أعودٌ إلى عَالَمِ الحُصونِ والأبْوابِ المُؤصَدةِ ..؟!
كان العالمُ القديمُ ..عالم مجتمعات متقاطعة معزولة .. مجتمعات خائفة مرعوبة يخشى بَعْضُها بعضاً .. مُجْتمعاتٌ مَحبوسةٌ وراءَ جُدرِ الحُصون والقلاع ذات أبوابٍ مُغلقةٍ مؤصدةٍ ..تغيب عن الحياة مع غياب الشمس تُغْلِقُ أبوابَها .. ويَسهرُ حُرَّسُها تَخوفاً وحذراً منْ أيَّ عدوانٍ يباغتهم لِيصدوه ويجنِّبوا مجتمعهم من عدوانه وتوحشِّه .. وهكذا ينامون مع نوم الشمس ويصحون مع صحوها وتَنفّسِ فَجرِها.. التاريخ ساق لنا أنباء وأخبار ذاك العالم الخائف المرعوب.. والقرآن الكريم أكدَّ لنا حالة الرعب التي كانت تعيشها تلك المجتمعات المتقاطعة المُتدَابرةِ المتحاربةِ .. فقال الله تعالى : "قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ". وهاو سور الصين العظيم من حيث هندسة بنائه وإعجاز إنشاءاته .. لَهو سور عَارٍ وخيمٍ شَنيعٍ من حيث مفاسد بواعث إشادته ومبررات وجوده .. وجاء الإسلام فأحدث نقلة وتحولاً جذرياً وأساسياً في مفاهيم النَّاس وثقافاتهم .. فانتقل بهم من قوميَّة الأديَّان إلى عالميَّة الإسلام .. ومن العُزلة والتَّقاطعِ إلى التَواصل والتعارف والتفاهم ..ومن احتكار الخير والمنافع .. إلى أنْسَنَةِ وعُولَمةِ الخير والفضائل والتنافع .. ومن ثقافة الحروب وعسكرة العلاقة الدوليَّة ..إلى ثقافة الحُب والمُودة والأمن والسلام .. ومن ثقافة الاحتباس وراء الحصون والقلاع .. إلى ثقافة الانفتاح والتعايش والتعاون والتنافس في فعل الخيرات والتنميَّة والازدهار .. وما الفُتوحَاتُ الإسلاميَّةُ ذاك النهج الربَّانيِّ المعرفيِّ الراشد.. التي - للأسف - قُدِّمت إلى الثقافات والمعارف البشريَّة تقدمةً جائرة ظالمةً حتى من أبناء جلدتها .. فأصبحت تُعرف وتُوصف بأنَّها غزواتٌ عَسكريَّةٌ لفرض الإسلام والهيمنة على باقي الأمم ..؟! والحقيقة غير ذلك على الإطلاق .. يتبع بعون الله تعالى
وسوم: العدد 806