الموت : بين الهاجس المدمّر، والغفلة المُهلِكة ، والتغافل ؛ لتستمرّ الحياة !
الموت : مصير المخلوقات الحيّة ، جميعاً ! وقد قال ، تعالى : (خَلقَ الموتَ والحياة ، ليبلوَكم أيّكم أحسنُ عملاً ..) .
وقال لنبيّه محمد : (إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون) .
وأسباب الموت كثيرة ، متنوّعة .. قال الشاعر:
لكنّ مواقف الناس ، من الموت، تختلف ، باختلاف عقلياتهم ونفسياتهم !
نماذج :
النموذج الأول : مَن يسيطر عليه ، هاجسُ الموت !
إذا سيطر هاجسُ الموت ، على إنسان ما ، أفقده القدرة ، على الحياة السويّة ، كما يحيا سائر البشر، وانشغل تفكيره ، كلّه ، بالموت ، وبالساعة التي يحلّ فيها ! فهو في رعب دائم ، من اللحظة التي يموت فيها ، ويفارق الدنيا ، بما فيها ، من أهل وأحبّة ومتاع !
لقد سيطر هذا الهاجس ، على رجل ، من إحدى دول الخليح ، في فندق ، كان يقيم فيه ، في دمشق ، فكان يتكلّم مع مَن حوله ، ويرتجف ذعراً ، من شدّة إحساسه ، بقرب الموت : ترتجف يداه ، وشفتاه .. وتضطرب الكلمات ، في فمه ! وإذا سُئل ، عمّا إذا كان يحسّ بألم ، أو يشكو من مرض ، أجاب بالنفي !
كان يخرج ، كلّ صباح ، من الفندق ، ولا يعود ، إلاّ في المساء ، محاولاً أن يرى الأشخاص، الذين كانت له صلة بهم ؛ كي يطلب منهم المسامحة ، أو يؤدّي لهم ، بعض مالهم عليه ، من حقوق !
كما سيطر هاجس الموت ، على رجل ، كان يعمل في التدريس ، في الأردن ، وكان من خيرة الرجال ! وسببُ الهاجس ، أن الرجل دخل المشفى ، فعاينه بعض الأطبّاء ، وتحدّثوا ، فيما بينهم ، باللغة الإنجليزية ، كيلا يفهم كلامهم ! فذكر أحدُهم للآخر، أن الرجل سيموت ، في بضعة شهور، لاتزيد على الستة ؛ بسبب انتشار الورم ، داخل جسده ! وكان يجيد اللغة الإنجليزية ، ففهم الكلام ، هيمن عليه الهاجس ، ولزم غرفة في بيته ، لا يغادرها ، ولا يقابل أحداً ، من الناس ، حتى توفّاه الله ، قبل أن يكمل المدّة ، التي ذكرها الأطبّاء !
النموذج الثاني : مَن يَغفل عن الموت !
وهذا النموذج ، هو من أكثر النماذج ، انتشاراً ، بين الناس ! فالناس ، جميعاً ، يعلمون ، أنهم سيموتون ، لكنْ رغباتُهم ، وأهواؤهم ، وحبّهم الشديد للحياة ، وتعلّقهم بالأمل ، مع ما يصاحب ذلك ، من أوهام النفوس .. كلّ ذلك ، يدفعهم ، إلى تعمّد نسيان الموت ، أو تناسيه ؛ ليظلّوا منغمسين ، في متع الحياة ! حتى إذا أحسّوا ، بدنوّ الموت ، جزعوا منه ، جزعاً شديداً ، هم ، ومَن حولهم ، من أهل وأحبّة ! فإذا وقع الموت ، أقاموا الدنيا ، بالنواح والصراخ ، كأنهم كانوا يتوقّعون الخلود ، للشخص الميّت !
النموذج الثالث : مَن يتغافل ، عن الموت ، ويعمل لِما بَعده !
ورد ، في الحديث النبوي : الكيّس مَن دانَ نفسَه ، وعَملَ لِما بَعدَ الموت .. والعاجز مَن أتبع نفسَه هواها ، وتمنّى على الله الأماني !
فهذا النموذج يدرك ، تماماً ، أنّ الموت ، مصيره ، كما هو مصير الأحياء ، جميعاً ! وقد استقرّ ، في وعيه ، أن الموت كتاب مؤجّل ، مؤقت بوقت محدّد ، لا يسبقه ، ولا يتأخرعنه ! ويعلم ، أنه محاسَب ، على كلّ عمل يعمله ، من قول ، أو فعل ! فهو يستكثر، من أعمال الخير، ويوازن ، بين حاجاته في الدنيا ، ومصيره في الآخرة ! فيعيش حالة ، فيها نوع من الاطمئنان القلبي ، والتوازن النفسي !
وهذه الحالة ، تكاد تكون مقصورة ، على المسلمين ؛ ولا سيّما العقلاء الأتقياء ، منهم !
وسوم: العدد 813