قصصُ العُروج(116)
رَوَافعُ العلم
أقلامُ الرِّفعة:
وصف الله نبيه إدريس بالصَّدَّيقية والنبوة ثم قال تعالى: {ورفعناهُ مكاناً علياً}.
وعن هذه المنزلة الرفيعة لم يرد في القرآن ما يشير إلى علّتها، ذلك أن إدريس من الأنبياء الذين ذُكروا في القرآن دون ذكر قصصهم، مما دفع بعض المفسرين إلى البحث عن مرويات إسرائيلية لا تصح، وأهمها ما رواه ابن جرير من أن إدريس طلب من خليل له من الملائكة أن يكلم الله في أن يطيل في عمره حتى يزداد عملاً، فذهب معه إلى السماوات وفي السماء الرابعة تقابلا مع ملك الموت الذي كان نازلاً لقبض روحه، فقبض روحه هناك !
ويبدو لي أن الرفعة المشار إليها في الآية مرتبطة بالعلم، فقد تواترت روايات المؤرخين على أن إدريس هو أول من كتب بالقلم، وتكون هذه الرفعة من باب قوله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات..}. فكيف وهو أول أنبياء الله بعد آدم؟ بمعنى أنه ابتكر الكتابة فانطبق عليه مقصد الحديث الشريف الذي يقول: "من سَنَّ سُنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة"، وهذا يزيد من رفعته تلك.
تطويعُ الطبيعة:
عندما خلق الله آدم فضَّله على سائر الكائنات بأربعة أمور: الخَلق بيده، النّفْخ من روحه، تعليمه الأسماء كلها بنفسه، وإسجاد الملائكة له.
ومع أن إسجاد الملائكة المباشر كان لآدم وحده إلا أن الشرف والتكريم يصلان إلى كل فرد من نَسْله، ثم إن الإنسان يستطيع بالعلم أن يُسجد الطبيعة كلها، وذلك بالسيطرة عليها وإخضاعها، وباستثمارها في إنجاح قضية الاستخلاف والعمارة، وجعلها محراباً للعبادة الكونية التي تؤهله للعودة إلى الجنة من جديد !
الاستزادة من العلم:
لم يأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء سوى العلم، قال تعالى: {وقل ربي زدني علماً}، وعلماً كلمة نكرة لتفيد مطلق العلم، وهو كل علم يساعد في تقريب العباد من ربهم، وتذليل الخلق لبعضهم، بحيث يتعاونون على عبادة الله، بعمارة الأرض وخدمة الخَلْق.
بُورِك المُتدبِّرون
منتدى الفكر الإسلامي
وسوم: العدد 813