الأخْلاقُ .. وَ التَّحْضرُ الآمِنُ
تتربَّعُ البشريَّة اليَومَ على عَرْشِ مُنْتجاتِ ابتكارات وإبداعات التِقنيَّات المعاصرة.. وتحت هذا العرش الجميل المهيب تتدفق أنهارٌ مِنَ دماءِ وآثار الهلاك والدمار .. وتجتاح المجتمعات سيول وفيضانات تزدحم بجماجم وأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ .. أجل عرشٌ يحملُ من فوقه مظاهر الحياة والبهجة والسرور.. ومِنْ تحته ألوانٌ مفجعةٌ مِنَ العذاب والرعب والخوف والإرهاب.. والأكثر رعباً وخوفاً أنَّ ما تحت عرش الابتكارات والإبداعات من هلاك آخذ بالمزيد من التوحش والرعونة والحماقات التقنيَّة والسيَّاسية .. ممَّا يهدد بزعزعة أركان هذا العرش ويدمر قواعده ويطيح بكيانه.. ومعظم النَّاس ماضون في غفلتهم وسكرتهم في نشوة الاستهلاك والاستمتاع .. وما ذاك إلا بسبب انتكاسة وربَّما غياب الأداء الأخلاقي والوازع الوجدانيِّ .. حقاً إنَّ المسيرةُ البشريَّةُ اليَومَ تعاني مِنْ وباء عبثيَّةِ إنتاجٍ تِقَنيٍّ أرعن .. يسيرُ على غَيْرِ هُدىً أخلاقيِّ وبغير ضابطٍ وجدانيِّ .. خللٌ في الإنتاج وخللٌ في الأداء ..عبثيَّةٌ ورعونَةٌ في التِقَنيَّةٍ ..وعبثيَّة وحماقات ورعونات في الأداء السياسيِّ .. وإليكم أنماطاً مِنْ شهادات صُنَّاعِ الأداءِ السيَّاسيِّ في التاريخ المعاصر ..يقول الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت :" ليس ما نملك هو المهم لكي نكون دولة عظيمة .. إنَّما المهم هو الطريقة التي نستخدم بها ما نملك ". ويقول الرئيس الأمريكيِّ نيكسون : " لقد خطا تقدمنا التكنولوجيِّ في القرن العشرين خطاً أكثر بكثير من تقدمنا الأخلاقي.. الأمرُ الذي ينبغي ألا ندعه يتكرر في القرن القادم من أجل أنْ نعيش والعالم بأمنٍ وسلامٍ ". أمَّا الرئيس السوفيتي الأسبق ميخائل جورباتشوف يقول : " نحن وأمريكا نملك من المخزون النوويِّ ما يكفي لتفجير الأرض عشر مرات..؟!" وهنا أقول : لو اتفق النَّاس على مثل هذه الحماقة .. فهل هم بحاجة لتفجير الأرض أكثر من مرة ..؟؟؟! فلماذا هذه العبثيَّةِ في الإنتاج التقنيِّ ..؟؟؟ ولماذا هذه العبثيَّةِ والحماقة في الأداء السيَّاسيِّ ..؟؟؟! وبعد أما آن الأوان لإيجاد ميثاق أخلاقي تقنيِّ سياسيِّ يضبط الأداء البشريِّ ويرشده نحو مسيرة تَحْضُّرٍ أخْلاقيٍّ آمنٍ ..؟؟؟
وسوم: العدد 806