الحُروفُ .. وَ الحِرَفُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

الحَرفُ والحِرفةُ :عاملان متكاملان ومتلازمان في تفعيّلِ مهام الاستخلاف في الأرض.. والحرفُ والحِرفةُ  مقومان أساسان من مقومات بناء الحضارات .. الحَرْفُ: منطلقُ ومركبُ الإنْسَانِ والشعوبِ للإبحَار في لُجج المعارف وبناء الثقافات.. والحِرْفةُ :الوسيلة الأنسب في تفعيل قدرات الإنسان ومهاراته وخبراته.. والمنهج الأقوم في تنمية فنون مرافق إقامة الحياة وعمارة الأرض ..والحِرْفَةُ هي المدخل والسبيل العملي للسياحة في ميادين الابتكار والإبداع والارتقاء.. والحرفُ هو لبنة بناء لغات العلوم والثقافات والمعارف والقيم ..والحرفة هي أداة بعث الحياة في مخرجات الثقافات والمعارف .. فالحروف بدون حِرْفٍ تبقى زينة لا أثر في حياة البشر.. والحِرْفَةُ بدون علم ومعارف ترشدها وأخلاق تضبط أداءها هي مفسدة بلا شك.. والله تعالى يؤكد ذلك فيقول:" أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ". والرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله يُحبُ العَبْدَ المُحْتَرِفَ" ويقول صلى الله عليه وسلم :"إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ". ويقولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :" إنِّي لَأَرَى الرَّجُلَ ، فَيُعْجِبُنِي ، فَأَقُولُ : هَلْ لَهُ حِرْفَةٌ ؟ فَإِنْ قَالُوا : لا ؛ سَقَطَ مِنْ عَيْنِي". فالإسلام يُحتث على الاحتراف ويمقت البطالة وينهى عنها ..لقوله تعالى: " فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" ولقوله سبحانه: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ". والأمة الإسلامية نهضت وتقدمت وارتقت وأقامت أرقى وأرشد وأنفع وأعدل حضارة في التاريخ البشري ..يومَ أن اعتنت بثقافة ومنهجيَّة العمل والاحتراف.. والمتأمل اليومَ بشأن الأمم التي نهضت وتقدمت وتطورت وأبدعت بعد ما أصابها من صنوف الدمار والهلاك الشنيع ما أصابها .. يجد أنَّها لم تفلح  بذلك إلا بسبب اعتنائها بثقافة المهنة والحرفة والاحتراف.. وبعد: فلا سبيل إلى نهوض أمتنا واستئناف مسيرتها الحضارية الراشدة من جديد.. إلا بالتحول بالأجيال من ثقافة ومنهجية الوظيفة والتَوظف.. إلى ثقافة ومنهجيَّة المهنة والحرفة والاحتراف ..والله المستعان سبحانه.

وسوم: العدد 811