أزمة مصطلحات .. وأمة أمة -2
والوسط في اللغة: المكان الواقع بين غيره من الأمكنة.. أو الشيء المحاط بأشياء أخرى.. فبهذه الإحاطة يكتسب المكان والشيء معنى الوسط.. وواسطةُ العقد موضعُ أكبر وأنفس وأجمل لؤلؤة أو جوهرة فيه.. ومن هنا تأتي معاني النفاسة والعزة والمكانة والخيريَّة لأمة الوسط .. وعلى أساس من ذلك أحسب أن عبارة " وسطًا " هي مصدر مصطلح " الوسطيَّة" وهي تحمل دلالات غزيرة وثرية.. ما ينبغي اختزالها بواحد من دلالاتها الجليلة .. على حساب باقي معانيها ودلالاتها الموسوعية ومنها:
الحضور والتواصل والتعايش بخيريَّة بين النَّاس. المنافسة والمشاركة الفاعلة بأحداث حركة الحياة البشريَّة. العزة والمكانة والقوة والمهابة بين الأمم. الكفاءة والمهارة والإنتاج والإبداع في ميادين الحياة. العدالة في الأداء والسلوك مع الناس دون تمييز. سداد الرأي ورجاحة العقل والحكمة في إدارة العلاقة مع الآخرين.7. والرشد في التدّين والتعبّد والسوك.
فبهذه الخصائص وغيرها.. تكون الأمة المسلمة أمة وسطًا . لا تنحاز لأمة على حساب أمة أخرى.. فهي على مسافة واحدة من الجميع.. يقربها منهم العدل ويبعدها عنهم الظلم .. تنتصر لقدسية حياة الإنسان, وكرامته, وحريته, وممتلكاته دون تمييز.. منهجها عادل محايد بشريًا.. لا ينتصر لأحدٍ على أحدٍ إلا بالحق.. ومنهج محايد جغرافيًا.. فهو للشمال والجنوب وللشرق والغرب على السواء.. فهو منهج عمارة الأرض بكل أطرافها وجهاتها.. وهو منهج محايد اقتصاديًا.. لا ينتصر للأغنياء ضد الفقراء.. ولا يتعاطف مع الفقراء على حساب الأغنياء.. ولا يشجع الصنّاع ويخذل الزرّاع.. ولا يبارك جهد الزرّاع ويبخس كدح الصنّاع ..ولا يحابي التجار على حساب مصلحة المستهلك.. ولا ينحاز للمستهلك ضد مصالح التجار.. فهو للجميع إنصافًا وعدلاً.. وهو منهج محايد سياسيًا.. يؤاخي بين الحاكم والمحكوم يأمرهم بالتناصح والتشاور والتعاون لتحقيق العدل والمصالح والأمن والاستقرار.. وهو منهج محايد دوليًا.. لا يمنح حق (الفيتو) للكبار في وجه مصالح الصغار.. ولا يدلل الصغار على حساب حقوق الكبار.. بل هو للكبار والصغار وللضعفاء والأقوياء على السواء بالحق والعدل.. وهو منهج محايد جنسيًا .. لا يتزلّف الرجال حلى حساب النساء.. ولا يتعاطف ويرق للنساء على حساب الرجال.. فهو للذكورة والأنوثة سواء بسواء. وهو منهج محايد بيئيًا.. للإنسان حقوقه وواجباته, وللحيوان حقوقه وواجباته وللنبات حقوقه وواجباته, وللمادة حقوقها وواجباتها.. فهم جميعًا خلائق مسخرة بعضها لبعض.. والجميع مسخر لعمارة الأرض, وإقامة الحياة على أساس من التكامل والتلازم بين الحقوق والواجبات.. يتبع بعون الله تعالى.
وسوم: العدد 809