التنظير الإسلامي الحديث : بين أصوات حائرة فيه ، وأصوات تبحث عن مخرج من الحَيرة !
أصدر الداعية الإسلامي الكويتي ، حاكم المطيري ، قبل سنوات ، عدّة ، كتابه الرائع : الحرّية أو الطوفان .. وتحدّث فيه ، عن الفقه المنزّل ، والفقه المؤوّل ، والفقه المبدّل ، وهو الذي تتخبّط ، في ويلاته ، أمّة الإسلام ، اليوم ! وهو الفقه البشري ، المنبثق من تصوّرات بشرية، بحتة ، مرجعيتها : نظريات بشرية ، بحتة ! وكل مقدّس ، للأمّة ، يأتي ، في الأهمّية ، بعد أقوال البشر!
وأوضحُ نموذج ، في هذا الفقه ، هو الأحكام القضائية ، التي تصدرها المحاكم ، في إطار الفقه المبدّل :
فالقاضي ، حين تأتيه قضية ما ، ينظر، أولاً ، في النصوص القانونية ، التي شرعها مجلس النوّاب ! فإذا وجد ، في هذه النصوص ، نصّاً يتعلّق بالقضية ، التي ينظر فيها، أصدر حكمه، استناداً، إلى هذا النصّ! وإن لم يجد، نظر، في الأعراف ، التي يتعامل بها الخصوم ، في هذه القضية ! فإن لم يجد فيها ، مايستند إليه ، في إصدار الحكم ، نظر في الشريعة الإسلامية، التي تأتي ، في الدرجة الثالثة ، من سلّم الهرم التشريعي ! وقبلها ، بالطبع ، كما أشرنا ، أقوال البشر، الذين ينتخبهم البشر ! وفي الدرجة الثانية : أعراف البشر ، سائر البشر، من : تجّار، ومُرابين ، وأصحاب خمّارات ، ومهنيين ، وحرفيين ، وفنّانين ، من : ممثّلين ، ومغنّين ، وراقصات ، و طبّالين .. وغيرهم !
في إطار هذا الواقع البائس ، للأمّة ، يأتي المنظّرون ، ليصوغوا نظرياتهم ! ونقصد ، هنا، المنظّرين الإسلاميين ! أمّا المنظّرون الآخرون ، فهم كثيرون ، جدّاً ، ومهمّتهم الأولى ، هي: التنظير – من خلال أمزجتهم وأهوائهم - للأمّة ، التي هي مسلمة ، في أكثريتها الساحقة !
فالتنظير الإسلامي الحديث ، كلّه ، يأتي، اليوم ، في إطار الفقه المبدّل ، الحاكم في العالم الإسلامي، والمهيمن، على عقول قادته : السياسيين والفكريين .. وعقول مَن يُسمَّون مثقّفين، فيه ، باستثناء المفكّرين الإسلاميين !
في القديم : كان الخوارج والمعتزلة والمُرجئة ! وكلّهم ينظّرون ، في إطار الفقه المؤوّل ، والذي يُعَدّ فقهاً إسلامياً ؛ برغم اختلاف المذاهب فيه !
وفي العصر الحديث ، تحت هيمنة الفقه المبدّل ، ظهرت المدارس الفقهية المختلفة ، التي تنظّر، في الهامش الوهمي ، بين الواقع البائس ، المحكوم بأمزجة البشر وتصوّراتهم .. وبين التصوّرات الغائمة ، الحالمة ، بإقامة حكم إسلامي ، ليس له أيّ نموذج حقيقي ، على أرض الواقع ! ونماذجُه المتصوّرة المعروضة ، كلّها ، ملفّقة ، من مثاليات فكرية ، مجمّعة ، من عصور زاهية مختلفة ، من تاريخ الأمّة ! ويلاحَظ ، في كثير من هذه النماذج ، الإخلاصُ، والصدقُ ، في البحث ، عن نماذج نظرية ، للحكم الإسلامي المنشود ! ويستحيل ، بالطبع ، العثور، على أيّ نموذج متكامل ، في أيّ عصر، لاتخاذه ، بسائر تفصيلاته ، مثلاً ، يحتذى ، في عصر أخر !
ومن المدارس الإسلامية ، المتباينة ، في أهدافها ومنطلقاتها وارتباطاتها : السلفيات بأنواعها، القديمة الراسخة ، منها .. والمستحدثة ، التي تتكاثر، باستمرار؛ إذ برع الحكّام ، في استحداث أنواع ، من السلفيات ، تدعم حكم كلّ منهم ، في بلاده ، ويجابه بها ، خصومه الإسلاميين ، الذين يعارضون حكمه ، كلّه ، أو بعضه .. أو طريقته في الحكم !
القرآنيون : الذين يُنكرون السنّة النبوية ، ويزعمون ، أنهم يؤمنون بكتاب الله ، وحدَه ! وهم يتّخذون ، من هذا الادّعاء ، تُكأة ، لهدم الدين، كلّه ؛ لأن كثيراً من الأحكام ، التي وردت، في القرآن ، إنّما توضحها السنّة النبوية، ولا يمكن معرفتها ، ألبتّة ، إلاّ من خلال السنّة !
المحدّثون الجدد: والهمّ الأول ، لأكثرهم، هو: التشكيك بالبخاري ، وأضرابه ، من علماء الحديث النبوي، ورواتِه ! وإذا أفلَحوا ، في تشكيك المسلمين ، بصحيح البخاري ؛ فكلّ مادونَه، في الصحّة، عرضة للشكّ ، من باب أولى! وبالتالي ؛ تُهدم السنّة، ليُهدم، بَعدها، الإسلام كلّه!
وثمّة مدارس كثيرة ، يصعب استقصاؤها ، منها مايهتمّ بالعمل السياسي ، ومنها ما يقتصر اهتمامه ، على التزكية الفردية ! ولكلّ مدرسة طريقتها : في التفكير، وفي التعامل مع الناس!
وقد صُنّفت كتب كثيرة، في تحليل المدارس الإسلامية المختلفة، يمكن أن يعود إليها، أيّ باحث مهتمّ بالموضوع!
وسوم: العدد 812