تطرف خفي

من أكثر المشكلات العقدية والإيمانية القديمة الجديدة في التعاطي المنهجي معها مشكلة " *العلاقة بين الإيمان والأخذ بالأسباب"* وعدم ضبط النسب بينهما.

ومنشأ المشكلة في واقعنا هو التطرف وغياب التوازن في الفهم والممارسة معا لهذه القضية حيث تلتبس الأمور وتتداخل جراء الاستدلال العشوائي للنصوص فيها.

ويتمثل هذا التطرف الخفي في صورتين: 

الاولى: صورة الفهم الديني المتطرف لموضوع الايمان وأهميته وموقعه وتأثيره على حساب الأسباب.

فمثلا في قوله تعالى :ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" ينظر إليها أن الايمان هو الشرط الوحيد والأعظم للنصر والعلو وعدم الحزن والهوان، متناسين النسبة المطلوبة للأخذ معه بالاسباب. 

ومن ذلك تفسير قوله تعالى:  "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" بأن نصرة الله تكمن في طاعته واتقاء محارمه ونصرة دينه دون اعتبار للأخذ بالاسباب .

والثانية: الفهم المادي المتطرف لموضوع الاسباب على حساب الايمان فيظن ان الاخذ بالاسباب هو ملاك الامر كله وتحسب الامور وفق القوانين المادية ومعايير القلة والكثرة فقط دون اعتبار للعامل الايماني وأثره وأن عوامل القوة المادية وحدها هي الكفيلة بأن تحقق لك ما تريد من إنجاز.

وكلا الطرفين يستعين بآيات وأحاديث تسعفه فيما يذهب اليه من رأي دون النظر للمشهد الكلي للنصوص جميعها في القضية والتي تقول لنا : إن الانجاز في الحياة يتطلب الموازنة الدقيقة لمعادلة الايمان والاسباب وأن كليهما من الدين.

إن طغيان الشعور الايماني دون حد طغيان غير ناضج وتحميل للدين مفاهيم لم يقصدها ومن ثم قرارات سيكون لها تبعاتها الثقيلة. 

وطغيان الأخذ بالاسباب دون حد طغيان مادي يلغي أو يصغر أثر  الايمان والمدد الرباني وإغراق في معادلات الواقع ومن ثم أيضا قرارات لها تبعاتها الثقيلة ايضا. 

إن من أهم دوائر الاجتهاد في زماننا ومن أعظم أدوار المفكرين والفقهاء والمفتين والمربين والموجهين ضبط هذه المعادلة وبيان حالة التوازن الشرعي لتحقيق الانجاز في الحياة على مستوى الافراد والمؤسسات والدول، وأن مهمة البيان والضبط هذه الان هي من أهم الضرورات الفكرية والشرعية والميدانية التي ستجنب الكثير من المجازفات والمغامرات الجريئة أو التخوفات والتحوطات الموهومة على حد سواء.

وسوم: العدد 814