه الناطقون بها. وما اشتغل الناس بهذه اللغة إلا لفهم رسالة الله عز وجل إليهم ، ولهذا نجد جل الذين اهتموا بمعرفة هذه اللغة من العلماء كانوا ممن ليسوا عربا ، وكان هدفهم هو معرفة كنه رسالة الله إليهم بلغة ليس لغتهم الأم ، لهذا اجتهدوا لمعرفة خصائص لغة هذه الرسالة ، فكانت النتيجة هي الكشف عن بينتها ، والوصول إلى معرفة أسرار اختيار الله عز وجل لها كلغة ناقلة لكلامه الأخير للبشرية بين يدي الساعة دون غيرها من اللغات .
ومعلوم أن كلام الله عز وجل المعبر عنه باللسان العربي في منتهى الدقة يستحيل فيه الغموض أو الاستغلاق على الفهم ما دامت البشرية التي وجه إليها ستحاسب أمام خالقها حسابا في منتهى الدقة ،ولا عذر لأحد في عدم فهم هذا الكلام الذي توصله اللغة العربية بشكل واضح ودقيق دقة متناهية .
ولقد نقل الله عز وجل للبشرية كافة كلام أجيال سابقة مترجما إلى لغة الرسالة الخاتمة بدقة متناهية كما قيل في لغات تلك الأجيال بل نقل لنا حتى كلام مخلوقات أخرى من غير بني آدم كالجن والطير والنمل والسماوات والأرض ، ونار جهنم ... إلى غير ذلك من الكلام المحكي عن تلك المخلوقات في كتاب الله عز وجل .
وقد يقول قائل إن الكلام المحكي عن الأقوام السابقة وعن المخلوقات غير البشرية في القرآن الكريم يمكن ترجمته أيضا إلى مختلف اللغات ، والجواب أنه لن يكون بالدقة التي جاء بها في اللغة العربية ، فقول الهدد أو النملة أو السماوات والأرض أو جهنم بلغة القرآن الكريم لن تبلغ دقته ترجماته إلى لغات أخرى، علما بأن الترجمات مهما تحرى أصحابها الدقة ، فستبقى بمثابة الظلال للأشياء تحاول محاكاتها دون أن تبلغ درجة تصوريها كما هي على حقيقتها أو لنقل هي بمثابة صور لها مهما تطورت تقنيات التصوير، ولكنها في النهاية ليست هي بل مجرد صور ، فهكذا كلام الله عز وجل له تفاسير وتأويلات هي بمثابة ظلال وصور تحاول تقريب مراده دون أن تبلغ دقة تعبيره عنه باللسان العربي الذي وصفه سبحانه وتعالى باللسان المبين ، وهي شهادة منه بدقة بيانه لكلامه .
إن تنزيل اللغة العربية منزلة غيرها من اللغات عبارة عن عدم تنزيلها المنزلة اللائقة بها . ومعلوم أن تنزيلها تنزيل غيرها من اللغات إنما يصدر عن الذين يريدون تجريدها من شرف تعبيرها عن كلام الله عز وجل ، وهو شرف لا ينفك عنها أبدا . ومعلوم أن استهدافها بالتنقيص منها إنما يصدر عن الذين يرفضون الرسالة الخاتمة، ذلك أن اعتبار اللغة العربية مجرد لغة كباقي اللغات أو هي دون ما يسمى اليوم باللغات الحية ،وفي هذا الوصف ما فيه من تلميح بأن اللغة العربية لغة ميتة مقابل الحيات من اللغات عبارة عن محاولة يائسة لصرف أنظار البشرعن كلام خالقهم جل وعلا ، لهذا نجد كثيرا من الذين يعتنقون دين الإسلام من غير الناطقين بالعربية لا يصل أغلبهم إلى ذلك إلا بعد معرفتهم بلغة القرآن التي توصل إليهم بدقة ما أراد الله عز وجل أن يبلغه إليهم .
ومن أشكال تنزيل اللغة العربية منزلة باقي اللغات لفصلها عن الرسالة الخاتمة أن يخصص لها يوم من الأيام كما يخصص لغيرها من الأمور التي يراد لفت الأنظار إليها ، والأدهى من ذلك أن ينبري الذين يعادون هذه الرسالة الخاتمة للنيل من لغتها تجريحا واتهاما وافتراء... قصد الاستنقاص من شأنها لتصير كباقي اللغات بل لتصير عندهم حتى اللهجات المنبثقة عنها وهي عالة عليها وغيرها من اللهجات الأخرى أفضل منها ، تزاحمها بل تضايقها ، وتحاول الحلول محلها كما تحاول أن تفضلها وتتقدم عليها متجاهلة شرف نقلها لكلام الله عز وجل ، وهو أهم ما يجب الاهتمام به في هذا الوجود .
ويركب أصحاب التوجهات الطائفية المتطرفة ومختلف التوجهات الإيديولوجيات التي تناصب الرسالة الخاتمة العداء أهواءهم ، فلا تفوتهم فرصة لا ينالون فيها من لغة القرآن الكريم ، والافتراء عليها لجهلهم المركب بها حتى أن بعض المتعصبين عرقيا يرون أنها مجرد لغة محتل احتل أرضهم على حد زعمهم ، وأن من يتحدث بها يجب أن يرحل عن أرضهم ، وأن لغته يجب أن تموت وتنتهي وتحنط ،لأنهم لا يقرون برسالة الله عز وجل للناس كافة والتي نقلتها لهم اللغة العربية .
فمتى سيفكر المؤمنون بالرسالة الخاتمة بمن فيهم الذين يتبنون الدفاع عن اللغة التي نزلت بها في البحث الجاد عن تاريخ نزول أو آية من تلك الرسالة ليكون يوما عالميا لها عوض هذا اليوم الذي قررته جهة ليست الرسالة الخاتمة من اهتماماتها ،وهي تعتقد أنها غير معنية بها ، وأنها لا تلزمها؟ وإذا ما خصص يوم معين للغة هذه الرسالة ، فسيكون بالضرورة هو اليوم العالمي لهذه الرسالة . وحين تلتفت البشرية إلى هذا اليوم، فسيكون لها شأن آخر ، وسيقع في حياتها تغيير جذري ينقلها من ظلمات الضلال إلى نور الهداية قبل أن تأتي النهاية والنهاية أدهى وأمر .
وسوم: العدد 804