تفاهات وسفاهات إسرائيلية
للإسرائيليين تفاهات وسفاهات تؤكدها أقوالهم وأفعالهم عبر التاريخ ، وعللها القرآن الكريم في قوله _ تعالى _ في سورة الحشر في الآية الثالثة عشرة : " ... ذلك بأنهم قوم لا يفقهون " ، وفي الآية الرابعة عشرة من نفس السورة : " ... ذلك بأنهم قوم لايعقلون " ، وهذا يؤكد أنها صفة ملازمة لهم . ورب تساؤل : هل هي في جيناتهم ؟! وهل الإسرائيليون اليوم ، واليهود تعميما ، امتداد عرقي للإسرائيليين واليهود القدامى الذين تفهوا وسفهوا أقوالا وأعمالا عللها القرآن بغيبة فقههم وعقلهم ؟! لا أناقش هذه القضية الآن ، ما يهمني وجود ظاهرة تفاهاتهم وسفاهاتهم في وقتنا الحاضر ، وفي التاريخ الداني ، أي منذ ابتلينا بوبائهم في فلسطين وفي المنطقة العربية الإسلامية . ورب تساؤل أيضا : كيف نلائم بين تفاهاتهم وسفاهاتهم من جهة وبين نجاحاتهم في مجالات حيوية كثيرة ؟! لا ألمس تناقضا بين الأمرين ، فالنجاح في أمور كثيرة يعتمد على الخبرة المتراكمة في بيئة معينة ، وعلى المثابرة وحب الهدف ، ولدى الفلسطينيين على عظم محنة فقدهم لوطنهم وتشتتهم من الكفاءات والخبرات في كل فروع المعرفة والثقافة والحرف أكثر مما لدى الإسرائيليين ، ونسبة كبيرة من الكفاءات والخبرات في إسرائيل مهاجرة مجلوبة ، ونجاحاتها السياسية والعسكرية في المنطقة تعتمد كثيرا على المساندة الأميركية والغربية المطلقة ، وخيانة كثيرين من العرب ، واستهتار كثيرين منهم وعدم جديتهم في معاداتها . ومنذ أن وجدت إسرائيل في المنطقة وهي تنتج التفاهات والسفاهات ، بل إن نشأتها في أرض ليست لها تفاهة وسفاهة واصلتهما في عدوانها على دول الإقليم ، وفي اضطهادها للشعب الذي سرقت أرضه ، وفي تنكرها لحقوقه الوطنية والسياسية والإنسانية ، وفي إلحاحها على الفوز بكل شيء كاملا في أي علاقة أو تسوية مع أي طرف عربي ، وفي بحثها المتصل عن دواعي الخلاف والعداء مع دول الإقليم ، وإذا تظاهرت بالتوافق مع دولة فجرت الخلاف مع دولة جديدة فيه ، وما تفعله مع إيران يؤكد هذه النزعة المرضية المستحكمة في روحها الشريرة . قلنا مرارا إن الشعوب الأوروبية التي ارتحلت إلى ما وراء البحار واستوطنت بقاعا جديدة آلت إلى التعايش والتساكن مع أهل تلك البقاع ، وأنتج التعايش والتساكن مجتمعات حيوية متساجمة ، ولم يسعَ الأوروبيون جملةً ، على ما بدا منهم أحيانا من توحش ، إلى محو كامل وجود السكان الأصليين معنويا وماديا . فدولة كندا اتخذت اسمها هذا من لغة سكان البلاد الأصليين ، ومعناه ( القرية ) ، ومروحية الأباتشي الأميركية اسمها على اسم قبيلة هندية ، والذي قاد حركة استقلال البرازيل عن البرتغال المستعمرة لها برتغالي . الإسرائيليون الذي هم قطرة في البحار العربية والإسلامية ألحوا في غباء شامل على محو كل شاهد على عروبة وإسلامية فلسطين . خربوا ومحوا 400 قرية فلسطينية ، وعبرنوا الأسماء . وهدم منازل الفلسطينيين ، أهل البلاد الأصليين ، سياسة إسرائيلية فريدة . ويصعب متابعة تفاهاتهم وسفاهاتهم فردية أو جماعية أو رسمية . ولننظر إلى تقييماتهم للمخاطر التي يتخوفونها ! مرة يجمعون في تفكير نمطي على أن حزب الله هو الخطر ، ومرة يجمعون على إيران ، ومرة يجمعون على غزة ، وفي كل مرة يجرون مناورات تحاكي حربا مع أي من الأطراف الثلاثة . ومن آخر ما سمعناه من هذه التفاهات والسفاهات ما كان من إيدي كوهين الباحث في مركز بيجن _ السادات ، على قناة " الجزيرة " في برنامج " الاتجاه المعاكس " الذي تحاور فيه أو تصادم مع الدكتور نشأت الأقطش أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت ، وفيه فتك الأقطش بكل قناعات وتفاهات وسفاهات كوهين الإسرائيلية النمطية ، فسطت سمات الخذلان وانقطاع الحجة على وجهه الذي ألف السرور في تبادل الكلمات مع بعض المعتوهين من المواطنين العرب المتحمسين للتطبيع . ومن أبرز تفاهات وسفاهات كوهين " تعني في العبرية الشيخ " " نصيحته " للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة بالهجرة إلى أوروبا ، وأكد عليهم بحافز " الإخلاص " في النصيحة ألا ينسوا أن يأخذوا معهم البطاقة التي تثبت كونهم لاجئين ، وبشرهم بأنهم سيحصلون بعد أربع سنوات من الإقامة في تلك الدول على الجنسية . الأقطش رد على نصيحته الفاسدة البلهاء بأن الفلسطينيين هنا من آلاف السنين ، وأنهم لن يتركوا أرض وطنهم . أين التفاهة والسفاهة في نصيحة المعتوه كوهين ؟! في تخيله السفيه أن الفلسطيني سيترك وطنه حال سماعه بإمكانية الهجرة والحصول على جنسية أخرى . ما تفسير هذا التخيل عند الإسرائيليين ؟! تفسيره بأنهم لا يعرفون حب الوطن لكونهم مهاجرين إلى فلسطين ، تركوا أوطانا أحسنت إليهم ، وحسبتهم من أبنائها ، وهم من أبنائها فعلا ، وجاؤوا إلى فلسطين رغبة في مستوى معيشة أحسن . ولكون هذه هي حقيقتهم فإنهم يغادرون فلسطين عند أي مشقة اقتصادية أو أزمة أمنية . ولو قاسوا معشار ما يقاسيه الفلسطينيون في غزة والضفة ما بقي منهم إلا القليل . وفي حرب 2006 مع حزب الله جهز مليون إسرائيلي جوازاتهم للهجرة إلى الغرب ، وتداركت الحكومة الإسرائيلية الكارثة بالضغط على الدول الغربية حتى لا تستقبلهم . وبعد كل حرب أو منازعة مع غزة الصغيرة المحاصرة يرحل عدد من سكان غلافها إما للداخل أو للخارج . الراحل الجميل محمود درويش يمثل كل فلسطيني حين يقول راعد الصوت : " وطني ليس حقيبة ، وأنا لست مسافرْ* إنني العاشق والأرض الحبيبة " . من الذي اتخذ الوطن حقيبة ؟! الإسرائيليون في جملتهم ، ومنهم إيدي كوهين ، جاء إلى فلسطين بحقيبة ، فليحملها وليرحل مع غيره من المستوطنين المغتصبين ملعونين مثبورين ، وهم جميعا أحق بنصيحته من الفلسطينيين .
***
يقدم برنامج " الاتجاه المعاكس " أقبح صورة للعقلية والثقافة العربية ، فالمتحاوران يتشاجران غالبا بعنف لا بالحجة ، وأحيانا يشتبكان بالأيدي إذا كانا في قاعة البرنامج ، وفيصل القاسم حين يسأل أحدهما يصرخ كأنه يهدد أو يشاجر .
وسوم: العدد 814