أنا مسلم
متى نعود إلى رشدنا؟
متى نعود إلى ديننا الحق، إلى إسلامنا النقي، الخالي من المتعلقات التي أفسدت وحدته وجددت غربته؟!
لماذا عندما تسأل مسلماً عن تدينه يقول لك: أنا سلفي أو صوفي أو إخواني أو أو؟
لماذا لا يعود ذلك المسلم إلى الأصل الصحيح الذي كان عليه كل الأنبياء وكل الصحابة والتابعين والصالحين وكل من كانوا سبباً في إعلاء كلمة هذا الدين، فلم يختلفوا يوماً على ذلك المسمى (أنا مسلم)؟
قال الله تعالى: ]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ[ [الحج:78]. فإن كان ربنا سمانا "مسلمين" دون أي متعلق آخر، فهل نزهد بمسمى ربنا عز وجل، ونختلف بسبب أسماء أطلقناها على أنفسنا؟!
قيود الانتماءات المدرسية فصلتنا عن إخواننا:
لا أقول أنّ تلك العلائق هي عيوب في ديننا، لا أبداً، ولكنّها قَيد قاسٍ، وتحجيم لا مبرر له، وطمّاشة جعلتنا نرى من خلالها سواد فرديتنا، وجعلتنا ننغلق عن باقي إخوتنا، فغدا الكثير يتبعون مدارس (لا ننكر فضلها) فيتمسكون أو يتشددون في الانتماء إليها، أكثر من تمسكهم بالأصل الذي يجمعهم تحت مظلة واحدة وفكر واحد، فيصهرهم في بوتقة الأخوّة الدينية.
أرباب هذه المدارس في صف واحد:
ولا ننكر أنّ أغلب أرباب هذه المدارس رحمهم الله جميعاً لا ينكرون إخوانهم في باقي المدارس الأخرى، وجلّهم يحترمون ويحبون بعضهم بعضاً ولا يجدون حرجاً في ذلك، ولكنّ أتباع هؤلاء وأتباع هؤلاء تشدّد كلّ في مدرسته، وتمسّك كلّ بأستاذه، فنتجت لدى كلّ واحد منهم عصبية لا تليق بوحدة ديننا، وأخذت كلّ فريق منهم الحميّةُ لمدرسته (إلا من رحم ربي)، ومعاداة أتباع باقي المدارس الأخرى، فنهشتْ هذه الحمية قوتنا وفرّقتْ جموعنا، حتى أذهبتْ ريحنا.
وجوب التخلي عن أسباب ضعفنا:
إنّ الله تعالى حثَّ على وحدة صفوف المسلمين، كما جاءت السنّة المعطرة مؤيدة قولاً وعملاً في وحدتهم أيضاً، وإنّ فرقة أمتنا أمر منبوذ في ديننا، يحرم العمل عليه والمساهمة فيه، وما يؤدي إلى حرام فهو حرام، فنحن الآن أمام أمريين سبّبا في خرقِ صفوفنا، الأول: هو تشدد أتباع تلك المدارس في أفكارهم والتعصب لجماعتهم أكثر من التمسك بالأصل وهو الإسلام. والسبب ثاني: هو نشوء تلك المسميات التي تعلقتْ بنا فقيدتنا وجزأتنا وأضعفتنا.
والآن وبعد أنْ آلَ حال أمتنا إلى ما نحن عليه من الضعف والانقسام والوهن، وجب علينا حتماً إزالة هذين السببين الذين لعبا دوراً سلبياً خطيراً في تدهور حال الأمة، فأضعفا حالها، وفرّقا صفها، وقوّا عدوها.
وأظن أنّ السبب الأول في التشدد والتعصب للمدارس لا خلاف في أنّه عامل كبير في شرخ الصف، ولكن سأجد من يخالفني في السبب الثاني، وهو أنّ تلك المسميات التي تعلقتْ بالمسلم سبب رئيس في حِدة الخلاف، وزيادة الفجوة بين الأخوة، ونشوء مسميات فرعية أخرى لكل مدرسة زادتْ الخرق على الراقع.
فلا أجد حرجاً في تخلينا عن تلك العلائق (المسميات) التي تسببتْ في شرخ وحدتنا، ونقض عُقدتنا، وإضعاف قوتنا، والتخلي عنها لا يلزم منه عدم الوفاء لمدارسنا ولشيوخنا، ولا يعني التنصل منهم، بل عدم جعلها سداً يحول دون وحدتنا، ومعولاً يهدم صرح حضارتنا.
قواسم وعوامل وحدتنا كثيرة:
إنّ في كل مدرسة من تلك المدارس قواسم كثيرة مشتركة بينها، تجعل منها جسماً واحداً وقوة لا يستهان بها، ولكن البعض آثر النظر في مسائل خلافية مخفية في زوايا ضيقة لا تكاد تُرى، فقام وأظهرها وبهّرها وعظّمها، حتى باتت خلافتنا النادرة تحكمنا، واتفاقاتنا الكثيرة مُغيبة منسية.
فكرتي التي أدافع عنها ليست مدرسة جديدة تزيد في عدد تلك المدارس، ولا اسماً آخر يزيد فرقتنا فرقة وانقسامنا انقساماً، بل هي فكرة أصيلة تجعلنا جميعاً نعود إلى مدرسة واحدة، ألا وهي مدرسة "الإسلام" كما بدأت، بلا متعلقات أخرى تُقيّده وتُحجّمه وتَفصله عن إخوانه، حتى يُجيبَ كلُّ واحد منّا عن تدينه قائلاً: (أنا مسلم) فقط.
وسوم: العدد 816