الجماعة الجماعة! 2 من 3
ذكرنا في الحلقة الأولى مسوّغات العمل الجماعي، شرعاً وعقلاً.
والآن ما العوامل التي تؤدي إلى نجاح العمل الجماعي؟.
للعمل الجماعي شكل ومضمون، لا بد من مراعاتهما تجنُّباً للخطأ والضعف والزيغ، وتلمّساً للنجاح وتحقيق الثمرة.
فأما الشكل فيتحقق بوجود مجموعة من الأمور:
1- وجود نظام ولوائح، تحدد الواجبات والصلاحيات وطرائق اتخاذ القرار ونحو ذلك من الأمور التي تعني أن يصدر كل قرار في الجماعة عن أهله، وأن تكون المحاسبة والمراجعة مُمْكنتين وسائغتين.
2- الشورى، وذلك حتى لا يستأثر الفرد، أيّاً كانت وظيفته في الجماعة، برأيه. بل يمكنه أن يعرض رأيه، ويقدّم اقتراحه، وينتقد ويصوّب... ثم يجري التشاور ويتّخذ القرار وفق ما ينص عليه النظام واللوائح.
3- تقديم كل فرد وكل وحدة تنظيمية، ما عندهم من جهد وعطاء، بما ينسجم مع قرارات الجماعة وتوجهاتها، وهذا يفتح الباب للمبادرات المبدعة.
4- البيعة والانضباط والسمع والطاعة. وقد يُظنّ أن هذه الأمور خاصة بالتنظيمات الإسلامية، وذلك لورود مفردات: البيعة والسمع والطاعة، في نصوص الكتاب والسنّة، وفي الحقيقة: إنه ما من تنظيم إسلامي أو علماني إلا ويلزم أفراده بهذه الأمور، وإن اختلفت التسميات. ولعل ما يريد العلمانيون أن يأخذوه على المسلمين في ذلك، هو أن يظنوا أن السمع والطاعة تعني أن ينفرد القائد المسلم بتوجيه الأوامر، ويكون الآخرون جنوداً مطيعين. ويؤيّد ظنهم هذا أن يجدوا بعض الحكام وقد رفعوا شعارات إسلامية، ثم استبدوا بآرائهم، واستحوذوا على أموال الشعب ومقدّراته. والإسلام ليس كذلك، فإن السيادة العليا فيه هي لله تعالى، أي لكتاب الله وسنّة رسوله، ثم للشورى وهي مما سنّه الله ورسوله.
مضمون العمل الجماعي:
بتوافر الأمور الأربعة السابقة يتحقق الشكل الصحيح للعمل الجماعي. ولكن ما فائدة ذلك كله إذا لم يتوافر مضمون سليم؟. إن هذا المضمون يدور حول حقيقة أن قوام العمل الجماعي لَبِناتٌ صالحة، وروابط قوية بين هذه اللبنات.
وما دمنا نتكلم عن عمل جماعي إسلامي فسنورد هذه النقاط:
اللبنة الصالحة هي الفرد الذي عَمَرَ الإيمان قلبه، وأورثَه ولاءً واستقامة والتزاماً، وشَفَع ذلك بعلم شرعي يعرف به ما يحل وما يحرُم، وما هو شبهة أو خلاف... وينشأ عن ذلك روح مبادرة كالتي كانت من الهدهد الذي كان سبباً لإيمان بلقيس وقومها.
وأما الرابط القوي بين اللبنات فهو الحب في الله، والشعور بروح الفريق، فينسب الأخُ كلَّ نجاح إلى الجماعة ويفرح له، ويقدّم النصح لإخوانه الذين هم فوقه في المرتبة التنظيمية أو الذين هم دونه، ويتحرر من حب الرئاسة، ويكون على استعداد لتنفيذ ما يُكلَّفُ به، وقد يبدي عذره إذا لم يجد نفسه أهلاً لذلك التكليف، فإن لم يُقبل عذرُه بَذَلَ ما يستطيع، ويكون على استعداد دائم لأن يتنازل عن اجتهاده وقناعته، لما ترتضيه الجماعة، ما دام ذلك في طاعة الله، ثم فيما تواثقت عليه الجماعة من نظام.
وإنه بغير هذا الرابط القوي يكون أفراد التنظيم كالذين وصفهم الله تعالى بأنهم: (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى). {سورة الحشر: 14}.
وسوم: العدد 811